عاجل:

مرفأ جونيه… من نافذة بحرية إلى رئة إنمائية: هل يتحقق الوعد؟ (خاص)

  • ١٠

خاصّ- "إيست نيوز"

جوي ب. حداد

في لحظة تُشبه إعلان ولادة جديدة، أُعيد افتتاح مرفأ جونيه السياحي برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، وبمُبادرة حمل لواءها النائب نعمة إفرام. المُناسبة لم تكن مُجرّد إعادة فتح رصيف بحري، بل بدت أقرب إلى إطلاق مسار اقتصادي وسياحي قد يشكّل محطة مفصلية في تاريخ المنطقة ولبنان ككل.

إفرام لخّص الرؤية بعبارة لافتة: “مرفأ جونيه: مرفأ الزمن الجديد، زمن الفرح والازدهار بدل الهجرة والدمار”. جملة تختزن إرادة في نقل لبنان من منطق الأزمات والحروب إلى منطق الإنتاج والفرص، ومن مشهد الهجرة إلى أفق الاستثمار.

دور اقتصادي وسياحي في آن واحد

يُتوقع أن يشكّل المرفأ عامل جذب سياحي واقتصادي لكسروان أولًا ثم للبنان بأسره. فبخلاف مرفأي بيروت وطرابلس المُخصّصين للشحن التجاري، يتميّز مرفأ جونية بكونه منفذاً بحرياً مكرّساً لاستقبال السيّاح.

الأثر لا يقتصر على حركة المرفأ بحدّ ذاته، بل يتعداه ليشمل المطاعم والمقاهي والفنادق والأسواق التجارية والمراكز الدينية والسياحية في المنطقة. فكل وافد عبر البحر إلى جونيه، هو مصدر حيوي ينعكس مباشرة على الدورة الاقتصادية في القضاء ويعيد الحياة إلى شرايينه.

ومن المعروف أن كسروان، بما تمتلكه من مقوّمات طبيعية وبحرية ودينية، لطالما شكّلت واجهة لبنان السياحية، لكن ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط الطويل الأمد أبقيا هذه المنطقة دون استثمار حقيقي لقدراتها. واليوم، يقدّم مرفأ جونيه فرصة لإعادة وصل البحر بالبرّ، والسائح بالمنطقة، والاقتصاد المحلّي بالاقتصاد الوطني.

لمحة تاريخية مستغرَبة

الغريب أنّه لم يذكر أي من المُنظّمين أو المعنيين أنّ بلدية جونيه كانت قد اتّخذت في 12 شباط 1970 قراراً رسمياً بتسمية المرفأ باسم "مرفأ فؤاد شهاب"، تكريماً للرئيس الذي شكّل فترة ولايته محطة أساسية في تحديث مؤسّسات الدولة اللبنانية.

مقوّمات النجاح: ما بين القطاع الخاص والدولة

لئلا يبقى المشروع رهينة الاحتفالات والوعود، ثمّة متطلّبات أساسية يجب تلبيتها، في مقدمتها:

توفير باصات ورحلات منظّمة لنقل السيّاح إلى أبرز المواقع السياحية في كسروان وجبيل والمتن.

عقد اتفاقيات مع وكالات السفر لتقديم باقات متكاملة تشمل الإقامة في الفنادق وبيوت الضيافة، إضافةً إلى تسويق المطاعم والمقاهي المحلية.

وضع تسعيرة واضحة ومُحدّدة لتجنّب الفوضى والاحتكار وضمان منافسة عادلة تشجع السائح على العودة.

تأمين بنية تحتية رقمية وإدارية حديثة في المرفأ لتسهيل المعاملات وتشجيع المستثمرين.

المرفأ بين السلام والحرب

لا يمكن فصل الحديث عن أي مرفق عام في لبنان عن هاجس الأزمات. فقد أثبتت التجربة التاريخية أن مرفأ جونيه يمكن أن يتحوّل عند الضرورة إلى منفذ لاستيراد المواد الأساسية، كما حدث في ثمانينات الحرب. ومع ذلك، يبقى دوره الأساس سياحياً بامتياز، إذ إن إمكاناته التقنية لا تسمح باستقبال السفن العملاقة، بل فقط البواخر السياحية المتوسّطة.

لكن مُجرّد وجوده يوفّر للبنان خياراً استراتيجياً إضافياً في مواجهة التحديات. ففي حال طارئة، يمكن أن يشكّل متنفساً اقتصاديًا، تماماً كما يشكّل اليوم فرصة سياحية وتنموية. وهذا ما يجعل المرفأ عنصر أمان إقتصادي، لا مُجرّد واجهة بحرية.

بعيدًا عن السياسة والمحسوبيات

إذا أراد لبنان أن يَستثمر فعلاً في هذه النافذة البحرية، فالمطلوب أن يبقى المرفأ إنمائياً صرفاً، لا ملعباً للمُحاصصة السياسية أو للمصالح الضيّقة. فالتجارب المريرة مع مؤسّسات ومشاريع حيوية أخرى أثبتت أن إدخال السياسة إلى صميم الإدارة لا يؤدي سوى إلى تعطيل التنمية وإفقاد الثقة بالاستثمار.

المرفأ ليس ملكاً لطرف أو جهة، بل هو مساحة وطنية مشتركة، ومكسب لكل اللبنانيين. لذلك، فإن أي مُحاولة لاحتكاره أو تسييسه ستُطيح بالفرص الكبيرة التي يمكن أن يوفّرها.

صوت الناس: السياحة تحرّك الحياة اليومية

لا يقتصر أثر المرفأ على الأرقام والتحليلات الاقتصادية فحسب، بل يلمسه أبناء المنطقة مباشرة في حياتهم اليومية. في هذا السياق، تقول السيّدة جينيفر، صاحبة أحد الشاليهات المُلاصقة للمرفأ، لـ "إيست نيوز":

“إعادة افتتاح المرفأ تعني لنا الكثير. فهي ستنشّط السياحة وتعيد الحركة إلى المطاعم والمقاهي والمحلّات التجارية، وتخلق فرص عمل جديدة للشباب. بالنسبة إلينا، هذا المشروع لا يفتح البحر فقط، بل يفتح باب الأمل من جديد في جونيه وكسروان”.

استثمار في الإنسان قبل الحجر

لا تكتمل جدوى المشروع ما لم يُرفَق باستراتيجية شاملة تعزز قدرات أبناء المنطقة على الإستفادة من الحركة الاقتصادية المتوقّعة. من تدريب العاملين في قطاع الضيافة، إلى تشجيع المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة على الانخراط في الدورة الاقتصادية، وصولاً إلى إشراك المُجتمع المحلي في عملية التخطيط. فالتنمية ليست مباني ومرافئ فقط، بل استثمار في الإنسان قبل الحجر.

سؤال المستقبل

إعادة افتتاح مرفأ جونيه خطوة تستحق الإشادة، لكنها تبقى البداية فقط. وبين طموح أن يتحوّل إلى رئة إقتصادية للبنان، وهاجس أن تعرقله السياسات الضيّقة، يبرز السؤال الكبير:

هل نترك البحر يفتح لنا أفق النمو، أم نغلقه مجدّداً بأقفال السياسة والمحسوبيات ونفقد فرصة إنقاذية جديدة؟


المنشورات ذات الصلة