عاجل:

عن موسى الصدر في الذكرى الـ 47 لاختفائه ورفيقيه...ما قرأته وسمعته عن ذلك الرجل!؟ (خاص)

  • ١٠٣

خاص - "ايست نيوز"

رئيس التحرير - جورج توم شاهين

سبعة وأربعون سنة مرّت على جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب، والصحافي عباس بدر الدين في مكان ما في هذا العالم، ذلك انه لم يثبت بعد حتى اليوم إن كانوا قد بقوا في ليبيا في ذلك الـ "آب 1978" ام أنهم خرجوا منها في انتظار ان تكشف التحقيقات الجارية حتى اليوم عن مصيرهم، فهم ما زالوا على لائحة المغيبين الى حين.

وإن توقفت أمام سيرة هذا الرجل، ولأكون صادقا لم أعرفه ولم اجالسه. ولذلك لم أتعرف على تلك الهامة التي جسدت في حياته كما في مرحلة تلت تغييبه عن المشهد اللبناني والاقليمي والدولي برنامجا اكثر مما كان رجلا او موقعا. وما تابعته منذ ذلك التاريخ لا يفيض على مقاربات من محطات عدة كنا نبحث في ما آلت إليه الجهود التي بذلت للكشف عن مصيره ورفيقيه دون جدوى. عدا عن تلك المحطات التي ترافق الذكرى السنوية لغيابه منذ 47 عاما على التوالي بحيث تكررت الشهادات من كل حدب وصوب لتتحدث عن ذلك الرجل الذي اعتصم في كنيسة وليس في حسينة، وعن رجل منع الكثير من الاعتداءات المحتملة إبان مسلسل الحروب والفوضى الداخلية في لبنان منعا لأي مظهر من مظاهر المساس بالوحدة الوطنية والعيش المشترك بين اللبنانيين.

كما قرأت عن رجل وزع ما يكفي من نصائح لتقويم اعوجاج من هنا اومن هنالك، وإن فشل مرة فقد نجح أكثر من مرة. وعن رجل نجح في اطلاق "حركة المحرومين" بحثا عن مستقبل أفضل لمجتمع أنهكته الظروف القاسية التي عصفت بالمنطقة ولبنان في مرحلة تحول فيها البلد الى "مختبر" لكل المؤامرات و"مساحة" للمشاريع التي لم يفقها أحد في حينه، إلا بعد ان بدأوا يعانون من نتائجها ومن أمر واقع جديد وضع العالم العربي ودوله في مستنقع من الأزمات المتشابكة و المتناسلة.

وقرأت لرجل دعا على خلفية ما منحه الله من نظرة ثاقبة، ورؤية موضوعية، وروح تصالحية متأصلة في شخصه، واقتناع استراتيجي "الى بناء ثقافة العيش الواحد على أرض لبنان، لأنه كان يؤمن به وطن رسالة ذي فرادة مميزة. لم يكتف بالكرازة لقناعاته هذه، بل كان يقرن هذه القناعات بالحركة الدؤوب لتحقيق هذا الهدف السامي".

قرأت عن رجل اختطف في حياته كرئيس للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وهج الزعامـة وبريقها من كثيرين وراح يرسم طريق الخلاص لمن أدخلهم "نادى الحرمـان"، فأحرز السبق وأحدث الدوي. وبقي من موقعه المتقدم على الصعيد الروحي والدنيوي يطوف كالسندباد على بلاد العرب والعجم يبحث مع رؤسائها وملوكها وحكامها في الأمور السياسية ذات الأبعاد الدولية والإقليمية والمحليـة، ويتداول معهم في الحلول المطروحة والممكنة لأزمـة المنطقة.

كان على قناعة قبل نصف قرن من اليوم – في أكثر من حديث وموقف له – "أن الظروف الدولية كانت تمر بأخطر مراحلها، وأن لبنان مهدد أكثر من أي وقت مضى بالسقوط، أو بتعبير أدق "بالتشظي"، وأن الوفاق هو سبيل النجاة، على أن يكون وفاقاً كاملا دون شروط.ونادى بالصوت العالي بأن المطلوب هو إقناع الفرقاء بتأجيل كل شيء عدا بقاء لبنان".

وقرأت ايضا، أنه وبعدما أعلن رفضه لتوطين الفلسطينيين في لبنان وطالب ببسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية قال ايضا: "أن عظمة الأخطار التي تهدد لبنان لا تقف أمام عظمة الإرادة اللبنانية الموحدة. وتعهد يوما قبل تغييبه بأشهر عدة باسمه وباسم رفاقه أن يمد يده إلى جميع رجالات لبنان وخصوصا إلى القيادات الجنوبية والشيعية… لكي نلتقي ونعمل دون قيد أو شرط لعلنا بذلك نلبي حاجة المتألمين من أبنائنا وإخواننا".

