عاجل:

سيناريوهات تسابق جلسة الحكومة الثلاثاء المقبل (الجمهورية)

  • ٤٣

كتب جورج شاهين:

يتوقع أحد العارفين أن تتعدد السيناريوهات المنطقية والديماغوجية في آن حتى الثلاثاء المقبل. فالدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء بالصيغة التي تبنّت مضمون البيان الوزاري في شأن حصرية السلاح، تلامس آلياً مضمون خطاب القَسَم وما ناله من إجماع، بعدما صارح رئيس الجمهورية العماد جوزّف عون اللبنانيين وجمهور «حزب الله» بما هو مقدّر ومطلوب، رأفة بلبنان وضماناً لسلامة أبنائه، قبل أي محاولة لحرف الحقائق في اتجاه تريده قلة تتمسك بالعروض المنتهية الصلاحية. وهذه هي بعض المؤشرات والوقائع.

لم يكن مفاجئاً أن تدعو الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى جلسة تُعقد بعد ظهر الثلاثاء المقبل في قصر بعبدا لـ«استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري للحكومة في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، وبالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية لشهر تشرين الثاني 2024». وهي صيغة تمّ التوافق على اعتمادها، إنفاذاً لما جاء في البيان الوزاري الذي عكس مضمون بيان قَسَم رئيس الجمهورية.

ولا تقف الصيغة المعتمدة عند هذه الحدود بمفهومها الدستوري والقانوني، وإنما هي تشكّل ترجمة لما ورد في اتفاق الطائف منذ العام 1989 وتفاهم 27 تشرين الثاني 2024 وما بينهما من وثائق وتفاهمات بقيت حبراً على ورق، على خلفية الدعوة إلى غليها وشرب مائها، كما جاء في ردة الفعل التي تلت تفاهم بعبدا عام 2013، والإجماع الذي تحقق حوله قبل نسفه من الداخل. وجاءت هذه الصيغة ايضاً لإعطاء الدعوة مفهوماً دستورياً وقانونياً، ووقف الانغماس في التفسيرات السياسية التي تعطي الخطوة أهميتها البالغة الدقّة منذ أن تمّ التوصل إلى تفاهم لبناني شامل على طي البحث في مصير السلاح غير الشرعي الذي سيكون في عهدة القوى العسكرية والأمنية، من ضمن مبدأ حصرية السلاح وليس إنفاذاً لأي موقف دولي أو إقليمي. فالطلب لبناني والملف لبناني والنقاش لبناني، بعدما تُرك للمسؤولين إدارة المرحلة. وإنّ الضغوط الدولية التي لا يمكن التنكّر لها، ما علينا الّا النظر إليها على انّها تلبية لحاجات داخلية، إن أراد اللبنانيون التحول إلى مرحلة بناء الدولة القوية والعادلة القادرة على استعادة سيادتها على أراضيها وإنهاء البؤر الأمنية غير الشرعية لبنانية كانت أم غير لبنانية، وإيكال المهمّة للدولة ومؤسساتها.

وإن كانت كل هذه النصوص والمواثيق قد حظيت بإجماع اللبنانيين، على الأقل ممن شاركوا في انتخاب الرئيس جوزاف عون رئيساً للجمهورية في 10 كانون الثاني الماضي، والمشاركة في حكومة الرئيس نواف سلام في 8 شباط الماضي، فإنّ على جميع من كوّن السلطة الجديدة أن يبرهن انّه قادر على إدارة دفّة الدولة والانسجام مع الخطوات التي تمّ التفاهم حولها والعمل لتطبيقها، وهو ما لا يعفي أحداً من المسؤولية وفي مقدّمهم من يتصدّر المواجهة المحتملة في مجلس الوزراء بين من يدّعي الحاجة إلى البت بهذه الخطوة وبرمجة مواعيد حصر السلاح بالجيش والقوى العسكرية والأمنية، وبين من يتريث في الوقت عينه، اعتقاداً منه انّ لهذا السلاح دوراً بعد اليوم. ولذلك تنصّب المساعي حتى موعد الجلسة المقبلة للتوصل إلى خطوة تحمي الحكومة من خروج الطرفين معاً.

