عاجل:

الصراع على مقاعد المغتربين في انتظار «الأميركي»؟ ( الأخبار )

  • ٥١

يزداد الصراع بين القوى السياسية حول الانتخابات النيابية المقبلة، ولا سيما مع توسّع الخلاف على تطبيق المادة 112 من القانون 44/2017 التي تُخصّص ستة مقاعد لغير المقيمين في لبنان، على ألّا يصوّتوا للمرشحين على المقاعد الـ 128 في لبنان، إلّا في حال قرروا الاقتراع من داخل الأراضي اللبنانية.


وفيما اصطفت الأحزاب مسبقاً بين مؤيد للمادة (التيار الوطني حر، حزب الله وحركة أمل) ومطالب بإلغائها (القوات، الكتائب، الاشتراكي، الطاشناق، نواب تغييريين ومستقلين)، جاء موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي ليؤجج الصراع بين القوى المسيحية مع مساندته «القوات» وحلفائها عبر اعتباره أن «حصر المنتشرين في ستة مقاعد نيابية يتعارض مع مبدأ ربطهم بوطنهم وأرضهم وأهلهم ومشاركتهم في الحياة السياسية اللبنانيّة».


ورأى في هذه المسألة «عملية إقصاء تلغي حق المنتشرين الطبيعي بالتصويت في كل الدوائر الانتخابية (...) فالمنتشرون يتطلعون إلى المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة بكل حرية في دوائرهم الانتخابية حيث مكان قيدهم في لبنان. ولا بد من أجل حماية الوحدة الداخلية إلغاء المادة من قانون الانتخاب الحالي».


وعلى الفور، استغلت معراب تدخل الراعي في مادة في قانون يجري مناقشته في مجلس النواب، لتسجيل النقاط على خصومها السياسيين، ووصل الأمر بالنائب القواتي جورج عقيص إلى التهديد ضمنياً بتطيير الانتخابات، إذا ما تم التمسك بالمادة 112، خلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر «صوت الحق بيجمعنا» الذي نظمته مؤسسة «بيت لبنان العالم»، بهدف «تثبيت حق اقتراع اللبنانيين غير المقيمين والموجودين في الانتشار على السواء لـ 128 نائباً».

هكذا وقبيل تسعة أشهر على موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بدأت القوى السياسية حملاتها الانتخابية، من القانون نفسه. فثمة فريق يعتبر أن إلغاء المادة 112 سيُقرَّشُ أصواتاً انتخابية إضافية في صندوق الاقتراع، نتيجة تحويله الخلاف عليها إلى معركة لـ«حماية حق المغتربين اللبنانيين». وفريق آخر يرى في إعادة المشهد الانتخابي لعام 2022 في السفارات والقنصليات، مرفقاً بكل الضغوط الخارجية، ترجيحاً لكفة خصومه عليه. فالواقع أن أصوات المغتربين رجّحت كفة مرشحين على خصومهم في دوائر معينة في الاستحقاق الماضي، ولا سيما مع مشاركة 141,575 مقترعاً من أصل 225,277 مسجلاً في الخارج، أي ما نسبته 62.8%.


ويُشار في هذا السياق إلى أن العدد الأكبر من مقترعي الاغتراب كان مسيحياً، إذ انتخب نحو 119 ألف مسيحي من بينهم نحو 74 ألف ماروني و22,832 أرثوذكسياً و15 ألف كاثوليكي و2,100 أرمني أرثوذكسي، في مقابل نحو 105 آلاف مسلم، من بينهم 45,783 سنياً و45,049 شيعياً و14,556 درزياً. وبحسب الدراسة التي أعدّها الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، فإن فرنسا تصدرت قائمة الدول الأكثر اقتراعاً، إثر وصول عدد المقترعين إلى نحو 20 ألفاً، تلتها الإمارات في المرتبة الثانية (18,119)، ثم كندا (18,023) والولايات المتحدة (15,740) وأستراليا (11,744) وألمانيا (8,811) والسعودية (6,564)، وبعدها قطر وبريطانيا وساحل العاج.

ويتوقع شمس الدين في حال إلغاء المادة 112 وإتاحة التصويت للمغتربين مجدداً في السفارات والقنصليات للمقاعد الـ 128 في لبنان، أن يرتفع عدد الناخبين المسجلين إلى ما يقارب النصف مليون ويقترع منهم 300 ألف على الأقل. ما يعني تضاعف أثر هذه الأصوات على نتيجة الانتخابات، وهو ما يفسّر الصراع الحاصل اليوم على هذه المادة وتحوّل «القوات» إلى رأس حربة في هذه المعركة، ولا سيما مع اعتقاد معراب أن الأصوات التي صبّت في عام 2022 لـ«قوى التغيير» ستجيّر نسبة غير قليلة منها للقواتيين مع فشل تجربة هؤلاء.


