خاص - "ايست نيوز"
عصام شلهوب
لم يكن خبر القرار الأخير الصادر عن المدّعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو حدثًا عاديًا في بلدٍ اعتاد أبناؤه على الوعود غير المنجزة. فالقرار، الذي يُلزم الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، ومن بينهم مصرفيون، بإيداع مبالغ مالية في المصارف اللبنانية تعادل ما حوّلوه إلى الخارج وبالعملة نفسها خلال مهلة شهرين، فتح بابًا جديدًا في معركة استعادة الثقة بالدولة والنظام المالي.
لكن خلف هذا القرار تكمن تفاصيل دقيقة تكشف حجم التغييرات التي طرأت على المشهد القانوني والمالي في لبنان.
من طلب الأرقام إلى كشف الأسماء
وقال كبير المستشارين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، لموقع ايست "ايست نيوز" فإن "هذا التطور لم يأتِ من فراغ. ففي السابق، كان المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم قد طلب من المصارف لوائح بأسماء أعضاء مجالس الإدارة والمديرين الذين قاموا بتحويل أموالهم إلى الخارج. إلا أنّ المصارف، بحجّة الالتزام بالسرية المصرفية، قدّمت أرقامًا بدل الأسماء، ما جعل التحقيقات تتوقف عند هذه الحدود.
وعلمت "ايست نيوز" انه وعلى الرغم من التكتم حول عدد الاشخاص المستهدفين واسمائهم فانع عددهم لا يتجاوز العشرين . لا اليوم تغيّر المشهد. رفع السرية المصرفية وتعديل القانون المرتبط بها سمحا للقضاء بالحصول على الأسماء مباشرة"، ومعها تفاصيل دقيقة: من حوّل، متى حوّل، وكم حوّل. هذه النقلة النوعية تعني أن القرار الحالي ليس مجرد خطوة رمزية، بل مبني على معطيات ملموسة ومعلومات موثوقة تجعل التنفيذ أكثر واقعية وقابلية للتحقق ايا كانت المخاطر المرتبة على هذتا القرار.
البعد الاقتصادي: ضخ السيولة وبعث رسائل ثقةمن الناحية الاقتصادية، تبدو الخطوة ذات أثر مزدوج:
- داخليًا: ضخ سيولة جديدة في النظام المصرفي المتعطش للودائع، ما قد يخفف من ضغط الدولار في السوق ويعيد بعض الحيوية إلى الدورة الاقتصادية.
- خارجيًا: توجيه رسالة واضحة إلى المستثمرين والمؤسسات الدولية بأن لبنان يسعى جديًا إلى فرض قواعد محاسبة مالية، وأنه لم يعد ساحة مفتوحة للتهريب بلا رقيب.
التجارب الدولية، من الأرجنتين إلى اليونان، أثبتت أن استعادة جزء من الأموال المهرَّبة يمكن أن يكون مقدمة لإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي ولو تدريجيًا.
التحدي الحقيقي: التنفيذ لا الإعلان
لكن التفاؤل وحده لا يكفي. كما يلفت الخبير المالي والمصرفي الدكتور جو سرّوع، فإن طلب القضاء إيداع مبالغ مطابقة لما خرج يعني بالضرورة أن الدولة تعلم حجم الأموال المحوَّلة ومساراتها، وهو ما يفرض على القضاء آلية دقيقة للتنفيذ: تتبّع التحويلات عبر أنظمة "السويفت"، التحقق من الحسابات الخارجية، بل ومراقبة الشركات التي تولّت عمليات نقل الأموال نقدًا.
التحدي الأكبر يبقى في إلزام المعنيين بتنفيذ القرار. فالإعلان وحده لا يغيّر شيئًا إذا لم تُترجم القرارات إلى خطوات عملية تضع حدًا للإفلات من المحاسبة.
بين القانون والأمل الشعبي
ما يميز هذا القرار أنه جاء هذه المرة في ظلّ قدرة حقيقية على كشف الأسماء والأرقام معًا. لم يعد بالإمكان التذرّع بالسرية المصرفية أو الاكتفاء بتقديم لوائح مبهمة. ومع هذه القدرة، يصبح الرهان على التنفيذ أكبر من أي وقت مضى.
فاللبنانيون، الذين أُنهكوا بانتظار استرجاع ودائعهم المعلّقة خلف جدران المصارف، ينظرون إلى هذه الخطوة باعتبارها امتحانًا جديدًا للدولة: إما أن تثبت قدرتها على فرض القانون واستعادة الأموال، أو تكرّس مرة أخرى صورة العجز والتسويف.
خطوة أولى… ولكن
القرار القضائي الأخير يفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها استعادة الأموال المهرّبة وكسر جدار السرية المصرفية. لكن نجاحه يبقى مرهونًا بآليتين متلازمتين:
1. تطبيق شفاف وحازم بعيدًا عن الضغوط السياسية.
2. تعاون فعلي من المصارف والجهات الرقابية لتحديد المسارات وملاحقة المستفيدين.
إنها بداية مسار طويل، لكنه قد يكون حجر الأساس لإعادة بناء الثقة بين اللبنانيين ودولتهم، وبين النظام المصرفي ومودعيه