عاجل:

بين "مرسوم مُهرّب"و"قانون قادم": هل تطبق "استقلالية القضاء" أم نخضع لحكم "الرجل الواحد"؟(خاص)

  • ١٥٢

جوي ب. حداد – إيست نيوز

أثارَ نشر مرسوم التشكيلات القضائية الأخيرة، والذي تمّ توقيعه قبل يومين فقط من إقرار قانون القضاء العدلي الجديد، موجة من الجدل في الأوساط الحقوقية والإعلامية. والمُفارقة أن هذا المرسوم، الذي طال انتظاره منذ سنوات، صدر في لحظة مفصلية تعكس الصراع المُزمن بين السلطة السياسية ومطلب استقلال القضاء، كما يعكس أيضاً صراع الإرادات داخل الجسم القضائي نفسه.

وفي تصريح خاصّ لـ "إيست نيوز"، قالَ الناشط السياسي المُحامي حسن عادل بزّي إنّ "مرسوم التشكيلات صَدَرَ في وقت يُثير الشبهات، خصوصاً أنّه جاءَ قبل يومين فقط من إقرار قانون القضاء العدلي الجديد الذي يتضمّن مواداً وآليات تختلف جذرياً عن تلك التي أُعدّ وفقها المرسوم".

وأضافَ: "بعض القُضاة الذين يشكل أداؤهم نموذجاً للنزاهة والكفاءة، حُرموا من مراكز حساسة، ربما فقط لأنّهم لم يزوروا مَرجعياتهم الطائفية أو السياسية، فيما تمت ترقية آخرين رغم أن أسماءهم ارتبطت بتقارير إعلامية وقضائية سلبية".

المادّة 168: مفتاح التأجيل القانوني؟

رغم ما أثاره المرسوم من اعتراضات، تجدر الإشارة إلى أن قانون القضاء العدلي الجديد، الذي أُقرّ بعد سنوات من النضال الحقوقي والمدني، لن يُعمل به قبل الأول من كانون الثاني 2026، بحسب المادّة 168 منه. وبالتالي، فإن التشكيلات الأخيرة صدرت – من الناحية القانونية – في ظلّ النظام القديم، وهو ما يُعتبر ذريعة استخدمتها السلطة السياسية لتثبيت توازنات قد لا يكون من المُمكن فرضها لاحقاً ضمن الإطار الإصلاحي الجديد.

هذا التأخير في سريان القانون لا يُلغي الأسئلة المحورية حول دوافع الاستعجال في إصدار المرسوم، خصوصاً في ظل ما نُشر عن تدخلات وضغوط سياسية مورست على مجلس القضاء الأعلى عند إعداد المسودة النهائية.

إصلاح بنيوي: ولكن بشروط

بعيداً عن الجدال السياسي، لا يمكن تجاهل حقيقة أن القانون الجديد يتضمّن عناصر إصلاحية جوهرية، أبرزها إنشاء هيئة التقييم القضائي، وهي هيئة مُستقلّة مهمّتها تقييم أداء القُضاة بشكل دوري، استناداً إلى معايير مهنية واضحة، من ضمنها مدة البت بالقضايا، عدد الأحكام، الالتزام بالمهل، والسلوك العام.

كما نصّ القانون على اعتماد قاعدة "توزين الملفات"، أي توزيع القضايا بشكل عادل داخل الدوائر القضائية، بما يمنع احتكار الملفّات أو إسنادها بشكل مُتكرّر إلى قاضٍ واحد. هذا البند تحديداً جاءَ استجابة لانتقادات طويلة وجّهها مُحامون ومواطنون حول تعثّر المُحاكمات نتيجة التراكم غير المُبرّر للملفّات عند قضاة بعينهم.

ويُضاف إلى ذلك أن السنة القضائية باتت مُقسّمة إلى فصلين إلزاميين، بحيث يُمنع ترحيل الملفّات المَختومة (أي تلك التي بدأت المحاكمة فيها) من فصل إلى آخر. وبحسب المادّة الجديدة، فإن أي قاضٍ يُخلّ بهذه القاعدة قد يُواجه إجراءات مسلكية قد تصل إلى إنهاء خدمته. الهدف من هذا التعديل هو إنهاء ظاهرة "تجميد المُحاكمات" و"تهريب الملفّات"، التي لطالما شكا منها المُتقاضون.

