كادت الأيام الستة الممتدة ما بين يوم الأحد 13 تموز، والسبت الذي تلاه، أن تعصف بما تبقى من نسيج مجتمعي سوري، وهو يبدي حتى هذه اللحظة بمفاعيل عدة، قدرة ملحوظة على مقاومة « المقصات» التي باتت حاضرة لتمزيقه، بعضها داخلي، أو يعتد ببيئة داخلية داعمة، تتمثل بطغيان الشعور القبلي والطائفي والمذهبي على حساب الشعور الوطني، وهذا جاء نتيجة لتراكمات عديدة على امتداد عقود هي عمر استقلال الكيان، و بعضها خارجي يبدو مدركا جيدا للآلية المثلى الواجب اتباعها، للإستثمار في هذه الحالة السابقة .
ضمت الأيام الستة بين جنباتها أحداثا جساما، منها أن «اسرائيل» استهدفت مقارا ورموزا للدولة السورية يوم الأربعاء الفائت، وهو أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ الحروب العربية- «الإسرائيلية»، وأخطر ما فيه إن الدولة المستهدفة كانت قد أعلنت منذ 8 كانون أول الماضي، أنها لا تعتبر نفسها في حالة حرب مع «اسرائيل»، ومنها بروز ظاهرة العشائر التي تنادت لـ<نصرة الدولة»، والتي جرى تضخيمها على وسائل التواصل بشكل مثير ومقصود كما يبدو، مما يثير الكثير من التساؤلات، والكثير من القلق في السياسات المتبعة حيال مسائل وطنية بالغة الحساسية.
ناهيك عن أبعادها الإقليمية التي يصح اعتبار تجاهلها «جهلا»، إذ لا يعقل أن هؤلاء الذين عبروا مسافات تتراوح بين 250 - 400 كلم، ومروا مرور الكرام وهم مدججون بالسلاح على حواجز الجيش، دون أن يراهم أحد . والشاهد أن تلك الظاهرة لم تكن لها «طبعة» ولو رمزية، كرد على ظهور» العلم الأزرق» على مشارف قطنا، على مبعدة 35 كلم من دمشق ومن تلك الأحداث، تداعى عشر دول عربية إلى جانب تركيا يوم الخميس الماضي، إلى إصدار بيان أكدوا فيه عن دعمهم لـ» وحدة سوريا وسيادتها>، و<رفضهم لأي تدخل خارجي في شؤونها»، قبل أن يختم البيان بـ«حث» الرئيس السوري على «محاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات ضد المواطنين في السويداء>.
ولعل كل نقطة فيما سبق كافية لإثارة عواصف من القلق المشروع، وهي تشير إلى حقيقة أن الوقت يضيق أمام محاولات انقاذ الكيان السوري.
شكل صدور بيان الرئاسة السورية يوم الجمعة، مدخلا مهما لتهدئة الأجواء، وصولا إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي جاء بعد ساعات، من صدور هذا الأخير، على لسان المبعوث الأميركي توماس باراك، فالبيان الذي دعا إلى « ضبط النفس»، والتعهد بـ<إرسال قوات لفض النزاع»، وإن جاء متأخرا، لكنه كان يشير إلى وجود تغير في الموقف الحكومي، حيال التعاطي مع الصراع الدائر في السويداء، والذي خلف نحو « 600 قتيل»، وفقا لـ» مكتب الأمم المتحدة لتنسبق الشؤون الإنسانية»، ونزوح « 80 ألف شخص من مناطق سكنهم في السويداء إثر أعمال العنف التي اندلعت يوم الأحد»، وفقا لما أكدته» المنظمة الدولية للهجرة» في بيان لها، كانت قد أضافت فيه إن» الخدمات الأساسية في السويداء قد انهارت».
كما أكدت صفحات لناشطين من السويداء، وهي مدعمة بمقاطع مصورة جرى بثها يوم الخميس، وجود» أحياء مدمرة بالكامل»، و<أخرى جرى نهب محلاتها وحرق منازلها»، ناهيك عن <تناثر العشرات من الجثث في الشوارع>.