ولما كانت زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد القت بظلالها على لبنان والمنطقة قال يومها: "أن نتائج مبادرة السادات كان لها مردود عكسي، وانـه كان نصح الرئيس المصري بعدم القيام بهذه المبادرة لو طلب رأيه فيها". وقال يومها "أن أقصى ما يتمناه هو إن يتراجع الرئيس السادات عن خطوته لأن المساعي القائمة لرأب الصدع العربي لن تصل إلى نتيجة سريعة".

وقال يومها " أن الظروف الدوليـة تمر في أخطر مراحلها أيـام السلم لأن الحرب الباردة بين القوتين الكبيرتين في الشرق الأوسط أولا وفي القرن الأفريقي ثانياً، وفي بقية المناطق كانت قائمة على قدم وساق، ولا شك في أن وراء هذه الصراعات مساومات على القمح وعلى البترول وعلى السلاح الاستراتيجي وعلى يالطة جديدة متطورة في العالم وغير ذلك. ويبدو أن المخاض لولادة هذه الصفقة الدولية عسير جداً هذه المرة، والى أن ينتهي الصراع هذا، كل نقطة في العالم عامة، والمناطق الحساسة التي ذكرناها خاصة، معرضة للصعوبات المختلفة".

وان لم يكشف عن تصور حل لما يجري في المنطقة قال عن بلده يومها: "أن لبنان مهدد بأن يدفع ثمنا لصراع بين العرب أنفسهم أو بينهم وبين إسرائيل، أو بين القوى الكبرى في العالم، والسبب في ذلك وجود الثغرات التي ما زالت باقية في جسم الوطن وفي نفوس المواطنين، فمع وجودها يخشى أن خلافاً، أي خلاف، ومن أية قوة صغيرة كانت أم كبيرة، يتسرب إلى لبنان، عبر هذه الثغرات".

ولما قارب ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، قال في مقابلة صحافية مع الزميل نقيب المحررين الحالي جوزاف القصيفي نشرت في جريدة "البيرق" في مطلع العام 1978 اي قبل ستة او سبعة اشهر على تغييبه ردا على سؤال عن المخاوف من توطين الفلسطينيين، فاجرى ربطا مباشرا بين ما قاله في خطبة الجمعة وما جاء على لسان الرئيس الراحل الياس سركيس يومها "أن التوطين في رأيه مؤامرة مدمرة علي الفلسطينيين أنفسهم، لأنه يعني الوطن البديل وإنهاء وجودهم كشعب". وأضاف موجها الدعوة الى " تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح بموجب الاتفاقات، وبسط سيادة الشرعية اللبنانيـة على جميع المناطق حتى الحدود الجنوبية". ولما عبر عن تفائله قال ان له مبرر "حيث أن هذه النقاط كانت في الأسابيع الأخيرة تبدو منطلقا للوفاق الوطني ولذلك فان عظمة الأخطار التي تهدد لبنان لا تقف أمام عظمة الإرادة اللبنانية الموحدة."

وفي المقابلة عينها رد على سؤال يتصل بنار الخلافات المستعرة بين رجالات الشيعة وزعاماتهم فقال: "أن المشكلة المتفجرة في الجنوب هي خلاصة المشكلة اللبنانية العامـة، وهي بدورها نتيجة عوامل عربية ودولية إنفجرت على الساحة اللبنانية التي جرى التحضير لها بسبب الثغرات المفتوحة فيها. وقد اصبح واضحا للجميع أن بعض أهداف المحنـة اللبنانيـة كانت تحضير المنطقة كلها نفسيا ومادياً لفرض أنواع السلام، ولذلك فأن تصوري أن المشكلة في الجنوب ومشكلة الشيعة بشكل عام أولئك الذين أرادوا على رغم ضعف إمكاناتهم أن يحافظوا على وطنهم في المنطقة، بالإضافة إلى انهم كانوا يرفضون المزايدات والوسائل، التي استعملت في لبنان، ولم تكن لها أية شرعية غير قاعدة الغايات تبرر الوسائل، أقول أن الشيعة أرادوا أن يجمعوا في هذه المحنة بين شرف الأهداف والوسيلة فمشكلتهم ومشكلة الجنوب كانت مشكلة التاريخ لهم وما دفعوه من ثمن يعتبرونه مسؤولياتهم التاريخيـة لأنهم كانوا أمام الامتحان العسير، وبكلمة كانت المشكلة كبيرة جدا ولا أتصور انه كان الخلاف بين رجالاتهم، أحد عناصر الأزمة، ومع ذلك فأنني بدوري عن نفسي وعن رفاقي تعهدت وأتعهد الآن وعلى صفحات "البيرق" و"لا ريفي دي ليبان"، وخصوصا إلى القيادات الجنوبية والشيعية لكي نلتقي ونعمل دون قيد أو شرط لعلنا بذلك نلبي حاجة المتألمين من إخواننا وأبنائنا.

وعليه، هل يكفي ان اكرر ما سبقني اليه كثر؟ نعم انها المناسبة الجلل التي تستحق التوقف عندها للإشارة الى جانب من حياة هذا الرجل الذي وان غاب جسديا فهو حاضر في أذهان وعقول كثيرين، وربما كان حاضرا في ما بينهم. والله وكيل النوايا!.


المنشورات ذات الصلة