عاجل:

"ستارلينك" في لبنان... بين الإدعاء بـ"التجسس" وأولوية الترخيص القانوني! (خاص)

  • ٦٠

خاص – "إيست نيوز"

هازار يتيم

في بلدٍ يترنّح تحت أعباء الانهيار الاقتصادي، وينهشه الفساد الإداري على وقع المناكفات السياسية، فجّرت شركة "ستارلينك" عاصفة من الجدل داخل الأوساط اللبنانية، بعد طرح مشروع ترخيص خدمات الإنترنت الفضائي عبر الأقمار الصناعية. ما بين وعود باللحاق بركب التكنولوجيا العالمية، ومخاوف من انتهاك السيادة الرقمية وإفلاس قطاع الاتصالات المحلي، واحتدم النقاش بين أهل الاختصاص، وارتفعت الأصوات بين مؤيدٍ يرى في المشروع طوق نجاة رقمياً، ومعارضٍ يحذّر من نحر الدولة بسكين الخصخصة غير المدروسة.

فهل تُصبح "ستارلينك" بوابة لبنان نحو المستقبل؟ أم تُفتح بها أبواب الفوضى الرقمية، وتُقوّض بها دعائم الأمن القومي واقتصاد الدولة؟

أثار مشروع إدخال خدمات "ستارلينك" (Starlink) إلى السوق اللبنانية موجة من النقاش الحاد، في جلسة عقدتها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية بحضور وزير الاتصالات، المهندس شارل الحاج، إلى جانب ممثلين عن الأجهزة الأمنية، وهيئة "أوجيرو"، وشركتي "تاتش" و"ألفا"، وعدد من المعنيين في القطاع.

وفيما أُثيرت تساؤلات جدّية حول قانونية منح الترخيص، طُرحت أيضاً مخاوف أمنية واقتصادية من إدخال هذه الخدمة المتقدمة إلى البلاد.

ما هي "ستارلينك"؟

"ستارلينك" هي خدمة إنترنت فضائي تعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية، أطلقتها شركة "سبيس إكس" (SpaceX) التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك (Elon Musk). تهدف هذه الخدمة إلى إيصال الإنترنت إلى المناطق النائية والمحرومة من الشبكات الأرضية التقليدية، عبر آلاف الأقمار الصناعية الموضوعة في مدار أرضي منخفض (Low Earth Orbit)، وتتيح للمستخدمين الاتصال بها بواسطة طبق هوائي (Satellite Dish) متصل بجهاز توجيه (Router) ومودم (Modem).

وقد لعبت "ستارلينك" دوراً حيوياً في ربط المناطق المنكوبة خلال الحروب، أبرزها في أوكرانيا، وهي حالياً متوفرة في أكثر من 40 دولة، غير أن فلسطين ليست من بينها.

تحفّظات قانونية ودستورية... وتوصيات صارمة

في تصريح لـ"إيست نيوز"، أوضح رئيس لجنة الإعلام والإتصالات وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي أن "لجنة الإعلام" أوصت بعدم المضي قدماً في مشروع ترخيص "ستارلينك" بصيغته الحالية، وذلك بعد تسجيل مخالفات خطيرة تمسّ بالدستور والقوانين اللبنانية، أبرزها:

1. مخالفة المادة 89 من الدستور التي تمنع منح امتياز استغلال الموارد العامة كـ"الطيف الترددي" (Radio Frequency Spectrum) دون قانون صادر عن مجلس النواب.

2. تجاوز قانون الشراء العام رقم 244/2021، بإهمال العرض عبر "بوابة الشراء العام" (Public Procurement Portal)، واعتماد التلزيم بالتراضي، وهو أسلوب لم يعد قانونياً بعد صدور القانون الجديد.

3. إغفال قانون المعاملات الإلكترونية رقم 81/2018، بعدم اشتراط تخزين بيانات المستخدمين داخل لبنان، ما يهدد "السيادة الرقمية" (Digital Sovereignty).

4. تهميش الهيئة الناظمة للاتصالات المخوّلة قانوناً بإصدار التراخيص، وفق قانون الاتصالات رقم 431/2002.

5. خرق المرسوم الاشتراعي 126/1959 الذي يحصر تقديم خدمات الاتصالات الدولية بالدولة اللبنانية.

كما سجلت اللجنة غياب أي دراسة جدوى مالية أو تقنية أو قانونية تبرّر المشروع، أو تقارن بين عروض مختلفة، مما يهدد بزعزعة السوق المحلي، وإلحاق ضرر بشركات الإنترنت المحلية (مثل ISPs – مزوّدي خدمة الإنترنت، وDSPs – مزوّدي نقل البيانات).

مخاطر اقتصادية وأمنية

وحذر الموسوي من أن السماح لـ"ستارلينك" قد يؤدي إلى إفلاس قطاع الاتصالات اللبناني على المدى المتوسط والبعيد، رغم الإيرادات المؤقتة التي قد تأتي من الاشتراكات الأولية. أما أمنيّاً، فأشار إلى تقارير من مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية أظهرت مواقف "سلبية جداً" تجاه المشروع، بسبب إمكانية اختراق البيانات، وتخزينها في سيرفرات (خوادم) خارج لبنان، ما يمنع القضاء والأجهزة الأمنية من السيطرة الكاملة عليها.كما حذر من خطر التجسس الرقمي على المستخدمين، في حال عدم وجود آلية واضحة للتحكم بالـ Logs (سجلات الاستخدام)، وموقع تخزين User Data (بيانات المستخدمين).

وجهة نظر تقنية: "الموضوع علمي لا سياسي"

من جهة أخرى، اعتبر مهندس الاتصالات والمعلوماتية سلّوم الدحداح، في حديث ٍلـ "إيست نيوز"، أن النقاش حول "ستارلينك" في لبنان يأخذ طابعاً سياسياً أكثر منه علمياً.

وقال إن "ستارلينك" مجرد مزود إنترنت (Internet Service Provider) مثل أي شركة أخرى، لكنه يتميز بخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وبسرعة تحميل عالية تصل إلى 200 – 300 ميغابت في الثانية (Mbps Download) ورفع بـ 20 – 30 ميغابت في الثانية (Mbps Upload)، وهي سرعات تفوق معظم الشركات اللبنانية، عدا عن الألياف البصرية (Fiber Optics).

وأكد أن "ستارلينك" مرخّصة للعمل في الاتحاد الأوروبي، حيث تُطبق أنظمة صارمة لحماية البيانات بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR – General Data Protection Regulation).

وأوضح دحداح أن أي مزود إنترنت يمكن اختراقه تقنياً، سواء داخل لبنان أو خارجه، وأن موضوع الخصوصية لا يرتبط فقط بمكان الشركة بل بكفاءة الحماية نفسها. وأضاف:"أي خط إنترنت في العالم قابل للاختراق، من الكابل البحري (مثل كابل قدموس) إلى الأقمار الصناعية، والقرار الأخير يعود للمستخدم الذي يختار من يشترك عنده، سواء ستارلينك، أوجيرو، IDM أو تاتش".

وختم قائلاً:""إذا الدولة اللبنانية لم تمنح ترخيصاً لـ"ستارلينك"، فاعتبار الخدمة مخالِفة للقانون يصبح صحيحاً. لكن إن منحت الترخيص، تنتفي صفة التعدّي. وبالتالي الحديث عن 'تعدي على القانون' يجب أن يُحدَّد قانونياً لا يُطلق جزافاً".


المنشورات ذات الصلة