عاجل:

واشنطن لن تنتظر إلى أبعد من 31 كانون الأول (نداء الوطن)

  • ٢٦

كتبت أمل شموني:

أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا بالغًا بالتطورات اللبنانية الأخيرة، واعتبرت أن لبنان يمر في لحظة حاسمة. وأشارت المصادر الأميركية، التي رحبت بما نتج عن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في الخامس من أيلول لجهة مناقشة خطة قائد الجيش رودولف هيكل بحصر السلاح بيد الدولة، إلى أن واشنطن ستقدم دعمًا قويًا للحكومة اللبنانية في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والمواجهات المستمرة. ولفتت إلى أن موقف واشنطن ينبع من معرفتها بما تحمله هذه الخطة والخطوات الناتجة عنها من تداعيات على الاستقرار اللبناني وبسط سيادة الدولة وصولًا إلى تعزيز القدرات العملياتية للجيش.

ووصفت المصادر قرارات الحكومة اللبنانية التي بدأت بالصدور في 5 آب وكان آخرها في 5 أيلول بالمهمة وغير المسبوقة وتؤسس لدمج الجماعات اللبنانية الخارجة عن عباءة الدولة في إطار اجتماعي أوسع يظلله القانون، مما يعكس تحولًا هامًا نحو تأكيد سيطرة الدولة في ظل الواقع المعقد للضغوط الداخلية والخارجية.

واهتمام واشنطن بهذه التطورات بدأ من قمة الهرم. فالرئيس دونالد ترامب، الذي يفخر بأصدقائه اللبنانيين، أسرّ إلى أنه مهتم شخصيًا بالتحولات الإيجابية في لبنان، وأعطى توجيهات واضحة لدعم الحكومة اللبنانية بقوة لتدابيرها الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني، لا سيما من خلال وضع حد لـ "حزب الله". في السياق عينه، تؤكد التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين أميركيين، بمن فيهم نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض آنا كيلي، والسيناتوران جيم ريش وجين شاهين وعضو الكونغرس جو ويلسون، التزام واشنطن بتعزيز الاستقرار في لبنان من خلال الحث على نزع كل السلاح غير الشرعي وخصوصًا سلاح "حزب الله".

وبينما يمر لبنان بهذا الوضع المحفوف بالمخاطر، فإن التفاعل بين سياساته الداخلية والديناميكيات الدولية قد يُحدد مستقبله، مما يجعل موقف الولايات المتحدة عاملًا رئيسيًا في تحديد نجاح مساعي لبنان المستمرة لتحقيق السيادة والأمن. ففي تطور ملحوظ تعليقًا على مناقشة مجلس الوزراء خطة الجيش الاستراتيجية، أعربت مصادر في الخارجية الأميركية عن دعمها القوي للمقترح، الذي يتضمن مراحل عدة تهدف إلى تعزيز القدرة العملياتية للجيش، مشيرة إلى أن هذا القرار يتماشى مع سياق أوسع من التغييرات الإقليمية المتزايدة والمواجهات المستمرة. من هنا، أشارت هذه المصادر إلى أن واشنطن ستضطلع بمهمة المساعدة في توفير الموارد اللوجستية. ويعكس هذا جهدًا مُنسّقًا بين واشنطن وبيروت بغية فرض سيطرة الدولة اللبنانية داخل حدودها، والحد من التوترات المستمرة المرتبطة بنفوذ "حزب الله".

من جانب آخر، لفتت مصادر عسكرية أميركية إلى أن الجيش سيتحرك ضمن حدود إمكانياته وأن والجانب الأميركي سيسعى إلى مساعدته للحفاظ على المرونة اللازمة للتكيّف حسب الضرورة سعيًا لترسيخ سلطة الدولة على السلاح المتفلت. وقال المصدر إن الجيش اللبناني أمام التزامات كبيرة لتحقيق توازن بين الحفاظ على السيادة وإدارة التهديدات الداخلية والخارجية.

في هذا السياق، تأتي أهمية رد الولايات المتحدة على المشهد السياسي المُتغير في لبنان. فقد أوضحت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، إجراءات إدارة ترامب الهادفة إلى مواجهة نفوذ وكلاء إيران، وخاصة "حزب الله". وتُظهر استراتيجيات العقوبات التي تستهدف شخصيات رئيسية مرتبطة بـ "الحزب" ومن يدور في فلكه، التزامًا أميركيًا بالحد من نفوذ إيران في المنطقة.