فبحسب الدراسة نفسها، اقترع 35,770 مغترباً للمجتمع المدني و27 ألفاً لـ«القوات» و11,704 للمستقلين، فيما نال حزب الله 10 آلاف صوت والتيار الوطني الحر 9,220 صوتاً وحركة أمل 7,193 صوتاً والحزب التقدمي الاشتراكي 3,783 صوتاً وجمعية المشاريع 3,506 أصوات وحزب الكتائب 3,268 صوتاً وحركة الاستقلال 1,735 صوتاً وتيار المردة 1,243 صوتاً. وفي معادلة حسابية بسيطة، يتبين أن أصوات «القوات» بمفردها تعادل مجموع أصوات الحزب والحركة والتيار، بينما أصوات المجتمع المدني و«القوات» و«الاستقلال» والمستقلين تشكل مع بعضها رافعة للوائح هذه القوى في مختلف الدوائر، وتحسم مقاعد لصالحها مسبقاً.


ففي دائرة البقاع الغربي وراشيا على سبيل المثال، أسهم تصويت الاغتراب بفوز كل من غسان سكاف وياسين ياسين مقابل خسارة إيلي الفرزلي ومحمد القرعاوي، فيما كان إبراهيم العازار ليفوز على شربل مسعد في جزين. كذلك أدّى تصويت المغتربين إلى فوز فيصل الصايغ ووضاح الصادق اللذين كانا سيخسران لصالح خالد قباني وزينة منذر. أما في الشمال الثالثة، أي دائرة زغرتا - الكورة - بشري - البترون، فرجّح الاغتراب كفّة ميشال دويهي وأديب عبد المسيح ومن دونه كان ليفوز جواد بولس وفادي غصن، ومروان خير الدين في الجنوب الثالثة (بنت جبيل، النبطية، مرجعيون/ حاصبيا) بدلاً من فراس حمدان.

في موازاة استفادة بعض القوى السياسية والمرشحين من تأثير أصوات الاغتراب على الحواصل الانتخابية لحسم مقعد نيابي أو مقعدين، استفاد بعض المرشحين من التصويت في الخارج والجو السياسي القائم يومها لرفع عدد الأصوات التفضيلية، ولا سيما مرشحي المجتمع المدني و«القوات». فنال إبراهيم منيمنة العدد الأعلى بالأصوات التفضيلية للمغتربين (2,787)، تلاه مارك ضو (2,329)، ثم جورج عقيص (2,174) وعدنان طرابلسي (2,134)، ليأتي بعدهم ملحم خلف ونجاة عون ونواب «القوات»: ملحم رياشي، بيار بو عاصي، جورج عدوان، غياث يزبك، أنطوان حبشي وستريدا جعجع.

مع العلم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري خرق هذه القائمة بنيله 1,805 أصوات، وكذلك أمين شري (1,442) ومحمد رعد (1,354). هذه الأرقام تفسّر احتدام الصراع بين القوى السياسية على تعديل قانون الانتخاب وتقديم «القوات» وبعض المستقلين اقتراح قانون معجل مكرر لإلغاء المادة 112، أي المقاعد الستة، ما يتيح للمغتربين الاقتراع مجدداً كما حصل في عام 2022 لصالح النواب في كل الدوائر الانتخابية. هذا الموضوع لا يزال مدار نقاش بين النواب في اللجنة المكلفة مناقشة اقتراحات القوانين الانتخابية والتعديلات عليها، برئاسة نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، رغم إقرار المشاركين بأنها مضيعة للوقت، إذ لا مجال لتغيير القانون ولا حتى تعديله، والتركيز فقط على المادة 112.

لكن المهمة القواتية ليست بتلك السهولة، فالدخول بتعديل القانون لن يقتصر على ما تريده فقط لناحية إلغاء المقاعد الستة للمغتربين، بل سيتعدّاه إلى مطالبة حركة أمل بصوتين تفضيليين بدلاً من صوت واحد ومطالبة قوى أخرى بوضع سقف لعدد الأصوات التي يجب أن يحصل عليها المرشح للفوز وتعديل تقسيم بعض الدوائر؛ عندها فقط سيكون مصير الانتخابات مهدداً. يحصل ذلك في ظل تخلّي حكومة نواف سلام عن مسؤولياتها رغم الوعود التي أطلقها الرئيس عند انتخابه بإعداد قانون انتخابي عصري.

فاللجنة الحكومية المكلفة بكل ما يعنى بالانتخابات والتي وعدت بإرسال تقرير إلى اللجنة النيابية الفرعية، لم ترسل شيئاً بعد، باستثناء تأكيد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار للنواب عدم قدرة الوزارة على إنجاز البطاقة الإلكترونية الممغنطة المنصوص عليها في المادة 84، والتي يتوجب لتنفيذها صدور مرسوم بثلثي الأصوات عن مجلس الوزراء.

لذلك ترجح مصادر مطلعة أن ينتهي الأمر بالإبقاء على القانون 44/2017 كما هو مع الاستمرار بتعليق المادة 112، لكن مع إلغاء التصويت في الخارج، للحدّ من الضغوطات السياسية، مقابل تصويت المغتربين داخل الأراضي اللبنانية لمن يرغب كما في عام 2018، من دون أن يلغي ذلك تعويل البعض على ضغوط أجنبية، ولا سيما أميركية، تؤدي حكماً إلى فتح السفارات والقنصليات أمام اللبنانيين في الخارج للاقتراع، رغماً عن الاعتراضات الداخلية.

المنشورات ذات الصلة