عاجل:

"مسيحيّو الجزيرة" السورية بين تحديات البقاء ونزيف الهجرة (خاص)

  • ٢٠٠

خاص - "إيست نيوز"- وسام عبدالله

تُعتبر منطقة الجزيرة (شرق سوريا)، من المناطق المتنوعة في النسيج الاجتماعي السوري، حيث يعيش فيها العرب والكرد والأرمن، وطوائف ومذاهب متعددة منهم السريان والكلدان والسنة وغيرهم من المكوّنات. ويشكّل المسيحيون جزءًا أصيلًا من هذا المشهد، لكنّهم وجدوا أنفسهم منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 أمام تحديات قاسية هددت وجودهم واستقرارهم، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني أو حتى في مسألة الحفاظ على الهوية والارتباط بالأرض.

نزيف الهجرة

يوضح الأب سمير كانون، الكاهن الكلداني في القامشلي، لـ "إيست نيوز" أن: "المسيحيون موجودون في الحسكة والقامشلي والمالكية وريفها نتيجة هجرات قديمة. جاء السريان والأرمن من طور عابدين وديار بكر وماردين منذ عشرينيات القرن الماضي، ثم تبعتهم موجات أخرى من الكلدان والآشوريين عام 1933 من العراق. هؤلاء أسسوا المدن، فالحسكة والقامشلي والمالكية نشأت بهم عمليًا".

ويضيف: "قبل الأزمة كان عدد المسيحيين في الحسكة، حوالي 150 ألف نسمة. لكن خلال 14 سنة من الحرب هاجر ما بين 60 و65% منهم. الغالبية توجهوا إلى السويد وبلجيكا وهولندا وألمانيا، فيما اختارت أقليات أخرى أميركا وأستراليا وكندا. بينما الهجرة الداخلية كانت محدودة جدًا".

علاقة بالمحيط وتبدّل في الأدوار

وعن تأثير الأزمة السورية على علاقة المسيحيين بمحيطهم الاجتماعي، يقول الأب كانون "أن الأزمة شكّلت إنذارًا خطيرًا لكل المكوّنات، ودفعت الكنائس المسيحية إلى مزيد من التعاون فيما بينها. وصار هناك تقارب أكبر، وصلاة مشتركة، ومبادرات رعوية وإنسانية متبادلة. منذ ما قبل الأزمة كان حضور المسيحيين مسالمًا، لا مشاكل لهم مع العرب أو الكرد، بل كانوا يُنظر إليهم باعتبارهم أكثر تحضّرًا وثقافة وسلامًا، بعيدين عن الصراعات على السلطة".

ويضيف: "اليوم، مع تبدّل الظروف، تحاول بعض الأطراف جذب المسيحيين إلى صفوفها. فالمكوّن الكردي يسعى لكسبهم في مطلبه باللامركزية والحقوق الثقافية، فيما يحاول العرب استقطابهم سياسيًا. لذلك نجد مواقف متنوّعة داخل المجتمع المسيحي، جزء يقترب من الطرح الكردي، وآخر يبقى أقرب إلى الرؤية العربية ذات الامتداد البعثي".

واقع معيشي ضاغط

وعن الوضع الاقتصادي والمعيشي، يوضح الأب كانون: "قبل عام 2011 كانت الأوضاع مقبولة، لكن مع اندلاع الحرب تدهورت بشدة. الأزمة لم تكن فقط معيشية أو اقتصادية، بل نفسية بالدرجة الأولى، الخوف من الحرب والإرهاب والفصائل المسلحة… كل ذلك زعزع إحساس المسيحيين بالأمان".

ويتابع: "المسيحي بطبيعته يبحث عن بلد مستقر يربي فيه أولاده ويعلّمهم بسلام. ومع تفاقم الأزمة وصعوبة الحياة اليومية، من انقطاع الكهرباء وشحّ المياه وغلاء المعيشة وصعوبة التنقّل، صار الوضع ضاغطًا جدًا. كثير من العائلات المسيحية اعتمدت على الدعم المالي من أقاربهم في أوروبا، وهذا ساعدهم على الاستمرار نسبيًا، إلى جانب أنهم يعملون في التجارة والوظائف الحكومية".