في غضون ذلك، أعرب عضوا مجلس الشيوخ الأميركي جيم ريش وجين شاهين عن مخاوفهما بشأن سلاح "حزب الله"، وأشادا بالتقدم الذي أحرزته الحكومة اللبنانية نحو نزع سلاح الميليشيات. ويعزز بيانهما إجماع ثنائي الحزب في واشنطن (جمهوري وديمقراطي) على أن استقرار لبنان يتوقف على إنهاء سيطرة الميليشيات. ويعكس إقرار عضوي مجلس الشيوخ بقرار مجلس الوزراء بشأن نزع السلاح تفاؤلًا وحذرًا في آنٍ واحد، مؤكدين ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لتجنب أي انزلاق إلى الفوضى.

رغم ذلك، وفي ظل هذه الظروف المعقدة التي يمر بها لبنان، تشير المصادر الأميركية إلى أنه لا يمكن المبالغة في تداعيات السياسات المحلية والديناميكيات الدولية. وسيكون نجاح خطة الجيش، إلى جانب الدعم الدولي لإقرار نزع السلاح، أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار لبنان وسيادته، خصوصًا وأن الفشل في تنفيذ هذه الاستراتيجية قد يُعرّض المشهد الأمني الهش للخطر، مما يُشير إلى لحظة حاسمة في المسيرة السياسية للبنان.

ويُمثل التقاء الاستراتيجية العسكرية المحلية والجهود الدبلوماسية الدولية فصلًا محوريًا في سعي لبنان المستمر من أجل الاستقرار والسيادة. لكن لا تزال أنظار المجتمع الدولي مُركزة على لبنان، آملةً في حلٍ سلميٍ لتحدياته المُستمرة. من هنا، يُشكِّك بعض المحللين في نوايا الإجراءات الحكومية وفعاليتها. ويُجادلون بأن الوضع أشبه بـ"لعبة خداع"، خصوصًا لجهة صياغة الحكومة لبيانها - واستخدام كلمة "الترحيب" بدلاً من "التصويت" لتأييد الخطة. ويشيرون إلى غياب التزام حقيقي بنزع سلاح "حزب الله" بسبب عدم وجود جدول زمني سريع للتنفيذ الكامل. ويؤكدون أن واشنطن لن تنتظر إلى أبعد من 31 كانون الأول 2025. فعدم الاستعجال الواضح المحيط بعملية نزع السلاح يثير المزيد من المخاوف.

ورغم أن البعض في واشنطن يعتبر هذا التطور خطوة إيجابية للبنان، لكن مثل هذه التفسيرات تتجاهل حقيقة جوهرية: إن غياب استراتيجية حكومية حاسمة يُقوّض أي تقدم حقيقي في نزع سلاح "حزب الله". ويلفت بعض المصادر إلى أن هذا التردد يوحي بأن لبنان الرسمي قد يُفضّل أن تتخذ إسرائيل إجراءات ضد نزع سلاح "حزب الله" بدلًا من دفع الجيش اللبناني الممول أميركيًا لفرض سلطته داخل حدوده. من هنا ينادي هؤلاء بإحداث تغيير فعّال لجهة الحاجة الملحة لضغوط دبلوماسية متصاعدة من الولايات المتحدة ودول أخرى.

ويجادل البعض بأن مثل هذا الغموض الرسمي يسمح لـ "حزب الله" بالاحتفاظ بنفوذه السياسي الكبير في ظل استعداده للانتخابات المقبلة، بينما يُعيق عدم وجود جدول زمني محدد أي جهود سريعة لنزع سلاحه. ويخلق هذا الوضع بيئة هشة، حيث يُخاطر لبنان بالتعرض لصراع إضافي إذا لم تُنفّذ تدابير سيطرة الدولة بفعالية وسرعة.

في الختام، تحولات المشهد السياسي تعكس أن رحلة لبنان نحو نزع السلاح محفوفة بالتعقيدات والشكوك ولو أن التطورات الأخيرة تُشير إلى تفاؤل حذر.


المنشورات ذات الصلة