عاجل:

"نظام موحّد للرموز الطبية" مبادرة وزير الصحة تستحدث "لغة وطنية موحدة" تخفض الفاتورة الصحية على الوطن والمواطن (خاص)

  • ٥٦

خاص ـ "ايست نيوز"

عصام شلهوب

في بلد تتعدد فيه الجهات الضامنة للمواطنين – من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى الأجهزة الأمنية، إلى شركات التأمين، وصولاً إلى فئات غير مضمونة على الإطلاق – بقيت الفاتورة الطبية على مدى مجموعة العقود الماضية عرضة لاختلاف المعايير وتضارب التسميات. وهو امر انعكس مباشرة على المواطن وأثقل كاهل النظام الصحي. ومن هنا برزت أهمية ما انجزه وزير الصحة العامة الدكتور ركان ناصر الدين، الذي التقط هذا الخلل الهيكلي وسعى إلى معالجته من جذوره.

ففي مبادرة جند لها وزير الصحة فريقا من الاختصاصيين من القطاعين العام والخاص، وكلفهم وضع استراتيجية موحدة تؤدي تلقائيا الى توحيد لغة التخاطب بين مختلف الجهات الضامنة والمستشفيات والمؤسسات الطبية، معتبراً أن غياب هذه "اللغة المشتركة" يضاعف الفوضى ويجعل النظام الصحي أقل شفافية وأعلى كلفة. وهو ما ترجم لاحقا بإنشاء لجنة وطنية تضم ممثلين عن وزارة الصحة، الضمان الاجتماعي، أجهزة الطبابة في القوى العسكرية والأمنية، والمؤسسات الاستشفائية، هدفها وضع الأسس العلمية لتوحيد تسميات الأعمال الطبية، على أن يتطور العمل لاحقاً ليشمل توحيد الرموز والترقيم الوطني، وصولاً إلى توحيد الاسعار.

الخطوة الأولى التي أطلقتها اللجنة هي وضع "لغة وطنية موحدة" يستطيع القطاع الصحي بأسره استخدامها، بحيث تتمكّن وزارة الصحة من التواصل مع أي مستشفى، من أبعد نقطة في الأطراف إلى أكبر مستشفى جامعي في قلب العاصمة، بلغة واحدة ومصطلحات مشتركة. هذه اللغة الموحدة ليست هدفاً بحد ذاتها فحسب، بل مدخل إلى إصلاح أوسع، إذ تمهّد لتدقيق ومراقبة فعّالة تخفّض الفاتورة الطبية على الدولة والمواطن معاً.

يشرح القيمون على المبادرة في حديثهم الى موقع "إيست نيوز" فقالوا: أنّ الهدف النهائي هو خلق نظام وطني موحّد للرموز الطبية، بحيث يتمكّن الطبيب والإداري والمحاسب وحتى شركات التدقيق الأجنبية من العمل على قاعدة بيانات موحدة. وهذا التوحيد، كما يشير الخبراء، سيضع حداً لظاهرة وجود رمز مختلف للعملية أو المغروسة نفسها بين مؤسسة وأخرى، وهو ما كان يعرقل عمليات التدقيق ويؤدي إلى هدر مالي وضعف في ضمان الشفافية.

ووفق ما يقول المتابعون للمشروع منذ بدايته لم يكتفي الوزير ناصر الدين، بإطلاق "اللجنة الوطنية"، بل حرص على متابعة عملها وبرامجها شخصياً. وهو كان يهدف بذلك، للوصول الى نحو خمسة آلاف " كود طبي" ما زالت خارج إطار البرنامج الموحد. فبعدما أنجز الضمان الاجتماعي سابقاً نحو سبعة آلاف كود طبي في وقت سابق. وهو يراهن على أن تُنجز اللجنة مهمتها وتحديد مخرجاتها خلال أشهر محدودة، على أن ينتقل لاحقا الى ترجمة ما يتم التوصل اليه الى "قرارات ملزمة بقوة القانون" ليصار الى إصدارها رسميا عن وزارة الصحة ويصار الى اعتمادها في القطاع الطبي والاستشفائي كاملا وتطبق في جميع المستشفيات ومؤسسات الرعاية الطبية والاستشفائية بما فيها شركات التأمين.

وفي الاطار عينه، يعتقد أصحاب المبادرة ان الوزير ناصر الدين يراهن على أهمية الأبعاد الاقتصادية للمشروع، والتي لا تقل أهمية عن أبعاده الإدارية. فالمخرجات المتوقعة ستسمح برقابة أدقّ على الفواتير، إدخالاً وإخراجاً، سواء عبر الرقابة الداخلية داخل المستشفيات أو عبر الجهات الخارجية. والغاية النهائية هي التدقيق والمحاسبة وخفض الفاتورة الطبية، ما يتيح تقديم الخدمات لعدد أكبر من المواطنين بالمبالغ نفسها.

ولذلك، يختصر أحد الإداريين الداعمين للمشروع المسألة عبر "إيست نيوز" بالقول: “نحن لا نسعى فقط إلى الانطلاق، بل إلى الوصول إلى خواتيم واضحة وملموسة. لأن اللجان، إن لم تُتابَع، تصبح مقبرة المشاريع”. لكن الأمل كبير، خصوصاً أن الوزير ناصر الدين “مقتنع بالفكرة، ولم يتردد بتنفيذها، وهو يتابعها بدقة”، على حدّ تعبيره.

ومما لا شك فيه، إنها خطوة إصلاحية جريئة، تضع وزارة الصحة على سكة التحديث الفعلي للنظام الطبي في لبنان، وتمنح المواطن حقه بلغة صحية موحدة وفاتورة عادلة، علّها تكون بداية عهد جديد من الشفافية والحوكمة في القطاع الصحي.

المنشورات ذات الصلة