قالت مراجع أمنية رفيعة إنّ هناك «مخاوف جدّية جداً» من تطورات أمنية خطيرة ربما يجري التحضير لها، تتقاطع بوضوح مع قرار الحكومة اللبنانية الأخير بنزع سلاح المقاومة، وتندرج في خانة السعي الإسرائيلي - الأميركي - السعودي لاقتناص «نصر نهائي» على حزب الله. ولفتت إلى أنّ الأميركيين والاسرائيليين والسعوديين يسابقون الزمن خشية أي متغيّر في الساحة السورية، حيث لا تزال الأوضاع هشّة وغير مستقرّة: من الساحل إلى السويداء، وصولاً إلى الشمال الشرقي حيث النفوذ الكردي، بينما لا تبدو سيطرة أحمد الشرع ممتدّة فعلياً على كامل الجغرافيا السورية.
وفي ظلّ هذا الواقع، تستعجل واشنطن وتل أبيب والرياض استكمال ما تعتبره «نصراً» تحقّق بعد الضربات القاسية التي تلقّاها حزب الله في الحرب الأخيرة، وبعد قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاحه، لتوجيه ضربة قاصمة للحزب تضمن هزيمته نهائياً، وتُبقي محور المقاومة في حالة انكشاف إستراتيجي دائم.
فمن وجهة نظر هذه القوى، حزب الله لا يزال العمود الفقري لمحور المقاومة، وتقييد حركته وتعطيل بنيته العسكرية والتنظيمية يشكّلان مقدمة لـ«النصر النهائي والناجز» الذي لا يكتمل إلا بنزع سلاحه بالكامل، لأنّ بقاءه مسلّحاً، في ظلّ أي متغيّرات يتوقّع أن تشهدها الساحة السورية، ستجعله قادراً على التقاط أنفاسه والعودة إلى سيرته الأولى.
لذلك، حذّرت المصادر الأمنية من أنّ التهديد لم يعد محصوراً بجبهة الجنوب. إذ إنّ «العدو اليوم بات على مسافة نحو 20 كيلومتراً من الحدود اللبنانية - السورية عند نقطة المصنع». وتتابع الأجهزة الأمنية اللبنانية مؤشرات متزايدة على احتمال تمدّد إسرائيلي باتجاه منطقة البقاع، وإقامة نقاط احتلال شبيهة بالنقاط الخمس المحتلة في الجنوب، بهدف عزل البقاع عن بقية المناطق اللبنانية، خصوصاً أنّ التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية تعتبر أنّ البقاع الشمالي يضمّ الجزء الأكبر من المخازن الإستراتيجية للمقاومة.
وأضافت المصادر إنّ التهديد لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل يمتدّ إلى احتمال تحريك الجماعات المسلحة في الجانب السوري من الحدود، بالتوازي مع تحركات إسرائيلية على الأرض، الأمر الذي قد يدفع حزب الله إلى التدخّل دفاعاً عن بيئته، فيتحوّل إلى هدف مكشوف لضربات عسكرية مباشرة. ورأت أنّ الولايات المتحدة لا تمانع مثل هذا السيناريو، بل ربما تدفع باتّجاهه كجزء من سياسة «الضغط الأقصى» لعزل الحزب واستنزافه.
فالإدارة الأميركية التي تمكّنت من إسقاط النظام السوري، وتوجيه ضربات موجعة لإيران واليمن، وهزّ وضع الحشد الشعبي في العراق، وتغيير قواعد الاشتباك في أكثر من ساحة، تعتبر أنّ دائرة انتصاراتها لن تُغلق إلا بإسقاط «محور المحور».
كما أنّ دمشق التي يسعى حاكمها إلى تقديم مزيد من أوراق الاعتماد للأميركيّين والإسرائيليّين لن تتردّد في المشاركة في مخطّط كهذا، خصوصاً أنّ قتال حزب الله يعتبر نقطة تقاطع بين الأطراف السورية المتنافرة.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر أنّ التنسيق غير المعلن بين دمشق وتل أبيب في تصاعد مستمر، وقد تعزّز مؤخّراً عبر سلسلة لقاءات بدأت في اجتماع باكو بين مسؤولين سوريّين وإسرائيليّين في 12 تموز الماضي، مروراً بلقاء مشابه في باريس في 26 من الشهر نفسه، وانتهاءً بلقاء ثالث في باكو في 31 تموز بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة الاحتلال رون ديرمر. هذه اللقاءات، بحسب المصادر، باتت تُعقد دورياً للتنسيق خصوصاً في ما يتعلّق بسبل تطويق حزب الله، وهو ما يجعل الحدود السورية مرشحة لأن تتحوّل إلى ساحة ضغط إضافية، بعدما كانت لسنوات طويلة عمقاً إستراتيجياً.
في خلاصة هذا المشهد، ستكون سوريا وما يجري فيها بوصلة المرحلة المقبلة: الجميع يراقب تطوّراتها ويسابق الزمن خشية تغييرات مفاجئة قد تُعيد خلط الأوراق في الإقليم، وتعيد المحور إلى موقع المبادرة، ولو الجزئية، وهو ما تسعى واشنطن وتل أبيب والرياض إلى قطع الطريق عليه مبكراً، عبر استعجالها قرار نزع سلاح حزب الله بالضغط على المسؤولين اللبنانيين، ولو أدّى ذلك إلى انفجار داخلي.