عاجل:

عون: اسمي يوسف وليس مار يوسف.. ولا عصا سحرية (القدس العربي)

  • ٣٩

كتب سعد الياس:

خطفت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي توم براك إلى بيروت هذا الأسبوع الأضواء، إذ إنها لم تكن كسابقاتها، بل شهدت نبرة حازمة تجاه «حزب الله» بوصفه منظمة إرهابية، مشدداً على وضع جدول زمني لنزع السلاح، من دون أن يقدم أي ضمانات أميركية بوقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل.

وإذا كان الموفد الأميركي خلط أحياناً بين التفاؤل والتشاؤم وبين الرضى وعدم الرضى، وأثارت تصريحاته الجدل بين اللبنانيين، فإن المسؤولين اللبنانيين لم يكونوا أقل ضياعاً في كيفية التعامل معه. وقد أبدى الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون كل الاستعداد للتعاون، لكنه سأل عن الضمانات، وقال «نريد التزام إسرائيل باتفاقية وقف إطلاق النار مثلما التزم لبنان بها وانسحاب إسرائيل من التلال الخمس التي ليست لديها أي أهمية استراتيجية».

وشرح رئيس الجمهورية ما آل إليه الحوار مع «حزب الله» حول حصرية السلاح حيث يتولى شخصياً التواصل مع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ويلقى تجاوباً حول الأفكار المطروحة، معتبراً «أن هذه المفاوضات تتقدم ولو ببطء».

ويقول رئيس الجمهورية إنه «يتفهم توق الناس لتنفيذ خطاب القسم خلال فترة قصيرة للوصول إلى لبنان الذي يحلم به الجميع»، ويعدد ما تحقق منذ تشكيل الحكومة في شباط الماضي من «تعيين لحاكم مصرف لبنان، ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومجلس القضاء الأعلى، وإجراء الانتخابات البلدية، وإعادة العلاقات مع الدول العربية إلى نصابها الصحيح»، واعداً «بعمل المزيد ولكن الأمر يتطلب وقتاً»، مضيفاً «أنا إسمي يوسف وليس مار يوسف وليست هناك عصا سحرية لتحقيق كل المتطلبات، ويجب النظر إلى الإيجابيات لتعزيز الأمل».

وفي مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، واجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الموفد الأميركي بجملة ملاحظات بعدما إطلع على ما دار من محادثات بين براك وكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قبل يوم واحد، حيث قدّم للموفد عرضاً لما قام به الجيش الإسرائيلي ضد لبنان وضد «حزب الله» منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، متحدثاً عن أكثر من 3 آلاف خرق إسرائيلي بينها غارات على الجنوب والضاحية والبقاع وطرابلس وسقوط أكثر من 200 شهيد للحزب من دون أن يرد برصاصة، سائلاً «هل يمكن الوثوق بإسرائيل؟ وألا ترى أن ما جرى في السويداء على يد مجموعات متطرفة يعزز المخاوف في لبنان ويطرح تساؤلات حول نزع السلاح في ظل هذه الظروف؟».

وبناء عليه، جاء الرد اللبناني بالنسبة إلى براك مخيّبًا للآمال، وهذا ما جعله يتحدث عن «أمور معقدة»، وأنه «حان الوقت لتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية الاتفاقات التي أبرمتها في الماضي».

وإذا كان الموفد الأميركي وسًع دائرة لقاءاته لتشمل مسؤولين غير رسميين، فهو سمع منهم كلاماً يدعم وجهة النظر الأمريكية حول وجوب ان يفي لبنان بكامل التزاماته سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، من أجل حماية سيادته واستقراره لا بالأقوال بل بالأفعال. وخلال العشاء الذي أقيم على شرف براك في دارة النائب فؤاد مخزومي بحضور وزراء ونواب، كان تأكيد على أن سحب الأسلحة التزام قطعه لبنان على نفسه من خلال اتفاق الطائف الذي نص بوضوح على حل جميع الميليشيات، ومن خلال قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 التي تطالب ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية ونزع سلاح جميع الجهات غير الرسمية، ومن خلال اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024.

إلى ذلك، جاءت زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى قصر الاليزيه ولقاؤه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بلا نتائج عملية على الأرض على الرغم من الحفاوة التي حظي بها سلام في باريس تحت المظلة الفرنسية لماكرون، إذ بدا واضحاً أن لا مؤتمر دعم دولي للبنان ولا مساعدات طالما بقي السلاح بيد «حزب الله» وطالما لم يتم إنجاز الإصلاحات المالية والمصرفية المطلوبة. ويعتبر الرئيس ماكرون أن معالجة ملف السلاح غير الشرعي بالكامل وإنجاز كامل الإصلاحات هما أمران ملحّان ولا يحتملان التأجيل.

ويساور الكثير من المسؤولين واللبنانيين اعتقاد بأن فرنسا التي تبدي مرونة أكبر في التعاطي مع الملف اللبناني لا تملك أدوات الضغط الكافية لإحداث تغيير خارج الرعاية الأميركية بل هي تأتي مكملة للمبادرات العربية والخليجية التي تتماهى مع الموقف الأميركي وتربط الدعم والاستثمارات في لبنان بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية والقيام بالإصلاحات المطلوبة ومكافحة الفساد.

ولذلك، جاءت الجلسة العلنية لمجلس النواب التي رفعت الحصانة عن وزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان وشكلت لجنة تحقيق برلمانية في قضية هدر مال عام لوزراء اتصالات سابقين كرسالة ليس للداخل اللبناني بقدر ما هي رسالة إلى الخارج عن عزم الدولة اللبنانية على السير بنهج جديد.

ومن المنتظر أن يُقدم مجلس النواب قريباً على عقد جلسة تشريعية لاقرار موضوع استقلالية القضاء بعد سنوات من الأخذ والرد، بالتزامن مع اقرار التشكيلات القضائية بدعم من رئيس الجمهورية الذي يؤيد قيام القضاء بفتح كل الملفات المتعلقة بالفساد، «بمعزل عن أي خلفية طائفية كانت أو حزبية»، وهو قال أمام وفد نادي الصحافة: «سأسير في ملف الفساد إلى النهاية، شاء من شاء وأبى من أبى».


المنشورات ذات الصلة