عاجل:

اليونيفيل في مهب التجاذب الأميركي - الفرنسي (نداء الوطن)

  • ١٨

كتبت أمل شموني:

غيّرت حرب الإسناد التي أقحم بها "حزب الله" لبنان واللبنانيين قواعد اللعبة على أكثر من صعيد وبدا التمديد لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان "اليونيفيل" هذا العام مهمة صعبة على عكس السنوات السابقة.

فمع اقتراب موعد تجديد ولاية "اليونيفيل" في 31 آب 2025، ازداد الجدل في أروقة مجلس الأمن حول تمديد عملها من دون تحديد موعد جديد لجلسة التصويت التي كانت مقرّرة اليوم الاثنين. ويبدو أنّ المواقف المتباينة تتصاعد بين الولايات المتحدة وفرنسا، حيث يدافع كلّ منهما عن رؤيته الخاصة للأمن والاستقرار بين منطقتي جنوبي لبنان وشمالي إسرائيل. وقد أشارت مصادر دبلوماسية في واشنطن إلى أنّ الاتصالات تجري على أعلى المستويات لتذليل النقاط العالقة ومعالجتها، كما أشارت إلى إمكانية تواصل وزيري خارجية البلدين ماركو روبيو وجان نويل بارو للتوافق حول النقاط العالقة.

فقد اتّخذت الولايات المتحدة موقفًا واضحًا ضد الوجود المطوّل والمستمرّ لـ "اليونيفيل" في جنوب لبنان، معربةً عن مخاوفها بشأن فعاليّتها. واعتبر مصدر دبلوماسي مطّلع على تفاصيل المفاوضات حول ملف "اليونيفيل" في واشنطن، أنّ القوّة العاملة في جنوب لبنان لم تكن فعّالة لجهة درء "حزب اللّه" ومنعه من بسط نفوذه في الجنوب اللبناني على حساب الجيش اللبناني و "اليونيفيل" نفسها، مشيرًا إلى أنّ أبرز إنجازات "اليونيفيل" كان اللجنة الثلاثية التي جمعت بين لبنان وإسرائيل. مع ذلك وفي ظلّ تطوّر المناقشات في مجلس الأمن الدولي، قالت الخارجية الأميركية إنّ واشنطن أبدت دعمها تمديد ولاية القوّة لمدة عام واحد، ولكنها تسعى إلى وضع شروط واضحة تتمثل بجدولة لتقليص عديد القوة وصولًا إلى سحبها. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أنّ هذا التمديد سيكون بمثابة مرحلة أخيرة، تؤدي في النهاية إلى انسحاب قوات "اليونيفيل"، بشرط تولّي الجيش اللبناني كامل المسؤوليات الأمنية في المنطقة.

في هذا الإطار، أشار المتحدث باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي، لـ "نداء الوطن"، إلى أنّ الولايات المتحدة تدعو إلى تجديد لمدة عام واحد، بينما يدفع أعضاء آخرون في مجلس الأمن، مثل فرنسا، نحو نهج استراتيجي أطول ينطوي على تجديد يلحظ تقنيات متقدّمة. وفيما تبدو الاستراتيجية الأميركية جزءًا من النهج الأوسع نطاقًا لتعزيز مصالحها في المنطقة، يتماشى ذلك مع رغبة إسرائيل في عدم التجديد للقوّة معربة عن مخاوفها بشأن قدرة "اليونيفيل" على كبح نفوذ "حزب اللّه". في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أن واشنطن عبّرت عن عدم رضاها عن عمليات "اليونيفيل" من ضمن إجراء تخفيضات كبيرة في الدعم المالي لبعثات حفظ السلام.

