بقلم قائد معركة "فجر الجرود" العميد الركن المغوار المتقاعد فادي داوود
في الأول من آب من كل عام، يسطع فجرٌ مختلف في لبنان، فجرٌ يذكّرنا بهيبة المؤسسة العسكرية التي بقيت الحصن الأخير للوطن، وصمّام أمانه وسط كلّ العواصف. وفي هذه المناسبة، نعايد القائد الاعلى للقوات المسلحة فخامة الرئيس وقائد الجيش ورفاقه في القيادة، وضباطه ورتبائه وجنوده، رجال الشرف والعزم، الذين لا يزالون قابضين على جمر الواجب، رغم كلّ التحديات والمآسي.
يزداد هذا العيد عمقًا ورمزية حين نستذكر معركة "فجر الجرود" خلال شهر آب 2017، يوم وقف الجيش اللبناني وحده، بقرار وطني مستقل، في مواجهة أخطر التنظيمات الإرهابية، وحرّر أرض الوطن، وكشف مصير الأسرى الشهداء، واستعاد جثثهم، ودوّن بدماء أبنائه صفحة ناصعة في سجل السيادة اللبنانية. يومها، لم يكن النصر مجرد حدث عسكري، بل تجديدًا واضحًا لعقيدة الجيش: لا سيادة إلا للدولة، ولا سلاح إلا سلاحها، ولا حامي للوطن إلا مؤسسته الشرعية.
ولا نحيي عيد الجيش من دون أن ننحني أمام شهدائه الذين سقطوا في صولات الحق ومعارك الشرف من الجنوب إلى أقاصي عكار واخص منها معارك الارهاب بدء من الضنية عام ٢٠٠٠، إلى نهر البارد، ثم عبرا, ففجر الجرود. تحية إلى أرواحهم الطاهرة، وإلى عائلاتهم التي تنزف وجعًا وتعيش بصمتٍ وكرامة في واقع معيشي لا يليق بتضحياتهم والتحية أيضًا إلى العسكريين الأحياء الذين يواصلون القيام بواجبهم، رغم الشحِّ والإهمال، رافعين راية الشرف والتضحية والوفاء.
وإذ نعبّر عن تضامننا العميق مع كل عسكري يتحمّل اليوم أعباء الحياة اليومية في ظل الأزمة الاقتصادية، نؤكد لهم أن نضالهم وصمودهم ليسا عبثاً، بل هما الشعلة التي تنير الطريق نحو دولة قوية، عادلة، وذات سيادة. فرغم الرواتب الزهيدة والإمكانات المحدودة، يثبت الجيش كل يوم أنه ليس فقط حامي الحدود، بل ضمانة وحدة الوطن.
وفي هذه اللحظة المفصلية الدقيقة التي تعيشها المنطقة، نأمل أن يُحسِنَ لبنان – رسميًا وشعبيًا – استثمار ما تحقّق من توازنات، وصمود، وانتصارات، لصالح مشروع الدولة، وأن تُطلق يد الجيش ليكون الحارس الوحيد لأمن لبنان واستقراره، والسيّد على قرار حربه وسلمه. وليكن هذا العيد مناسبة لتكريس دور المؤسسة العسكرية، وتثبيت مهمتها في ضبط السلاح، وبسط السيادة، وإنقاذ البلاد من دوّامة الفوضى والخطر. حينها، يمكن للبنان الذي جعلوه ممراً، أن يعود مقرًّا، حين تكون السيادة للجيش وحده، وتُبسط سلطته فوق كلّ شبرٍ من الأرض اللبنانية، من دون استثناء، ومن دون سلاح خارج شرعيته، ومن دون مناطق محتلة او محرّمة على الدولة. حينها فقط، نبني وطنًا يليق بكم، ويليق بتضحياتكم، ويليق بشهدائنا الذين سقطوا دفاعًا عن الحق والكرامة.
أيها الرفاق، رغم الصعاب، أنتم الشعلة التي لم تنطفئ، أنتم الأمل برجال دولة حقيقيين لا يتاجرون بالوطن ولا ينهبون خيراته. لا تسمحوا للفساد أن يتسلل إلى صفوفكم، فأنتم نواة الدولة العصرية التي نحلم بها، دولة تحفظ توازن مكوّنات الوطن من دون عصبيات، دولة القانون لا دولة الميليشيا، الدولة التي تستعيد ثروات لبنان المنهوبة، من البر والبحر، ومن أبنائه الذين هاجروا مرغمين.
أيها الجنود والضباط، يا رفاق الدرب، يا حرّاس الحلم اللبناني. إن الجيش الذي قدّم أعزّ أبنائه في خدمة الوطن، والذي صمد في وجه الإرهاب والفتن، يستحق أكثر من التحية. هو يستحق موازنة تليق بمهماته، وتضمن كرامة أفراده، وقرارًا سياسيًا يُطلق يده لحماية كل شبرٍ من الوطن.
تحية لكم، في عيدكم، وأنتم تُضيئون بدمكم فجر الجيش، وتُضيئون بأملكم فجر الوطن الجديد.
كل عام وأنتم بخير.