- ايران اخطأت في توقعاتها بضربة اميركية اعتقادا منها ان قاعدة ترامب ترفضها
- تقرير غروسي اعطى شرعية للحرب والتاريخ وحده سيحكم ان كان صادقا او مفبركا
- إسرائيل عاجزة عن إعادة صياغة المنطقة بعد طلبها تدخلاً أميركيّاً مباشراً
- هل ستستخدم واشنطن قوتها لتقديم مشروع يؤدي الى اعادة صياغة المنطقة؟
- اضعاف حزب الله والجيش السوري بعد اسقاط النظام شجعا اسرائيل على ضرب ايران
راى وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة انه لم يفاجأ بالضربة الاميركية على ايران، ذلك ان القناعة بدأت تتكون تدريجيا منذ بدء حرب غزة وازداد في الفترة الاخيرة. وبعدما أعطيت اسرائيل اسلحة جديدة مطلع العام بقرار من الرئيس بايدن نفذه الرئيس ترامب. بدأت المؤشرات تزداد في الأسابيع الماضية، عندما جيء بحاملات الطائرات والسفن والمدمرات والغواصات الملحة بها والطائرات الــ "بي 2" وهي تحركات تقاس بتكلفتها بمليارات الدولارات ولا يمكن تحريكها لاهادف محدودة.
ولفت الوزير سلامة في حديث الى مجلة "الامن العام" الى انه لم يقلل من حجم الحكمة لدى الأطراف اللبنانيين في فهمهم الواقعي لموازين القوى لتجنيب لبنان تداعيات ما يحصل في المنطقة واعتبر "أن إيران اخطأت في توقعاتها بامكان تورط أميركي في الحرب معتقدة ان قاعدته الجمهورية لا تريد الحرب". واعتبر ان "تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي اعطى شرعية لهذه الحرب والتاريخ وحده سيحكم ان كان صادقا او مفبركا." وبعدما سأل "إن كانت واشنطن ستستخدم قوتها لتقديم مشروع يؤدي الى اعادة صياغة المنطقة". اعتبر "أن إسرائيل عاجزة عن إعادة صياغة المنطقة بعد طلبها تدخلاً أميركيّاً مباشراً في هذه الحرب". الى القول "أن إضعاف حزب الله والجيش السوري بعد إسقاط النظام في سوريا شجعا إسرائيل على ضرب ايران.
كان سلامة يتحدث للمجلة بعيد الضربة الاميركية وقبل التوصل الى اتفاق وقف النار. فأجرى قراءة تاريخية وديبلوماسية وأممية من موقعه الذي كان يتولاه كمستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة وشاهدا على محطتي إبرام اتفاق تموز 2015 بين ايران ومجموعة (5+1) وعلى مرحلة تجميده من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب وما رافق هذه المراحل من تطورات.
وهذه هي وقائع المقابلة:
* هل كنت تتوقع انخراط الولايات المتحدة الاميركية في الحرب على ايران بهذا الشكل؟
- بدأت القناعة بالتدخل الاميركي تزداد لدي في الاسابيع الماضية تدريجا، ليس هناك من امر جديد بدعم وتموين اسرائيل الروتيني بالسلاح، على الاقل منذ بدء حرب غزة وازداد في الفترة الاخيرة. اعطيت اسلحة جديدة مطلع العام بقرار من الرئيس بايدن نفذه الرئيس ترامب. وقد بدأت المؤشرات تزداد في الاسابيع الماضية، فجيء اولا بثلاث حاملات طائرات الى منطقة العمليات، بعدها نقلت 30 طائرة مخصصة للتزويد بالوقود في الجو الى مطارات في اسبانيا، ومن ثم جيء بطائرات متطورة جدا من مينيسوتا الى قواعد عسكرية في ايطاليا ثم جيء بـ "بي 2" لاحقا قبل تحريك قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهي جميعها من المؤشرات التي تدل على عمل كبير جدا. كل هذه الاستعدادات التي لا تقاس بعدد العسكريين انما بنوعها وحجمها، وهو ما تجاوز بكثير ما قامت به الادارة الاميركية في حرب الكويت 1990. كلنا ندرك كلفة عملية وهي بمليارات من الدولارات، ولن ينفق البنتاغون هذه الاموال لمجرد الاستعراض. هكذا بدأت تتكون عندي اكثر فأكثر القناعة بأن الولايات المتحدة ستقدم على عمل عسكري وكان من الصعب تصور حجمه، لكن ما كان واضحا ان ضرب مفاعل "فوردو" هو جزء اساسي من هذه المهمة. فهو موقع يتميز عن غيره، والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على تدميره بوجود السلاح المناسب لديها.
