عاجل:

غزة: ساحة معركة فكرية وليس عسكرية فقط (القناة 7 الإسرائيلية)

  • ١٥

إن القرار الأخير الذي اتّخذه المجلس الوزاري الأمني – السياسي بشأن احتلال غزة ليس مجرد خطوة عسكرية، بل هو خطوة تحمل دلالة أكثر عمقاً على الصعيد الفكري.

تواجه إسرائيل، باعتبارها دولة "غربية وديمقراطية"، عدواً لا يعمل وفق القواعد نفسها: لا من الناحية الأخلاقية، ولا القانونية، ولا الاستراتيجية. هذا الصراع غير متناظر بامتياز، وإن لم نفهم قواعد اللعبة الفريدة فيه، فقد نواصل الفوز في المعارك الموضعية، لكننا سنخسر الحرب الشاملة.

في الصراع الكلاسيكي، دولة تحارب دولةً أُخرى، جيش في مواجهة جيش، وينتهي الأمر بحسم واضح يقود إلى وقفٍ لإطلاق النار، ثم إلى مسار سياسي. أمّا في الصراع غير المتناظر، فلا يمتلك العدو جيشاً منظماً، ولا توجد حدود واضحة، ولا حديث عقلاني عن إنهاء القتال. الدولة "الغربية الديمقراطية" تسعى دائماً لإنهاء الصراع بسرعة، لكن "حماس" وحزب الله يزدادان قوةً كلما طال أمد الصراع، فبالنسبة إليهما، يكمن الإنجاز في البقاء، وفي ترسيخ الأسطورة، وزرع الوعي، وليس في الحسم العسكري.

إن "حماس"، على سبيل المثال، لا ترى في أحداث 7 أكتوبر "مجزرة"، بل "بطولة من الغزيين". وحزب الله لا يحلم باحتلال نهاريا، بل بخلق شعور بالحصار. بالنسبة إليهما، إنه صراع على السردية التاريخية، وليس معركة تكتيكية في الميدان. هذا الفارق في إدراك الزمن، وفي الأهداف، وفي القيم الأخلاقية، هو جوهر الصراع غير المتناظر.

لكي تنتصر إسرائيل في مثل هذا الصراع، عليها أن تعمل وفق استراتيجيا غير تناظُرية، وهذا لا يعني فقط التصفية الجسدية، بل أيضاً التصفية الرمزية لقيادة "حماس"، وكسر الرواية باستخدام أدوات وعي وقانون وإعلام، وضرب البنى التحتية التعليمية والدينية والإعلامية التي تخدمها، وفرض ثمن باهظ على الدول والمنظمات التي تقدم لها الدعم.

وإذا تعذّر القضاء التام على فكرة "حماس"، فيجب جعلها غير شرعية وغير شعبية، ومنبوذة حتى داخل المجتمع الفلسطيني نفسه. اليوم، تعمل إسرائيل في الأساس بوسائل عسكرية، جنود ومدرعات، لكن هذه الاستجابة تكتيكية وليست استراتيجية، كما أنها ليست غير متناظرة. يجب تحديث المبادرة باستمرار، والمفاجأة في ساحات غير متوقعة، ومنع فكرة "حماس" من الازدهار.

تُضيف قضية الأسرى تعقيداً كبيراً إلى المعركة، ففي يد "حماس" سلاح أساسي على مستوى الوعي، ورقة مساومة تُمكّنها من تأخير التحركات العسكرية، وفرض وقفٍ لإطلاق النار، والإضرار بالتلاحم المجتمعي داخل إسرائيل. إنها معضلة مؤلمة، لأن إطلاق سراح الأسرى هدف أخلاقي ووطني، لكن إدارة التفاوض يجب أن تتم بحذر، لكي لا تمنح العدو مكاسب استراتيجية بعيدة المدى.

وعلى الرغم من أن مساحة إسرائيل الجغرافية صغيرة، فإن قوتها المعنوية والتكنولوجية والدبلوماسية والاستخباراتية الهائلة، يجب أن تحوّل مؤيدي "حماس" في العالم إلى شركاء يدفعون ثمناً مؤلماً لدعمهم لها، ويشمل ذلك فضح تمويل "الإرهاب"، وحملات قانونية ضد الأونروا، وممارسة ضغوط غير مباشرة على الحكومات من خلال الشراكات التكنولوجية، وكسر الصورة الإيجابية لشركاء "حماس" على الساحة الدولية.

في هذا السياق، إن احتلال غزة ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة ضمن مسار أوسع كثيراً، يهدف إلى تفكيك فكرة "حماس" والبنية التحتية الفكرية والدينية والتعليمية التي تغذي هذا الصراع. فرفعُ العلم على مبنى هو رمز، لكنه لا يضمن الحسم بمفرده.

في نهاية المطاف، لن يُحسم النصر في الميدان فقط، بل على صعيد الوعي. لا يمكن لدولة إسرائيل أن تسمح لنفسها بإدارة صراعات غير متناظرة بأدوات تناظرية. فقط الفهم العميق لطبيعة العدو وضربه بدقة في نقاطه الحساسة: الوعي، والشرعية، والسياسة، هو ما قد يحقق الحسم الحقيقي.

المنشورات ذات الصلة