ذكرت جريدة "الجمهورية" في المانشيت أن المشهد الداخلي متخم بالملفّات الضاغطة عليه بكلّ مفاصله، والقاسم المشترك بينها جميعها أنّ أفقها مجهول وليس معلوماً ما إذا كانت ستُحسم بالفعل وكيف ومتى، او ما إذا كانت هناك قدرة أصلاً على حسمها بصورة جديّة، في ظل واقع عالق يعاني التخبّط المزمن في الإرباكات والتناقضات، ومستوطن في حقل مفخّخ بصراع الإرادات والاصطفافات السياسية والشعبوية والاشتباك والتخاصم والنكد المتبادل على أتفه الأسباب. واللبنانيون في هذا الوضع يبحثون عن فسحة أمل، لعلّ فيها منفذاً في هذا الإنسداد نحو إيجابيات يفتقدونها، تؤسّس لانفراجات يتوقون إليها.
في صدارة المشهد، زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف إلى البحرين، وقرار مجلس النواب برفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان وإحالة ملفات مرتبطة بوزارة الاتصالات على لجنة تحقيق برلمانية، وكذلك ملف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، والتي تواكبت بالأمس مع تحليق مكثف للطيران التجسسي في الأجواء اللبنانية، ولاسيما فوق الضاحية الجنوبية، إضافة إلى الملف المرتبط بهذه الاعتداءات، ويتمثل بمشروع الحلّ الأميركي الذي يعدّ أكثر الملفّات الداخليّة سخونة ودقّة في هذه الفترة.
وكان المجلس الينابي قد تصدّى بالأمس، لجانب من ملف الفساد، سواء في الخطوة الاستثنائية التي أقدم عليها برفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان، وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ملف الاتصالات.
وأكّدت مصادر نيابية لـ"الجمهورية"، "انّ المجلس بمبادرته هذه، وجّه بذلك رسالة في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية، حول جدّية مواجهة الفساد المشكو منه، وإماطة اللثام عن هدر وارتكابات واختلاسات كان لها الأثر الكبير والمباشر على إرهاق الخزينة وإشعال الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي يعاني منها البلد".
الّا انّ المصادر عينها أكّدت أنّ "هذه الخطوة على أهميتها الكبرى، تبقى ناقصة وبلا أيّ قيمة، ما لم تقترن بجهد صادق، لمقاربة هذه الملفات، بالحيادية المطلوبة، وبالعزم الأكيد، بعيداً من أي مداخلات او محاولات للمماطلة والتمييع، على إظهار الحقائق كما هي، بإدانة المرتكبين والمشاركين وكل من له صلة بهدر او سرقة المال العام». وخلصت إلى القول: «لا بدّ من إظهار الحقائق ومحاسبة المرتكبين، والأهم استعادة المال المنهوب من مختلسيها".
وكان المجلس النيابي قد عقد جلسة عامة أمس، صوّت فيها بغالبية 99 صوتاً على رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان، كما صوّت بغالبية 88 صوتاً على ملفات تتعلق بوزارة الاتصالات إبان تولّي كل من الوزراء السابقين: بطرس حرب، نقولا صحناوي وجمال الجراح، مهام هذه الوزارة، إلى لجنة تحقيق برلمانية، تألّفت من نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب والنائب إبراهيم الموسوي والنائب غادة ايوب.
ملف متأرجح
على صعيد مشروع الحل، فرغم الحضور الأميركي المباشر لتمريره عبر الزيارات المتتالية للموفد الأميركي توم برّاك، لم يؤسس حتى الآن لمساحة التقاء مشتركة عليه، وخصوصاً في ما يتصل بملف سلاح «حزب الله»، وكذلك في ما يتصل بالضمانات التي يطلبها لوقف العدوان الإسرائيلي وعدم تجدده، وإلزام إسرائيل باحترام القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة والإفراج عن الأسرى اللبنانيين. حيث انتهت الزيارة الثالثة لبرّاك إلى ترحيل هذا الملف إلى زيارة رابعة له إلى لبنان، تسبق أو تلي الردّ الأميركي – الإسرائيلي، على الردّ الأميركي على جواب لبنان على مشروع الحل الأميركي.
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنّ هذا الملف تأرجح منذ بداية طرحه بين التفاؤل والتشاؤم، وهو ما تبدّى في المواقف التي قاربت المحادثات حوله، وتحدثت تارة عن أجواء إيجابية، وفي المواقف التي صدرت في موازاتها، وتحدثت عن أفق مسدود،.إلّا أنّ مجريات الزيارة الأخيرة وما تمّ طرحه داخل الغرف المغلقة، وفق ما تبلّغت "الجمهورية" من مصادر مشاركة في المحادثات المغلقة مع برّاك "ترفع مستوى التفاؤل في إمكان بلوغ حلّ في القريب العاجل، إنْ لم يطرأ في الطريق ما قد يأخذ الأمور في مجرى آخر، ويجب ألّا نغفل هنا العامل الإسرائيلي الذي يعتمد سياسة التصعيد والاستفزاز بقصد الابتزاز لبلوغ حلّ بحقق مصلحته حصراً".
ووفق معلومات "الجمهورية" من مصادر موثوقة، فإنّ الردّ اللبناني الذي قُدّم إلى برّاك، لم يأتِ باقتراحات جديدة او بتعديلات لمضمون الردّ اللبناني السابق، بل جاء بصياغة مكمّلة، تلحظ التزام لبنان بكل الثوابت والمسلّمات الواردة فيه في ما خصّ وقف العدوان، والالتزام بالقرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار والانسحاب وتحرير الأسرى. وتلحظ أيضاً تصوراً حول آلية حصرية السلاح بيد الدولة، وايضاً لما قد يقوم به لبنان من خطوات وإجراءات لتسهيل بلوغ حلّ تركّز بالدرجة الأولى على الالتزام بالقرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار المعلن في 27 تشرين الثاني من العام الماضي".
وفيما لوحظ انّ اياً من المسؤولين الذين التقاهم برّاك، تجنّبوا الحديث عن إيجابيات، بل يبدو أنّهم اكتفوا بترك الحديث عن تفاؤل وإيجابيات للموفد الأميركي، أبلغ مرجع كبير إلى "الجمهورية" قوله: "من يسمع كلامه يصعب عليه فهم ما يقصده، فتارةً يحكي عن إيجابيات، وتارةً أخرى يرفض تقديم ضمانات، ويصرّح بأنّ واشنطن لا تستطيع ان تلزم إسرائيل بشيء او ترغمها على شيء، وتارةً ثالثة يتحدث عن تفاؤل، وتارةً رابعة يتحدث عن أجواء ممتازة، كما قال بعد لقائه برئيس مجلس النواب نبيه بري، يعني "بيشدّ وبيرخي"، ولكن كلّ هذا لا يغيّر في حقيقة أنّنا نريد حلاً لمصلحة لبنان، وليس حلاً على حساب لبنان يوصف وكأنّه استسلام".