كما لاحظت شيئا غير مسبوق، وربما شهدنا شبيها له على الجبهة المصرية عام 1973، يومها طلبت اسرائيل من الولايات المتحدة رفع مستوى تأهبها النووي للرد على امكانية تدخل الجيش السوفياتي الى جانب المصري بعد حادثة الدفرسوار. لم يحصل يومها تدخل مباشر للجيش الاميركي، فاقتصرت على دعمها بالأسلحة والذخائر وهو امر تقوم به دائما لمصلحة اسرائيل. لذلك، ربما للمرة الاولى تطلب فيها اسرائيل من الولايات المتحدة التدخل العسكري بطريقة واضحة وصريحة الى جانبها ووضعت اهدافا لذلك. كان ترامب يريد ان يضرب "فوردو" فقط، لكن نتنياهو اصر على ضرب "نتانز" و"اراك" ايضا. اذا، نحن امام سابقة بقبول اميركا الطلب وستكون لها تداعيات قريبا.
* كان يعتقد البعض ان حشدا اميركيا بهذا الحجم ربما حقق مبتغاه قبل الطلقة الاولى، فلماذا سقط هذا الخيار؟
- الرئيس ترامب كانت له مواقف متناقضة من كل هذه الامور، وسبب ذلك ليس في طبعه المتقلب وعدم خشيته من ذلك في مختلف المجالات. لكن هناك شيء آخر، فالقاعدة السياسية التي يرتكز عليها في الحزب الجمهوري تتميز بميول انعزالية هائلة. فهي لا تريد ان تدخل اميركا في حروب جديدة، وهي على عكس المحافظين الجدد الذين تحكموا بادارة جورج بوش الابن، الذين دفعوه الى حرب العراق وحروب اخرى. التيار الجمهوري الذي جاء بترامب رئيسا هو تيار انعزالي لا يريد التورط في حروب جديدة وكان مصرا على الانسحاب من افغانستان وسوريا والعراق واماكن اخرى. كان يميل بغالبيته الساحقة بحسب استطلاعات الرأي الاخيرة ضد التدخل في هذه الحرب. كان كبار مفكري هذا التيار الترامبي الانعزالي، ومنهم تاكر كارلسون وستيف بانن وغريغوري كورك ومعهم نائب الرئيس الحالي وغيرهم، ضد قرار التدخل في هذه الحرب، وكان هناك خطر بحصول انقسام داخل الارضية السياسية التي يرتكز عليها. لذلك كان هناك فكرة بأن يعطي ترامب بعض الوقت للمفاوضات، مرفقة بالتهديد بتجميع القوى، كما فعل قبيل حرب الكويت 1990 وقبل من بعدها بلقاء وزير خارجية صدام حسين في جنيف، حيث ابلغه بانه "ما زالت لديكم فرصة لتجنب الحرب بالانسحاب من الكويت"، وهو ما لم يفعله صدام حسين. هذه المرة ايضا وضع ترامب سقفا عاليا جدا، قام بجمع كل هذه القوات ووجه رسالته الى ايران داعيا اياها للاستسلام الكامل. لذلك كان صعبا على المرشد قبول ذلك، لأنه نوع من الانتحار بهدف الهروب من الموت. انا لم اكن اتوقع رضوخا ايرانيا بهذه السهولة لمجرد استعراض هذه القوة الاميركية.
*هل تعتقد انه كان في الامكان تأجيل الحرب بعدما نجح ترامب في معالجة ملفات مماثلة؟
- الحقيقة ان امكانية شن حرب اسرائيلية واميركية على برنامج ايران النووي فكرة موجودة منذ عام 2003. يومها، في عز الحرب العراقية، قالت وكالة الطاقة النووية ان المشكلة في ايران وليست في العراق على عكس ما قالته الادارة الاميركية يومها. في العام 2007 توصل الاسرائيليون الى الاعتقاد بأن الحرب ازدادت احتمالات رفع ايران نسبة التخصيب. اكتشفت الوكالة الدولية يومها مراكز جديدة للتخصيب لم تصرح عنها ايران. لذلك بدأت المعالجات الديبلوماسية لما سمي بـ "الملف النووي الايراني"، بضغط اوروبي اساسي مارسته بريطانيا والمانيا وفرنسا الى ان جاءت ادارة الرئيس باراك اوباما بتفاهم تموز 2015، وهو امر تابعته عن كثب لكوني مستشارا خاصا للامين العام للامم المتحدة. رغم وجود شعور عارم بالارتياح في العالم فهو لم ينعكس في اسرائيل. فبالنسبة لنتنياهو ورفاقه في الليكود كانوا ضد الاتفاق الى ان جاءهم ترامب بالغائه عام 2018. منذ تلك اللحظة وصلنا امام امر في غاية الخطورة، وهو اما التوصل الى اتفاق جديد او تقع الحرب.