ويبدو موقف الولايات المتحدة مدفوعًا بعوامل محوريّة عدّة. فقد قال مصدر من الخارجية الأميركية يعمل على الملف إن أبرز هذه العوامل هو "عدم فعالية "اليونيفيل" الملحوظة في كبح نشاط "حزب اللّه" وعدم ضمان إنفاذها قرارات الأمم المتحدة في جنوب لبنان". ويضيف المصدر أن واشنطن تسعى إلى انتقال واضح للمسؤوليات الأمنية إلى الجيش اللبناني، معتبرةً أنّ التمديد لمدة عام واحد هو موعد نهائي للبنان لحسم وتعزيز قدراته العسكرية وبسط سلطة الدولة. وشدّد المصدر على أنّ الدعم الأميركي لهذا التمديد "يعكس نهج واشنطن الاستراتيجي لجهة تشجيع المساءلة اللبنانية ومعالجة المخاوف المستمرّة بشأن الاستقرار الداخلي والإقليمي".

ولكن إلامَ يشير عدم الرضا الأميركي على عمل "اليونيفيل"؟ يجيب مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد شينكر، لـ "نداء الوطن" أن "اليونيفيل" "عملت كقوّة موقتة لمدة 45 عامًا، لكنّ الكثيرين في الإدارة الأميركية يعتقدون أنها قد تضرّ أكثر ممّا تنفع"، ويشير إلى أنّ وجودها "يصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية المتعلّقة بالسيادة اللبنانية". ومع ذلك، يقول شينكر إن "الولايات المتحدة تسعى إلى انسحاب القوّة الدولية بشكل منظم، آخذة في الاعتبار العدد الكبير من القوات والبنية التحتية الموجودة"، ويشدّد على ضرورة التعامل مع هذه المرحلة الانتقالية بحذر.

وفي تناقض صارخ مع الموقف الأميركي، أشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أنّ المسؤولين اللبنانيين يسعون من أجل تجديد تفويض "اليونيفيل" بشكل تلقائي لمدّة عام، مؤكّدين أنّ انسحاب "اليونيفيل" سيخلق فراغًا أمنيًا قد يصبّ في مصلحة "حزب اللّه". وأوضح المصدر الفرنسي أنّ "اليونيفيل" هي عنصر حيوي لاستقرار جنوب لبنان. وقد أكّد تيننتي هذا الرأي، قائلًا "إنّ تجديد تفويض "اليونيفيل" لا يقتصر على تمديد وجودها فحسب؛ بل هو أمر بالغ الأهمية لتنفيذ القرار 1701، الذي يتطلّب التزامًا من كلّ من إسرائيل ولبنان". وقد طرح شينكر وجهة نظر نقدية بشأن سيادة لبنان، مشيرًا إلى أنّ "لبنان لا يمكنه تأجيل اتّخاذ القرارات الصعبة؛ فهو بحاجة إلى تأكيد سيادته بمعزل عن وجود أي قوّة". وأشار شينكر إلى تأكيد الحكومة اللبنانية التزامها بتعزيز الجيش اللبناني وبسط سلطة الدولة، مشدّدًا على أنّ قدرات الجيش اللبناني ليست قليلة. وقال "يمتلك الجيش اللبناني، بأكثر من 85 ألف جندي، القدرة على تأمين الجنوب وكامل لبنان إذا ما تلقّى الدعم السياسي والمادي".

