عاجل:

خطة حصر السلاح.. التحول نحو سيادة الدولة الكاملة (الأنباء الكويتية)

  • ٣٣

الكتب داود رمال:

يعد قرار الحكومة اللبنانية الترحيب بخطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، خطوة مفصلية تحمل أبعادا عسكرية وأمنية وسياسية وحتى اجتماعية متعددة، وتشكل بداية مسار مؤسساتي نحو تكريس مبدأ سيادة الدولة واحتكارها لقرار الحرب والسلم.

وقال مصدر سياسي بارز لـ «الأنباء»: «تحليل التداعيات الإيجابية لهذا القرار يستدعي مقاربة شمولية، نظرا إلى تداخل العوامل الدستورية والأمنية والدولية التي تحكم هذا المسار. فمن الناحية السياسية، يعبر القرار عن نجاح المؤسسات الدستورية في تجاوز مأزق الانقسام الطائفي الذي كاد يعطل مسار الخطة. فانسحاب الوزراء الشيعة لحظة عرض قائد الجيش للخطة، كان بمثابة مؤشر على خطورة الانقسام حول هذا الملف. غير أن التسوية التي أفضت إلى إقرار الخطة على رغم التحفظات، جسدت قدرة النظام السياسي على إنتاج توافقات تعيد تثبيت شرعية الدولة. هذا البعد يعكس دينامية جديدة في العمل الحكومي قائمة على إدارة التباينات ضمن أطر مؤسساتية، وهذا ما يعطي القرار قيمة تأسيسية تتجاوز مضمونه الآني».

وأضاف المصدر: «أما على المستوى الأمني، فإن تكليف الجيش حصرا بمهمة تنفيذ خطة حصر السلاح يرفع من موقع المؤسسة العسكرية إلى مستوى الفاعل المركزي في ضبط الأمن الوطني. فالخطة المكونة من خمس مراحل تبدأ من الجنوب وتشمل تدريجيا بقية المناطق، تمنح الجيش مساحة زمنية وميدانية للتدرج في التنفيذ، ما يقلل من احتمالات التصادم أو الانفلات. هذه المقاربة المرحلية تتيح إعادة إنتاج العقد الاجتماعي حول الجيش كضامن وحيد للاستقرار، وتعزز موقعه كأداة جامعة فوق الانقسامات الطائفية والسياسية».

ويتابع المصدر: «من زاوية القانون الدستوري، يندرج القرار ضمن السياق الطبيعي لتطبيق اتفاق الطائف والبيان الوزاري وخطاب القسم، أي ضمن التزامات الدولة المعلنة سابقا. وهو بذلك يؤسس لشرعية مضاعفة، إذ يستند إلى نصوص مرجعية من جهة، وإلى إجماع حكومي رسمي من جهة ثانية. هذا المعطى يحصن القرار من التأويلات التي درجت القوى السياسية على استخدامها لتأجيل أو تعطيل استحقاقات مماثلة».

ويشير المصدر إلى انه «في البعد الديبلوماسي والدولي، يسهم القرار في تعزيز صورة لبنان كدولة ملتزمة بالقرارات الدولية، خصوصا القرار 1701، بما يوفر له رصيدا تفاوضيا إضافيا في مواجهة إسرائيل التي لاتزال تتنصل من التزاماتها. كذلك، فإن إظهار جدية رسمية في السير نحو حصرية السلاح، يشكل إشارة إيجابية للمجتمع الدولي والعربي، يمكن أن تنعكس دعما سياسيا وماليا للبنان، خصوصا أن المساعدات الخارجية لطالما ربطت بمدى قدرة الدولة على بسط سلطتها».

ويرى المصدر انه «اقتصاديا واجتماعيا، يمكن للقرار أن يشكل بداية لبيئة أكثر استقرارا تشجع على عودة الثقة بالاقتصاد الوطني. فالاستقرار الأمني والسياسي يعد شرطا لازما لأي خطة إنقاذ اقتصادية أو جذبا للاستثمارات. كما أن الشعور الشعبي بأن الدولة استعادت زمام المبادرة في ملف السلاح يعزز الثقة بالمؤسسات، ما يساهم في تخفيف الاحتقان المجتمعي وإعادة إنتاج العلاقة بين المواطن والدولة على أسس أكثر صلابة».

إن مجمل هذه التداعيات الإيجابية يتيح القول إن الترحيب بخطة الجيش لا يقتصر على كونه إجراء حكوميا آنيا، بل هو بداية مسار تحويلي يمكن أن يعيد تعريف موقع الدولة في الداخل والخارج. فالتكامل بين الشرعية الدستورية، والدور الجامع للجيش، والدعم العربي والدولي المحتمل، يضع لبنان أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء مفهوم السيادة الوطنية على أسس واقعية قابلة للتنفيذ. وإذا ما استمر هذا الزخم، فإن القرار قد يتحول إلى نقطة انطلاق نحو إعادة تأسيس الدولة اللبنانية ككيان موحد يحتكر أدوات القوة ويمارس سيادته بشكل فعلي.


المنشورات ذات الصلة