نص الإتفاق، بحسب «الهيئة الروحية» للطائفة الدرزية ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، على «انتشار الأمن العام خارج الحدود الإدارية لمحافظة السويداء»، وعلى « منع دخول أي جهة إلى القرى الحدودية لمدة 48 ساعة من سريان الإتفاق، لإتاحة الفرصة لانتشار القوى الأمنية»، وما تبقى من قوات العشائر سوف « يسمح لهم بالخروج الآمن والمضمون».
من المؤكد أن هذا الإتفاق يمثل تنازلا للحكومة السورية، عن الأهداف التي أعلنت عنها عشية اندلاع أعمال العنف في السويداء، فقد ذكر بيان لوزارة الدفاع، كان قد صدر بعد مرور 24 ساعة على هذا الفعل الأخير، إن» الفراغ المؤسساتي الذي رافق اندلاع هذه الإشتباكات ساهم في تفاقم مناخ الفوضى، وانعدام القدرة على التدخل من قبل المؤسسات الرسمية، الأمنية والعسكرية، مما أعاق جهود التهدئة وضبط النفس» . وهذا مؤشر على أن قبولها الإتفاق كان قد جاء بضغط خارجي، لا نتيجة لمراجعات كان من نتيجتها القبول بتلك البنود، خصوصا إن مفاعيل الإتفاق سوف يتردد صداها سريعا في مناطق شرق الفرات.
وفي أوساط» قوات سوريا الديمقراطية - قسد»، على وجه التحديد، ومن دون شك، فإن الأخيرة التقطت أنفاسها وهي ترقب النتائج التي آل إليها وضع شبيه بوضعها، ولسوف يكون المآل الأول محددا، وبدرجة كبيرة، لنظيره الثاني، أقله وفق المعطيات الراهنة.
قد يكون في خلفية تعاطي الحكومة السورية مع اللهيب المندلع في السويداء مؤخرا، شيئ من الإستناد بـ» أكثر مما يجب» على التصريحات الأميركية، التي قاربت» المديح» في أحيان عدة، بل والتصريحات «الإسرائيلية» عينها التي أثارت كما يبدو، شعورا بالإرتياح لديها، الأمر الذي يمكن لمسه عبر البيان الذي أصدره « مجلس الإفتاء»› يوم الجمعة، وذهب فيه إلى وصف اسرائيل بـ» العدو الصهيوني المحتل، الذي ليس له عهد ولا ذمة».
وإذا كان الشطر الأول ليس ببعيد عن التوصيف الصحيح لذلك الكيان، إلا أن الشطر الثاني يخفي» خيبة أمل» لا مجال لإنكارها .
أرسى الإتفاق وقفا لإطلاق النار، وضامنه هو» القوة الإسرائيلية»، التي لطالما ذكرها رئيس وزراء الإحتلال مرارا بتلك الصفة، لكن الثابت ان الإتفاق أرسى لعلاقة شديدة التوتر ما بين «المركز» وبين المحافظة الجنوبية، التي لم يكن ينقصها الكثير لكي يتنامى ذلك التوتر بين الطرفين .
لكن الثابت أيضا هو أن ثمة حسابات خاطئة هي التي تقف في خلفية المشهد، ف«المسألة الدرزية» من النوع العابر للحدود، ناهيك عن إن استثمار الخارج فيها يصل إلى حد اعتبارها الآن، رقما في المعادلات الإقليمية التي تجري معايرتها قبيل التوصل إلى حل مجاهيلها، ثم إنه « لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة العسكرية، فالمواطنون يطورون شعورا حقيقيا بالإنتماء، حين يشعرون بإن الدولة تمثلهم وتحميهم وتصون حقوقهم، وتعامل جميع المواطنين على قدم المساواة» .
والقول الأخير هو للمبعوث الأممي الخاص بالأزمة السورية غير بيدرسون، الذي قاله في لقاء أجرته معه» المجلة» قبل أيام، وأهم ما فيه هو إن الدولة السورية في وضعها الراهن يجب أن تلعب دور « المغناطيس» لا «المطرقة».