عاجل:

"الودائع بالارقام": تسويات طويلة الأمد..لتعود أسهما وتسويات (خاص)

  • ٢٣

خاص - ايست نيوز 

عصام شلهوب 

منذ انهيار النظام المالي اللبناني عام 2019، تحوّلت ودائع المواطنين إلى قضية وطنية كبرى، وها هي محاولات الحلّ اليوم تخرج إلى العلن بشكل أكثر تفصيلًا. فالمصارف التي كانت يوماً الملاذ الآمن للمدخرات، باتت بوابة انتظار مرهق، يطرقها المودعون بأمل استعادة ما تبقى من حقوقهم.

اليوم، تتشكل ملامح تسوية شاملة، لا تعد باستعادة الأموال نقدًا دفعة واحدة، بل بمسار طويل يجمع بين الدفعات المرحلية، وتحويلات إلى أسهم وسندات، وتدابير قانونية للتعامل مع الودائع المثيرة للجدل.

دفعات شهرية وفق التعاميم

الاتفاق الأخير الذي أُقر بالتعاون مع مصرف لبنان يميّز بين المودعين بحسب التزاماتهم السابقة:

             •           من وقعوا على تعميم 158 سترتفع دفعاتهم الشهرية إلى 1200 دولار، ما يخفف من الضغط على حياتهم اليومية.

             •           من التزموا بتعميم 166 سيحصلون على دفعات شهرية بقيمة 500 دولار على مدى ثلاث سنوات، كحل وسط بين إمكانات النظام المالي وحاجة المودعين للسيولة.

             •           أما من لم يوقعوا على أي تعميم، فسيحصلون على دفعات شهرية أكبر تصل إلى 3300 دولار، موزعة على خمس سنوات، في محاولة لتحقيق عدالة نسبية مع الفئات الأخرى.

هذه الآلية تعكس توجهًا تدريجيًا لتوزيع السيولة المتاحة، وتُقدَّم كحلّ يراعي ما سبق أن أُبرم من اتفاقات مع مختلف فئات المودعين.

الودائع إلى أسهم وسندات

لكن الدفعات الشهرية ليست سوى نصف القصة. الخطة تتضمن أيضًا تحويل جزء من الودائع الكبيرة إلى أسهم مصرفية أو سندات مساهمة، بحيث ينتقل المودع من صاحب حق نقدي إلى مساهم يملك حصة في البنك. هذه العملية تُعيد رسملة المصارف وتحسن ميزانياتها العمومية، لكنها في الوقت نفسه تحمل المودعين أعباء الخسائر وتضعهم في مواجهة تقلبات السوق.

معدل التحويل يُحدد بحسب تقييم صافي أصول البنك بعد الشطب والمخصصات، وقد يكون أقل بكثير من القيمة الاسمية للوديعة. بعد التحويل، يحصل المودعون على حقوق تصويت، ويصبح بإمكانهم بيع أسهمهم أو تداولها فور عودة السوق المالية إلى نشاطها الطبيعي.

تحديات قانونية وفنية

حتى اللحظة، لا يزال الإطار القانوني والتقني لهذه العملية قيد النقاش. فالتحديات التنظيمية والتقويمية معقدة، وتستلزم إشرافًا من جهات مختصة وربما تدخل البنك المركزي لضمان العدالة والشفافية. وقد تُمنح حوافز للمودعين الذين يقبلون التحويل المبكر، مثل أولوية في توزيع الأرباح أو شروط أفضل في تقييم الأسهم.

الودائع غير القانونية

أكثر الملفات حساسية في هذه التسوية هو ملف الودائع المصنفة كـ“غير قانونية”. هذه الأموال، المرتبطة بمصادر مشبوهة أو تحويلات غير شرعية، تخضع لتحقيقات دقيقة ولم يُحسم بعد مصيرها: هل ستُعاد لأصحابها بعد التدقيق؟ هل ستُصادر؟ أم ستُعامل بطريقة مختلفة كليًا؟ هذا البند ما زال مفتوحًا على قرارات مؤسسية وقضائية لاحقة.

الخسائر الصافية

رغم كل هذه الآليات، تبقى الحقيقة قاسية: المودعون لن يستردوا كامل أموالهم نقدًا. من أصل نحو 93 مليار دولار ودائع قبل الأزمة، لن تتجاوز نسبة ما يمكن استعادته نقدًا أو بما يعادله 30 إلى 50% في أحسن الأحوال، فيما يتحول الباقي إلى أدوات مالية طويلة الأجل قد تعوض جزءًا من الخسارة على مدى سنوات.

المشهد الذي يتشكل أمام اللبنانيين ليس مشهد استرداد سريع للودائع، بل مسار متدرج وطويل. دفعات شهرية موزعة على سنوات، تحويلات إلى أسهم وسندات، وصندوق استرداد محتمل يجمع الموارد على المدى البعيد. كل ذلك في محاولة لإعادة بناء النظام المصرفي من جديد، ولو على حساب أحلام المودعين التي باتت مؤجلة إلى إشعار غير محدد.

المنشورات ذات الصلة