عاجل:

سلاح "حزب الله" بين ضغوط الخارج وتوازنات الداخل: أي مستقبل لسيادة لبنان بعد حرب 2024؟ (خاص )

  • ٤٥

خاص - "إيست نيوز" 

بعد عام على الحرب الإسرائيلية الموسّعة على لبنان (20 أيلول – 27 تشرين الثاني 2024)، يعود ملف سلاح "حزب الله" إلى واجهة النقاش الداخلي والخارجي بوصفه العنوان الأكثر حساسية في مسار التفاهمات المقبلة. فالأزمة لم تعد محصورة بحدود الداخل، بل باتت مرتبطة بتسويات إقليمية ودولية، في ظلّ ترقّب الرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية التي أعدّها المبعوث توم برّاك، القائمة على مبدأ "خطوة مقابل خطوة".

قنوات الاتصال محدودة

النقاش حول مستقبل السلاح محصور حالياً بين قصر بعبدا وعين التينة، مع غياب أي تواصل مباشر مع "حزب الله". ويشكّل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي صلة الوصل الأساسية في هذا الملف، مُستفيداً من خبرته التفاوضية التي سبق أن برزت في محطات مفصلية مثل تفاهم نيسان 1996 واتفاق الدوحة 2008.

إدارة بري للملفّ تأتي في ظل ضغوط دولية متزايدة تطالب بجدول زمني واضح لنزع سلاح الحزب أو دمجه ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، بما يوازن بين مُقتضيات السيادة الداخلية والتوازنات الإقليمية.

نيويورك محطة مفصلية: أجندة ثقيلة

بالتوازي، ينشغل الفريق الرئاسي بالتحضير لمشاركة الرئيس جوزف عون في أعمال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتّحدة في نيويورك.

الأجندة اللبنانية تتضمن ثلاث نقاط أساسية:

1. المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة.

2. إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل.

3. حشد الدعم لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب الأخيرة.

وبينما لم يُحسم بعد لقاء الرئيس عون مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، يرى مراقبون أنّ الولايات المتّحدة قد تستخدم ورقة اللقاء كرسالة سياسية مشروطة بمدى تجاوب لبنان مع الضغوط الدولية في ملف السلاح والحدود.

ملف الأسرى: جرح مفتوح يعيق التسويات

يبقى ملفّ الأسرى والمفقودين أحد أبرز العقبات أمام أي مسار تفاوضي. فرغم إطلاق بعضهم مطلع العام بوساطة القوات الدولية، عاد الجمود ليسيطر مجدّداً. وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 16 أسيراً مثبتين، فيما يبقى مصير عشرات المُقاتلين مجهولاً. وهذا الملفّ لا يتوقّف عند البعد الإنساني، بل يشكّل ورقة تفاوضية أساسية، إذ إن أي بحث في السلاح أو الحدود يمرّ حكماً عبر معرفة مصير الأسرى وضمان إطلاق سراحهم.

الحدود اللبنانية – السورية: نقاش بعد سكوت

أما على خط دمشق، فتتقدّم الاتصالات بشأن ترسيم الحدود اللبنانية - السورية بوتيرة أسرع من المتوقّع، رغم حساسية الملف. فمنذ الاستقلال، لم تتعامل الأنظمة السورية المتعاقبة مع لبنان كدولة مُستقلّة ذات حدود واضحة، بل أبقت الواقع رهينة "خطوط وهمية" رسمها الانتداب الفرنسي قبل أكثر من قرن. ولكن التقدّم الحالي مُرتبط بشروط سورية، وأبرزها كما تردد تسليم عدد من الموقوفين الإسلاميين، وفي مُقدّمتهم الشيخ أحمد الأسير المدان بالاعتداء على الجيش في عبرا. وتعتبر دمشق هذا الشرط أساسياً قبل أي تقدّم في الملفّات الأخرى.

ما بين واشنطن وطهران وموسكو

المُتابعة الاستراتيجية تُظهر أنّ ملفّ السلاح في لبنان لم يعد محلياً بقدر ما هو ورقة ضمن المفاوضات الإقليمية. واشنطن تسعى إلى تقليص نفوذ إيران عبر تحجيم دور حزب الله، في حين تتمسك طهران بالسلاح كورقة ردع وضغط.

أما موسكو، فتتبنّى مُقاربة براغماتية تقوم على الحفاظ على التوازن القائم ومنع انزلاق لبنان إلى فوضى جديدة، مع الدفع نحو حلول وسط تضمن بقاء السلاح ضمن استراتيجية دفاعية وطنية.

تسوية شاملة أم إدارة أزمة؟

بين السلاح والحدود والأسرى وإعادة الإعمار، يجد لبنان نفسه أمام مفترق طرق. فإما أن ينجح في استثمار الدعم الدولي والعربي للانطلاق نحو تسوية شاملة تعيد الاعتبار إلى الدولة ومؤسّساتها، وإما أن يستمر في إدارة أزماته بالحد الأدنى، بانتظار نضوج تسويات إقليمية كبرى.

معركة استعادة الدولة

يبقى السؤال المركزي: هل يملك لبنان القدرة على فرض معادلة جديدة تنهي زمن السلاح الخارج عن الدولة وتفتح الباب أمام بناء دولة سيّدة وقادرة؟ أم أنه سيظل عالقاً في دوامة التسويات المؤقتة؟

الإجابة مرهونة بمدى قدرة الداخل على التفاهم، وبمدى استعداد المجتمع الدولي للانتقال من مرحلة "إدارة الأزمات" إلى مرحلة "فرض الحلول المُستدامة". في الحالتين، المعركة المُقبلة للبنان هي معركة استعادة الدولة قبل أي شيء آخر.


المنشورات ذات الصلة