أدت الوتيرة المتسارعة من الإصلاحات إلى تسهيل دخول المستثمرين الأجانب إلى سوق الأسهم السعودية، وتعزز ثقتهم بإمكانات السوق المحلية لمنافسة الأسواق العالمية مستقبلًا، رغم الأداء الضعيف للأسهم مؤخرًا وتراجع أحجام التداول.
وخلال أسبوع واحد خلال تموز، أعلنت السعودية عن سلسلة تغييرات تنظيمية تتيح لسكان دول مجلس التعاون الخليجي تداول الأسهم المحلية بحرية أكبر، وتمنح الشركات الأجنبية خيار إصدار شهادات الإيداع إلى جانب تخفيف القيود المفروضة على الصناديق الاستثمارية ومديري الأصول المتعاملين في سوق الأسهم، كما أقرت المملكة قانونًا جديدًا يُسهّل على الأجانب تملك العقارات.
يرى خبراء في مجال الاستثمار لدى مؤسسات مثل “مورغان ستانلي” و”أليانس بيرنشتاين” أن هذه الإصلاحات، مجتمعةً، تمثل دليلًا متجددًا على التزام السعودية الجاد بالتحول إلى مركز أعمال عالمي، رغم التحديات القائمة، مثل ضعف أسعار النفط.
ويشكل تطوير أسواق أكثر قوة وتطورًا ركيزة أساسية في “رؤية 2030” التي يشرف عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.، كما تسعى السعودية إلى جذب المستثمرين الأجانب لدفع عجلة النشاط الاقتصادي ودعم القطاعات الجديدة، في إطار جهودها الرامية إلى تقليص اعتمادها على عائدات النفط.
قالت جيتانيا كاندهاري نائبة الرئيس التنفيذي للاستثمار في “مورغان ستانلي لإدارة الاستثمارات” في مقابلة مع بلومبرج، إن “السعودية تسعى لتصبح قوة مالية على الساحة العالمية على غرار الإمارات وسنغافورة، وتعمل على تبني أفضل الممارسات الدولية لتعزيز تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وتوسيع الوصول إلى أسواق رأس المال”، مضيفة أن كل هذه الإصلاحات تشير إلى تحول مدروس من اقتصاد يعتمد على النفط إلى وجهة استثمارية عالمية.
وبهدف تشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، عملت السعودية على تنويع الطروحات العامة الأولية، وكثفت جهودها لاستقطاب شركات التداول عالي التردد، وخفضت بعض العوائق التي تواجه دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق.
أحد مؤشرات التقدم في هذا المسار هو أن المستثمرين الأجانب من خارج دول مجلس التعاون الخليجي شكلوا رقمًا قياسيًا بلغ 35% من عمليات شراء الأسهم في الربع الثاني، وفقًا لبيانات “بلومبرج إنتليجنس”.
ورغم إنفاق المملكة تريليونات الدولارات لإعادة هيكلة اقتصادها، فإنها لا تزال تواجه تحديات على المدى القصير، إذ أدّت عمليات بيع في الآونة الأخيرة إلى تراجع تقييمات الأسهم السعودية إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالأسواق العالمية منذ نحو تسع سنوات.
وتراجع متوسط قيمة التداول اليومية في تموز إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين، ليبلغ 1.25 مليار دولار، مع انحسار الشراء من قبل المستثمرين المحليين، وفقًا لـ”بلومبرج إنتليجنس”.
ومن المرجح أن تستغرق الإصلاحات الأخيرة بعض الوقت قبل أن تُحدث تأثيرًا ملموسًا في نشاط التداول.
وتشهد الصناديق التي تستثمر في الأسهم السعودية تدفقات مالية متواصلة هذا العام، ما وضع المملكة في المرتبة الرابعة بين دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا من حيث حجم الأموال التي خصصتها الصناديق للاستثمار فيها، وذلك وفقًا لبيانات مؤسسة (EPFR).
ويرى سامي سوزوكي، رئيس قسم الأسهم في الأسواق الناشئة لدى “أليانس برنشتاين”، أن تراجع تقييمات الأسهم بشكل أكبر قد يجذب المزيد من المستثمرين الأجانب. وأضاف أن نشاط المستثمرين الأجانب بدأ في الارتفاع خلال ايار وحزيران الماضيين.
وأضاف “نرصد عن كثب جميع الإصلاحات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، التي قد تسهم في زيادة السيولة في السوق وتوسيع قاعدة الشركات التي يمكن الاستثمار فيها”.
وقالت هيئة السوق المالية إن فتح المجال أمام سكان دول الخليج بمثابة “خطوة منطقية وطبيعية” نظرًا للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية القوية داخل المنطقة، مشيرة إلى أنها تدرس حاليًا جدوى فتح السوق أمام جميع المستثمرين.
أصبح بإمكان سكان دول مجلس التعاون الخليجي فتح حسابات استثمارية وتداول الأسهم مباشرة في السوق الرئيسية للمرة الأولى، كما سيُسمح لهم بمواصلة التداول حتى بعد انتقالهم للإقامة خارج المنطقة.
ويمثل إطلاق شهادات الإيداع السعودية، التي تتيح للشركات الأجنبية إصدار شهادات محلية مرتبطة بأسهمها العالمية ومقوّمة بالريال السعودي، اختبارًا لمدى إقبال هذه الشركات على السوق السعودية.
تستقبل مجموعة تداول السعودية، المشغّلة لسوق الأسهم، طلبات من البنوك التي تتولى إصدار شهادات الإيداع والشركات الراغبة بالإصدار، وقالت لـ”بلومبرج” إنها تتوقع أن تكون إجراءات الموافقة والجداول الزمنية مماثلة لتلك المعتمدة في حالات الإدراج المزدوج أو الطروحات العامة الأولية. لكن الوقت قد يبقى العامل الأهم في بلورة النتائج.
قالت كاندهاري من “مورغان ستانلي”: “الإصلاحات تحتاج إلى وقت طويل كي تؤتي ثمارها، وعلى المدى القصير إلى المتوسط، سيظل نمو الاقتصاد الذي ما زال يعتمد إلى حد كبير على أسعار النفط هو العامل المحدد لأداء السوق”.