وإن كان رئيس الجمهورية قد صارح اللبنانيين في خطاب عيد الجيش، وتوجّه مباشرة وبلا مواربة إلى جزء من «البيئة الشيعية» المتمسكة بالسلاح لألف سبب وسبب، فإنّه وإلى طمأنتهم إلى أهمية الاتكال على الدولة والجيش، فهو اكّد المؤكّد إن عاد المراقبون إلى مضمون خطاب سابق، اعتبر فيه انّ سنة 2025 ستسدل الستار قبل نهايتها على الحديث عن «حصرية السلاح»، للانتقال إلى مرحلة البناء والإعمار والعمل لوقف الاعتداءات الاسرائيلية، في مرحلة تسبق الانسحاب من بقية النقاط المحتلة في الجنوب، على عتبة الانتخابات النيابية المقررة في ايار السنة المقبلة. وهي خطوات وصفها في أكثر من مناسبة بأنّها تؤشر إلى «بداية العهد» واحتساب ولايته الحقيقية في رئاسة الجمهورية من بعدها.

على هذه الخلفيات لن تهدأ الاتصالات حتى موعد الجلسة بين اركان السلطة، وإن لم يقصد رئيس مجلس النواب نبيه بري القصر الجمهوري، فإنّ حركة الموفدين ناشطة بين بعبدا وعين التينة، وربما زار رئيس الحكومة نواف سلام عون وبري خلال عطلة نهاية الأسبوع لهدف تقصير مهلة التردّد في اتخاذ القرار والبتّ به نهائياً، ليفي لبنان بأبسط ما تعهّد به. فمرحلة التريث والتردّد انتهت بالنسبة إلى أصدقاء لبنان في العالم. وإن نُقل عن الموفد الأميركي توم برّاك موقفاً مماثلاً للفصل بين الكلام والفعل، فإنّ عواصم اخرى عبّرت عن تشدّد يفيض على الإصرار الاميركي والاوروبي، ومواقف قادة الخليج ومؤسساته الديبلوماسية والمالية المانحة، كانت أشرس وأوضح في نقل الرسالة لإقفال النقاش في هذا الملف.

وإلى ان تقترب المساعي من إنتاج مخارج عدة، فإنّ الجلسة الحكومية ستكون محطة مهمّة، تترجم توافقاً لا يمكن ان يبقى هشاً أو معرّضاً لأي انتكاسة سياسية. فزيارة رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد لرئيس الجمهورية بعد خطاب عيد الجيش، حمّلته رسالة متشدّدة إلى القيادة العسكرية في الحزب لتكون إلى جانب السياسية منها، والتجاوب مع ما هو مطلوب، لتدارك أي مخاطر بدأت تطلّ بقرنها من هذه الزاوية او تلك ومن كل الجهات.

وإن ترافقت زيارة رعد مع زيارة مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا لقيادة الجيش، فقد انتهت إلى تأكيد الرسالة عينها. فالمرحلة لا تحتمل التردّد ولا التريث اكثر. ومن يراهن على تحولات دولية او اقليمية تطيل الوضع الشاذ ومعه مأساة اللبنانيين، عليه التخلّي عن مثل هذه التقديرات، فهي ليست في محلها وما انتهت إليه الحرب لا يمكن السماح بإعادة إنتاج اسبابها. فالمتوقع من مظاهرها بالغ الخطورة، وقد لا يقدّر بما حصل حتى اليوم، وخصوصاً انّ التفرقة بين «الميليشيات الارهابية» و»الدولة ومؤسساتها» انتهى زمانه، وباتت الدولة بمؤسساتها كافة في المواجهة المقبلة. والجميع يدرك أنّها لا تحتمل هزّة من هذا النوع أياً كانت تردّداتها.

وتصرّ مراجع ديبلوماسية على التوجّه إلى المسؤولين اللبنانيين، وتدعوهم إلى اعتبار انّ تكلفة القرار الصعب اليوم أقل بكثير من اليوم التالي، ومن الضروري وقف برامج التلهي بمواعيد عودة برّاك إلى بيروت من عدمها. فهو على السمع في كل لحظة. وإنّ القول إنّ اي تغيير في مهمّته يعيد الموفدة السابقة مورغان اورتاغوس إلى بيروت هو مجرد هراء، لأنّ اورتاغوس تمارس دوراً آخر في الأمم المتحدة، علماً انّ رسالتهما واحدة ولو بلغتين أو لهجتين مختلفتين. وإن نفد صبر المجتمع الدولي وبعض قادته، قد تكون النتيجة اسوأ بكثير، وتجعل من لبنان لقمة سائغة في مشاريع سلبية وخطيرة جداً.


المنشورات ذات الصلة