ما فاجأني صراحة، هو التكاسل الشديد في ادارة بايدن في التوصل الى اتفاق جديد مع ايران. وقد بدا لي ان التوصل اليه او احياء اتفاق العام 2015، كان من اهداف حملة بايدن الانتخابية عام 2020، لكنه لم يبال به اثناء رئاسته. جاء من عتاة الديمقراطيين من يقول لي بأن بايدن لم يكن متحمسا للاتفاق وهو كان نائبا للرئيس أوباما، لذلك لم يبذل الجهد الكافي لإحيائه ولا السعي الى اتفاق جديد ابان رئاسته. حين عاد ترامب الى البيت الابيض هذا العام، اراد برأيي التوصل بدون اي شك الى صفقة مع ايران وليس الدخول في اي حرب تجاوبا مع قاعدته الانعزالية وطبعه وميله الطبيعي. فهو سبق ان التقى مع رئيس كوريا الشمالية كيم ايل جونغ مرتين، واثار الرعب يومها في اليابان وكوريا الجنوبية ودول اخرى عندما تفاهم معه. لا اعتقد ان قادة ايران اكثر تصلبا من قادة كوريا الشمالية.
قد تكون هذه المعطيات قد زرعت الارتياح لدى الايرانيين بأن ترامب لا يريد الحرب. انا كنت وما زلت من المقتنعين بأنه ليس هناك في السياسة ما يسمى بالقدر، لا بل هناك شيء لا يمكن تجنبه. ففي السياسة يمكن تجنب الكثير من الامور حتى اللحظة الاخيرة، لذلك كان يمكن تجنب هذه الحرب. اعتقد ان الايرانيين ارتكبوا خطأين بالغين عندما بالغوا في امرين: اولهما اعطاء اهمية لموعد استئناف المفاوضات في مسقط يوم الاحد بعد 3 ايام على بدء الحرب، ولم يتوقعوا هجوما اسرائيليا قبله وهي كانت خديعة. وثاني الاخطاء انهم اعتقدوا بأن واشنطن لن تدخل الحرب وهم على اطلاع بأن القاعدة ترفضها، لذلك كانت الحسابات الايرانية خاطئة.
* قلائل يتنبهون الى ان ترامب الذي الغى تفاهم تموز 2015 مع ايران لم يكن يحتسب مسألة التخصيب بقدر ما تخوف من تفلت البرنامج الايراني الصاروخي من اي رقابة في تموز 2015، فهل هذا صحيح؟
- بالتاكيد، منذ بدء المفاوضات مع ايران وضعت جانبا موضوعين كانالغرب يريدهما جزءا من الصفقة الكاملة، هما موضوع الباليستي اولا وتدخل ايران في شؤون المنطقة ثانيا. لقد تمكنوا من ذلك في اتفاق 2015 وابقيا الملفين خارج الصفقة. ولما عاد ترامب سجل تناقضا في مواقفه، قال انا سأقدم على صفقة جديدة مع ايران وارسل ستيف ويتكوف للقائهم في مسقط وروما. لكن منذ الجلسة الأولى، قال الايرانيون اننا نفاوض في الملف النووي فقط ولا علاقة للباليستي بالمفاوضات، ولا سيما يتعلق بشؤون المنطقة؟ فوجئت بالرضوخ الاميركي لهذه المعادلة الايرانية، مع انه اكد انه سيسعى الى تصحيح ما ارتكبه اوباما في اتفاق 2015 وسيدرج هذين الملفين في الصفقة.
* راجت نظرية تقول بأن اسرائيل استفادت من عمليتي "طوفان الاقصى" و"الالهاء والاسناد" لتطلق حربا اعتبرها نتنياهو لتكوين شرق اوسط جديد؟
- صحيح هناك من يعتقد ان ما حصل وصولا الى تدخل ترامب في الحرب، كان نتيجة مخطط مدروس بدا بعملية يحيى السنوار في 7 اكتوبر 2023 وتطورها في غزة ومنها الى ضرب لبنان وسوريا واليمن، ولكن انا لا اشاطرهم الرأي. ما اعتقده ان هناك امرا آخر، ذلك ان احد الروادع للهجوم الاسرائيلي المباشر على ايران مرده الى مخاوفهم من امكانية ضربهم من لبنان وسوريا لو استهدفت ايران اولا. لذلك، ما اعتقده ان تمكن اسرائيل من اضعاف "حزب الله" وتكبيد الجيش السوري خسائر كبيرة بعد تغيير النظام، شجعاها على ان تقوم بالعملية العسكرية.