دور الكنائس والمؤسسات

وعن الدور الذي لعبته الكنائس، يوضح: "منذ بداية الأزمة حاولت الكنيسة أن تثبّت الناس في أرضهم. لم تكن مع الهجرة الجماعية، لكنها تركت حرية القرار للأفراد. عمليًا قامت الكنائس بدور كبير، عبر توزيع مساعدات غذائية، ودعم طبي وتأمين فرص عمل، والمساهمة في تعليم الطلاب ودفع أقساط المدارس. الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليون تعاونوا عبر مؤسسات محلية ودولية لدعم المسيحيين".

ويضيف: "صحيح أنّ حجم الأزمة كان أكبر من إمكانيات الكنيسة، لكن مع مرور الوقت، خصوصًا بعد 2016، بدأ العمل يصبح أكثر تنظيمًا ومؤسساتيًا، وهذا ساعد على تعزيز صمود المسيحيين ولو بالحد الأدنى".

مستقبل غامض وهواجس متزايدة

عن مستقبل المسيحيين، يختصر الأب كانون الموقف بقوله: "اليوم هناك غموض كبير. المسيحيون يعيشون بقلق وخوف وانتظار، البعض تمكن من السفر ويبحث عن فيزا، ومن لم يستطع بقي مضطرًا للتأقلم مع الظروف الصعبة. المستقبل غير واضح، والناس متخوفة من مسألة السلطة بين دمشق من جهة والإدارة الذاتية الكردية من جهة أخرى".

ويختم: "المسيحيون جزء أصيل من النسيج الاجتماعي للجزيرة. الأزمة كانت قاسية جدًا، لكنها أظهرت أن بقاءنا مرتبط بقدرتنا على التمسك بالأرض والهوية، وبمدى نجاح الكنائس في دعمنا والتعاون مع بقية المكوّنات لبناء مستقبل أكثر استقرارًا".

الموقف الكردي

أعرب مصدر سياسي كردي في قوات سوريا الديمقراطية لـ"إيست نيوز"، عن تمسّكهم بخيار اللامركزية كمدخل أساسي لأي توافق سياسي مقبل في سوريا، مؤكدًا أن هذا الخيار لا يستهدف الانفصال، بل يأتي في إطار "دولة مدنية علمانية لامركزية ضمن سوريا موحّدة" تُعزز التعددية وتحمي حقوق الجميع.

وشدّد المصدر على أهمية الدور المسيحي في هذه المعادلة السياسية، قائلاً: "المسيحيون جزء لا يتجزأ من نسيج الجزيرة السورية، ولا يجوز أن يُستثنوا من أي دستور جديد أو صيغة حكم تشارك في صياغتها. مشاركتهم السياسية والاجتماعية ضرورة لكل حالة تعددية حقيقية".

ولفت إلى أنه بعد تأسيس "قسد" (2015)، كان جزء من المجموعات المقاتلة من الآشوريين الذي شاركوا في حماية المناطق من تنظيم "داعش".

وكشف المصدر أن "الأكراد هم قومية تضم طوائف متعددة، منهم السنّة والعلويين والمسيحيين، وفي الآونة الأخيرة شهدت منطقة الجزيرة اعتناق عدد قليل من الاكراد المسلمين للدين المسيحي ضمن الطائفة الانجيلية".

وحول شكل الحكم أكد أن "اللامركزية ليست مطلبًا كرديًا فحسب، بل هي حاجة وطنية لإدارة عادلة للموارد، وإشراك كافة المكوّنات في القرار المحلي والإداري".

وفي السياق ذاته، عبر ممثلو المكونات المتعددة في مؤتمر عقد في الحسكة، في بداية الشهر الحالي، عن مواقف موحدة تحت شعار "التنوع يقوّي وحدتنا"، فيما دعت القوى المسيحية إلى دستور علماني ولامركزي يؤازر التعددية ويحفظ الحقوق الدينية والثقافية للجميع.


المنشورات ذات الصلة