المادة 42: "سمٌّ في العسل"؟

وشدّد المُحامي حسن عادل بزّي ردا على سؤال لموقع "اييت نيوز" على "أن القانون الجديد يُمثّل نقلة نوعية وإيجابية في سبيل استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية مُقارنة بالقانون السابق، لكنّه في الوقت عينه حذّر من بعض الثغرات، وأبرزها المادّة 42، التي وصفها بأنّها "سمّ في العسل".

وأضاف:" أن المادّة 42 تمنح النائب العام التمييزي صلاحية كفّ التعقّبات في الدعوى العامة أينما كانت عالقة. هذا البند، بحسب بزّي، يُفرغ استقلالية النيابات العامة من مضمونها، ويحوّل المُدّعين العامّين إلى مُجرّد موظّفين يتلقّون الأوامر من جهة واحدة."

وأوضَحَ "أن هذه الصلاحية تُخوّل النائب العام التمييزي التدخل لوقف مُلاحقات حسّاسة، مثل ملاحقة إرهابي أمام النيابة العامّة العسكرية، أو سياسي مُتّهم بالإثراء غير المشروع أمام النيابة العامّة المالية، لمُجرّد أن يقرر كفّ التعقّبات". والأخطر "أن النائب العام التمييزي يُعيَّن من قبل الحكومة، أي من قبل السلطة السياسية نفسها، ما يجعل هذا المنصب "مفتاح السيطرة" على كل الدعوى العامّة في البلاد".

وخَتَمَ بزّي بالدعوة إلى تحرّك عاجل، قائلاً: "الآن على عشرة نواب على الأقل التقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري لإبطال المادّة 42، وإلا فنحن ذاهبون نحو حكم الرجل الواحد داخل القضاء".

إمكانية الطعن: تعديل من الداخل؟

وفي سياق متّصل، كَشَفَ بزّي لـ"إيست نيوز" أن بعض البنود الأخرى في القانون قابلة للطعن، قائلاً: "رغم أن القانون يُعد خطوة مُتقدّمة، إلا أن هناك بعض النصوص يمكن الطعن بها أمام المجلس الدستوري، لا لإسقاط القانون، بل لتعديله بما يضمن سلامة التطبيق وفعالية الإصلاح". وهذا الموقف يُعبّر عن نهج إصلاحي واقعي، يطمح إلى تصحيح الثغرات من داخل القانون، لا عبر مواجهته بالمطلق.

بين التشكيلات والقانون: ما بين السطور

تصريحات بزّي، التي لم تُسمّ القُضاة بالأسماء، لكنها طرحت أسئلة مباشرة، "تفتح الباب أمام نقاش أكبر حول مُستقبل القضاء في لبنان". فمن جهة، "هناك قُضاة يتمتّعون بكفاءة عالية، ويعملون بصمت رغم قلة الإمكانيات وضغوط السياسة والطوائف". ومن جهة أخرى، "هناك منظومة سياسية وأمنية لا تزال تتدخّل في مفاصل القضاء، وتُسخّر بعض القضاة لمصالحها."

ورغم أن القانون الجديد يُعطي بارقة أمل، إلا أن فعاليته مرهونة بعدة عوامل: أولاً، الإرادة السياسية في تطبيقه بحذافيره، وثانياً، مدى استقلالية هيئة التقييم القضائي، وثالثاً، قدرة المُجتمع المدني ونقابات المُحامين ووسائل الإعلام على مواكبة تنفيذ الإصلاحات ومُحاسبة المُقصّرين.

في الانتظار: وتحت المجهر

وفي الختام، علم موقع "إيست نيوز": أن مَجموعة من المُحامين، من بينهم بزّي، يَدرسون تقديم طعن أمام المجلس الدستوري ببعض مواد القانون الجديد، لا لإلغائه، بل لتحسين صيغ قانونية قد تُستخدم لاحقاً لفرملة الإصلاح من داخل القانون نفسه".

في الخلاصة، نحنُ أمام لحظة مفصلية. مرسوم التشكيلات صدر، ولكن القانون الجديد قادم. وبين الحاضر والمُستقبل، ثمة امتحان حقيقي أمام الدولة اللبنانية: هل تُمسك بفرصة إعادة بناء الثقة بالقضاء، أم تفرّط بها كما فرّطت بفرص كثيرة قبلها؟


المنشورات ذات الصلة