* هل كان يمكن تجنب ما حصل وبأي طريقة؟
- نعم كان يمكن تجنب ما حصل.
* على من تلقي المسؤولية؟
- تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي لعب دورا اساسيا في تسريع الحرب. انا لم ار تقريرا بهذا الجزم والحزم بعدما اطلعت على نصه الحرفي.
* اتهمه الايرانيون بالكذب ويريديون محاكمته؟
- انا ايضا فكرت مثلهم، وقلت غريب ان يصدر تقريرا كهذا في مثل الظروف التي نعيشها وعلى ضوء مهلة الشهرين وفي الوقت التي تنتهي فيه مهلة السنوات العشرة الخاصة بالصواريخ البالستية لو بقي اتفاق 2015 قائما. ان يدين مسلك ايران بهذا الوضوح واتهامها بتسريع اعمال التخصيب، وان لديها 3000 ماكينة في "فوردو" وبات لديها 400 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، انه تقرير خطير اعطى شرعية للعملية والتاريخ وحده يخبرنا لاحقا ان كان صادقا او مفبركا.
* هل تعتقد ان ايا من حلفاء ايران قدم لها الدعم ايران بالطريقة التي تصرف بها حلفاء اسرائيل ام انها كانت معزولة؟
- ربما هناك بعض الدعم بالأعتدة من باكستان والصين وكوريا الشمالية. لكن باعتقادي الشخصي ان قوة اسرائيل الاساسية بوقوف الغرب الحازم الى جانبها ولم يتوافر لايران ما توافر لها، وهو ما ادى الى عدم توازن ديبلوماسي كبير جدا. ما اعتقده ان هناك سؤالا سياسيا صار واضحا، وهو ان كانت سابقة استعطاف اسرائيل للاميركيين للتدخل ومساعدتهم لانهاء الحرب على ايران يعطيها وسائل ضغط مسبوقة على اسرائيل من اجل ان تستخدم هذه القوة الضاغطة على اسرائيل لتقديم مشروع يؤدي الى اعادة صياغة المنطقة.
* هل يمكن ان تصل اسرائيل الى مرحلة تدير فيها المنطقة؟
- ابدا ابدا ابدا، ان اسرائيل عاجزة من ان تقوم باعادة صياغة المنطقة!
* وان كان ذلك مستحيلا، هل تتوقع صراعا بين ترامب ونتنياهو؟
- هذا الامر ممكن، وان لم يحصل ذلك. اعتقد ان اسرائيل قادرة على السيطرة العسكرية على المربع الذي يسمى خطا "الهلال الخصيب" وهو "المربع الخصيب" الذي يبدأ في شط العرب وينتهي في البحر المتوسط وهم يضم لبنان وسوريا والاردن والعراق، ولكن هذا لا يعني ان لديها القدرة او او اي تصور لاداراتها . فقط اميركا يمكن ان تستغل قدراتها لتقدم تصورا مماثلا. ان لم تقدم اميركا على مثل هذه الخطوة، فان اسرائيل عاجزة عن ذلك.
* لو صحت توقعاتكم كيف سيوزع ترامب المغانم على قوى المنطقة؟ وتحديدا على كل من اسرائيل وتركيا والمملكة العربية السعودية؟
- هذا سؤال مهم، ويستدرج اسئلة اخرى منها هل هو قادر على تقديم تصور او سيناريو اقليمي واسع؟ وهل لديه الصبر لصياغته واستكمال حدوثه، انه رجل متقلب الامزجة وليس لديه ادارة متجانسة.
*هل تعتقد ان في مثل هذه الحروب هناك نصر مطلق؟
- طبعا لا، ليس هناك نصر مطلق؟
*هل ستضطر ايران الى الاختيار بين نظامها وقدراتها النووية؟
- كلا، هي ضعفت بلا شك، وطالما ان هناك مشروع نووي متقدم في اسرائيل سيخرج دائما في منطقة الشرق الاوسط من يقول ان هذا "المونوبول" غير مقبول، وان لم تكن ايران اليوم ستكون السعودية غدا او تركيا او مصر.
* هل سيخرج لبنان من هذه الحرب سالما، وما يمكن ان يفعله اللبنانيون؟
- آمل ذلك. انا لا اقلل من حجم الحكمة لدى الاطراف اللبنانيين، لذلك لست متشائما بأن تكون لديهم القدرة على التحليل الواقعي لموازين القوى؟