عاجل:

بين الدولة والمقاومة: من يقرر مصير السلاح في لبنان؟ (خاص)

  • ٦٢

عصام شلهوب ـ "إيست نيوز"

في السادس من آب 2025، أصدرت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» بياناً ردّاً على قرار حكومة الرئيس نواف سلام القاضي بالشروع في تنفيذ خطة لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. البيان اعتبر القرار “خطيئة كبرى” ومؤامرة تُنفّذ بإملاء أميركي مباشر، وهدّد بالتعامل معه كأنه “غير موجود”. وفي خضم العاصفة السياسية التي أثارها هذا الموقف، يبرز سؤال جوهري: هل تملك الدولة اللبنانية حق اتخاذ قرار كهذا، أم أن “المقاومة” باتت فوق المؤسسات الشرعية؟

القرار في مكانه الدستوري

لا لبس في أن مجلس الوزراء، وفق المادة 65 من الدستور، هو المرجع المخوّل رسم السياسات العامة للدولة، بما فيها السياسة الدفاعية. قرار الحكومة الأخير، الذي وُصف بأنه “ينزع سلاح المقاومة”، هو في حقيقته خطوة أولى نحو تطبيق ما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) من بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، ومنع وجود أي سلاح أو قوة أمنية خارج إطار المؤسسات الرسمية.

التمسّك بسلاح خارج شرعية الدولة تحت شعار “المقاومة” يطرح إشكالية قانونية وسياسية عميقة. فبينما شكّل هذا السلاح رافعة حقيقية في وجه الاحتلال الإسرائيلي في السابق، فإن استمراره بمعزل عن رقابة الدولة، وفي ظل انتفاء الاحتلال المباشر، يُفقده الغطاء الوطني الذي كان يحظى به.

التذرّع بالبيان الوزاري: حجة باطلة؟

يرتكز بيان "حزب الله" إلى فقرة من البيان الوزاري للحكومة التي تشير إلى التزامها “باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي”، مع بسط السيادة بقواها الذاتية. غير أن تفسير الحزب لهذه الفقرة يغفل عن أن “القوى الذاتية” المقصودة هنا، بحسب منطوق البيان، هي الجيش اللبناني حصراً، لا التنظيمات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

البَيَان الوزاري هو إعلان نوايا سياسي وليس مرجعاً قانونياً ملزماً يُفسَّر وفق أهواء الفرقاء. وبالتالي، لا يمكن استخدامه كدرع لحماية واقع السلاح القائم، ولا لمصادرة حق الدولة في تنظيم الدفاع الوطني ضمن إطار دستوري وشرعي.

البيان اعتبر قرار الحكومة بمثابة “استراتيجية استسلام”، فيما يرى فيه كثيرون بداية مسار طويل طال انتظاره لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة. رفض حزب الله للقرار، لا بوصفه خياراً سياسياً قابلاً للنقاش بل كمخطط مشبوه سيتعامل معه “كأنه غير موجود”، يشكّل، في الشكل والمضمون، تجاوزاً لمبدأ الشراكة الوطنية.

كيف يمكن لدولة ذات سيادة أن تقبل بوجود طرف يضع نفسه فوق قرارات مجلس الوزراء؟ وهل يجوز، تحت راية “المقاومة”، شلّ عمل المؤسسات والادعاء بالاحتكام إلى “رفض شعبي واسع” لم تُقدَّم له أي مؤشرات حقيقية؟

الإملاء الأميركي… أم التفاوض السيادي؟

يشير البيان إلى أن القرار جاء بإملاء مباشر من المبعوث الأميركي، مستنداً إلى تصريح للرئيس سلام بشأن “ورقة أميركية” تُناقش في مجلس الوزراء. لكن ذلك، حتى وإن صحّ، لا يُعد خرقاً للسيادة بل هو في صلب الممارسة الديبلوماسية الطبيعية بين الدول، لا سيما في ظل وساطة أميركية معلنة لوقف التصعيد على الحدود الجنوبية.

فهل رفض أي اقتراح يأتي من واشنطن هو تعبير عن الاستقلالية، أم انغلاق يُفقد لبنان فرصة حماية نفسه دولياً؟ في السياسة، لا وجود لـ”عدو دائم” ولا “صديق أبدي”، بل مصالح عليا يجب أن تحكم القرار.

بين السيادة والمقاومة: لا تعايش دائم

الخروج من الجلسة الوزارية، كما فعل وزراء "حزب الله" وحركة "أمل"، لا يُبطل القرارات الحكومية. لكنّه يعكس مأزق التعايش بين مشروعين متناقضين: مشروع الدولة التي تحتكر السلاح وتتحمّل مسؤولية السلم والحرب، ومشروع فصيل مسلّح يُخضع الدولة لمعادلاته. وبين هذين المشروعين، يقف البلد على حافة الانفجار السياسي وربما الأمني.

لقد آن الأوان للانطلاق في نقاش وطني مسؤول حول استراتيجية دفاعية متكاملة، يُوضع فيها كل سلاح تحت إمرة الدولة لا فوقها، وبإشراف مؤسساتها لا بمنأى عنها. ذلك وحده ما يصون السيادة، ويُحقق التحرير الحقيقي، ويفتح الباب أمام شراكة وطنية لا تقوم على الخوف أو منطق الغلبة.

قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة ليس مؤامرة، بل تنفيذ لموجبات دستورية واتفاقات وطنية. أما الإصرار على إبقاء سلاح خارج سلطة الدولة، فليس مقاومة بل مخالفة صريحة لمفهوم الدولة. وكل محاولة لفرض معادلة “إما السلاح أو الفوضى”، هي في جوهرها تهديد مبطن لوحدة الوطن ومؤسساته.

في النهاية، لا خلاص للبنان إلا بدولة قوية، لا شريكة لسلاح، ولا خاضعة لوصاية، مهما تلونت بالشعارات.

المنشورات ذات الصلة