وبرزت فرنسا، بصفتها صاحبة مشروع قرار تجديد ولاية "اليونيفيل"، كلاعب رئيسي في التوسّط بين وجهات النظر المختلفة داخل مجلس الأمن. ودعا الدبلوماسيون الفرنسيون في نيويورك إلى تمديد ولاية "اليونيفيل" لمدة عام واحد، على أن تعقب ذلك فترة انسحاب مدّتها ستة أشهر. ويهدف الاقتراح الفرنسي إلى ضمان انتقال مستقرّ، يسمح للجيش اللبناني بتعزيز سيطرته قبل أي تخفيضات كبيرة في عدد القوات الدولية. وتجادل فرنسا بأن الانسحاب المفاجئ من شأنه أن يؤدّي على الأرجح إلى تفاقم التوترات في المنطقة وتمكين "حزب اللّه"، وهو شعور يتشارك فيه عدد من الدول الأوروبية. لذا، تدفع الحكومة الفرنسية نحو الحفاظ على الإطار العملياتي لـ "اليونيفيل"، مع السماح ببعض التعديلات، مثل تعديل حدود الحدّ الأقصى للقوات وزيادة التدقيق في عملياتها، ما يعكس بعض التنازلات تجاه المخاوف الأميركية. وأشار شينكر إلى أن "التحدّي في جنوب لبنان لا يقتصر على تجنّب الصراع فحسب، بل يشمل أيضًا السعي الحثيث لنزع سلاح جماعات مثل "حزب اللّه" من أجل إرساء سيادة لبنان".

في الوقت الذي يستعدّ فيه مجلس الأمن لبدء المداولات الأخيرة سعيًا للتصويت على التجديد، تميل التوقّعات نحو تجديد موقت، وسط تدقيق أميركي ودولي متزايد في فعاليّة القوّة وضغوط أميركية لوضع خريطة طريق واضحة للانسحاب النهائي. وقال تيننتي "إن هدفنا النهائي واضح: تسليم المسؤوليات إلى الجيش اللبناني وتمكين السلطات اللبنانية من إعادة السيطرة في الجنوب". في الوقت نفسه، حذّر المسؤول الأمميّ من أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الحقيقي إلّا من خلال اتفاق الطرفين لبنان وإسرائيل لجهة نشر الجيش اللبناني وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب. وقال "من الضروري مراقبة وقف الأعمال العدائية، ولكن يجب علينا أيضًا أن نهدف إلى وقف إطلاق نار دائم لتعزيز الاستقرار في المنطقة". في المقابل، أشار شينكر إلى أنه "إن غادرت "اليونيفيل" جنوب لبنان، بغضّ النظر عن المخاوف الأمنية البحرية المحتملة، فمن المرجح ألّا يترك غيابها فراغًا كبيرًا"، مشدّدًا على أنه "يمكن للجيش اللبناني أن يتولّى هذه المسؤوليات".

وفيما يشير خبراء عسكريون في واشنطن إلى أنّ مستقبل "اليونيفيل" ليس مجرّد مسألة أعداد القوات؛ بل يتعلّق بالتداعيات الأوسع على الأمن في جنوب لبنان واحتمال تجدّد الصراع في منطقة محفوفة بالتوتر، برز تطوّر مهم تمثّل في طلب إدارة الرئيس ترامب من إسرائيل تقليص العمل العسكري في لبنان وذلك في إطار دعم قرار الحكومة اللبنانية ببدء عملية نزع سلاح "حزب اللّه". في هذا الإطار، أكّد شينكر أنّ الخطوات المتبادلة من جانب إسرائيل ستمنح بيروت مساحة كبرى ومصداقية للمتابعة، مشدّدًا على دور المبعوث الأميركي توم برّاك في التواصل مع الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى الخطوات التي يمكن أن تتّخذها تل أبيب بالتوازي مع نزع سلاح "حزب اللّه". وفيما أشارت المصادر إلى أن برّاك اقترح أيضًا انسحابًا تدريجيًا من المواقع الخمسة ردًّا على خطوات عملية من الحكومة اللبنانية لنزع سلاح "الحزب"، قال شينكر إن "على إسرائيل أن تُظهر حسن النية وألّا تحتلّ لبنان إلى أجل غير مسمّى". وأضاف "لا أعلم ما إذا كانت إسرائيل ستنسحب من نقطتين أم من نقطة واحدة حدودية، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحكومة اللبنانية اتخذت قرارًا صعبًا، ومن المؤكد أنّ الإسرائيليين سيبادرون بعمل إيجابي".


المنشورات ذات الصلة