عاجل:

ملتقى التأثير المدني في لقائه الرابع عشر: "لبنان دولة المواطنة واتّفاق الطّائف: السّياسات والخيارات"

  • ٥٠

تابع "ملتقى التأثير المدني" قبل ظهر اليوم مسار "الحوارات الصباحيَّة" الشهريَّة بانعقاد اللّقاء الرابع عشر في فندق جفينور – روتانا الحمرا، تحت عنوان "لبنان دولة المواطنة واتّفاق الطّائف: السّياسات والخيارات". شارك في اللّقاء نخبة من الشّخصيّات الأكاديميّة، والإداريّة، والقانونيّة، والدّستوريّة، والثقافيّة، والفكريّة، والقضاة، والضباط المتقاعدين، والإعلاميّات والإعلاميّين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ونائب رئيس وأعضاء من الهيئة الإداريّة، والمدير التّنفيذي للملتقى.

وقائع اللّقاء

في بداية اللّقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللّبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن "ملتقى التأثير المدني"، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء الثالث عشر الذي عقد تحت عنوان: "دولة المواطنة والذاكرة اللّبنانيّة المشتركة: الإشراقات والإخفاقات".

كلمة حاسبيني

بعدها كانت كلمة عضو مجلس ادارة "ملتقى التأثير المدني" الدكتور عبد السلام حاسبيني قال فيها: مرَّة جديدة نجتمعُ اليوم معًا في اللّقاء الرّابع عشر من مسار "الحوارات الصّباحيّة"، نفكّر فيه بالعمق حول أهميّة الدّستور النّاظم للعقد الاجتماعي الذي عليه يجتمع اللّبنانيّات واللّبنانيّون، من مقيمين ومغتربين، يجتمعون معًا ليثبّتوا خياراتهم في قيام دولة المواطنة السيّدة الحرّة العادلة المستقلّة، دون تمييع أو التواء، دون تذاكي أو التباس، دون شراكة وإشراك في السّيادة، في صيغة ميثاقيّة تحمي التنوّع، وترسّخ الهويّة الوطنيّة الجامعة، وهذا يقتضي وقف ضرب المفاهيم المؤسّسة للدّولة على كلّ المستويات".

وختم حاسبيني فقال: "الدّستور اللّبناني تعالوا نعودُ إليه معًا بوعي المصلحة الوطنيّة العليا، فنُعيد للبنان الرّسالة دوره الحضاريّ بين الأمم. وهذا عهدٌ علينا ووعد."

كلمة عبد النور

ثمَّ تحدثت ميسّرة الحوار الإعلامية كارين عبد النور فقالت: "إنّ عنوان اللّقاء ينطوي على أكثر من مجرّد توصيف نظريّ أو جدل سياسيّ، بل يلامس جوهر الإشكاليّة اللّبنانيّة المستمرّة منذ عقود. وهي أمور منحت اللّقاء قيمة مضافة مع تزامنه مع مبادرة سياسيّة وأكاديميّة متقدّمة، تمثّلت في قيام "ملتقى التأثير المدني" بالتعاون مع الهيئة المدنيّة لبناء دولة المواطنة، بإعداد ملفّ متخصّص يتضمّن اقتراحات قوانين للإصلاحات البنيويّة المنصوص عليها في اتّفاق الطّائف وقد أُودِعَ لدى كلٍّ من رئاسة الجمهوريّة ورئاسة مجلس الوزراء، ليكون أساسًا لحوار جديّ ومسؤول حول مستقبل النّظام السّياسي اللّبناني".

وأضافت عبد النّور: "بعد مرور خمسةٍ وثلاثين عامًا على توقيع اتّفاق الطّائف يَفرض الواجب الوطني علينا، أن نعيد طرح الأسئلة الكبرى. ومنها: هل لا يزال هذا الاتّفاق، ببنوده ومندرجاته، صالحًا كأساس لبناء دولة حديثة تستجيب لتطلّعات المواطنين؟ وما هي الثغرات التي كشف عنها التّطبيق المبتور أو الانتقائي للنصوص؟ وهل المطلوب هو تطبيق الدّستور كما هو، أم أنّ الحاجة باتت ماسّة لإعادة قراءته وتعديله؟ وما مدى التزام مجلس النواب بروح الطّائف ونصّه؟ وهل يتمّ اعتماد معايير وطنيّة واضحة في تطبيقه، أم أنّ الاعتبارات السّياسيّة والطّائفيّة ما زالت هي الحَكم؟ واستطردت عبد النّور "إنّ جوهر هذا النّقاش لا يقتصر على التباين بين النصّ والتّطبيق، بل يمتدّ إلى سؤال الهويّة السّياسيّة والاجتماعيّة للبنان".

وانتهت عبد النور إلى القول: "إنّ "ملتقى التأثير المدني" لا يطرح هذه الأسئلة من باب التّنظير أو النّقد المجاني، بل انطلاقًا من قناعة راسخة بأنّ المدخل إلى الإصلاح السّياسي البنيويّ يبدأ من الاعتراف بحجم المأزق، ثم مقاربة الحلول من منظور وطني عابر للطوائف، مرتكز على مبادئ الحوكمة، وسيادة القانون، والمحاسبة، والعدالة الاجتماعيّة".

ورقة سليمان

بعدها كانت ورقة عمل المتحدث في اللّقاء القاضي الدكتور عصام سليمان، الذي استهلّها بالتمييز بين "المواطن الشخص الذي يدرك أنّ له كيانًا خاصًّا وحقوقًا وعليه واجبات في دولة ينتمي إليها، وقادرًا على تحديد خياراته بحريّة، والعمل بموجب اقتناعاته، ودولة المواطنة التي تقيم علاقة مباشرة بمواطنيها دون وسيط، وتعترف بدستورها وقوانينها بحقوقهم وحريّاتهم الأساسيّة، وتضع السياسات التي تؤدّي إلى توفير الشروط الماديّة التي تمكّنهم من التمتّع بها، فلا تبقى مجرّد حقوق نظريّة".

وأضاف سليمان: "قامت الدّولة اللّبنانيّة على مجتمع تعدّديّ، مكوّن من طوائف دينيّة متجذّرة تاريخيًّا في هذا المجتمع، ما خلق إشكاليّة في العلاقة بين الدّولة والطائفة، وقد سعى الدّستور في العام 1926 والميثاق الوطني في العام 1943، إلى حلّها بتوزيع السّلطة في الدّولة على الطوائف، وتنظيم العلاقات فيما بينها"، معتبرا أنّ "مهامّ الدّولة في المجتمعات التعدّديّة أكبر وأصعب من مهامّها في المجتمعات المتجانسة، لأنّ عليها تحقيق الوحدة الوطنيّة الفعليّة من خلال أدائها والسياسات التي تعتمدها، وتحويل المجتمع التعدّدي إلى أمّة بالمعنى السوسيولوجي لا الحقوقيّ فقط".

واستطرد سليمان قائلا "إن إشكاليّة العلاقة بين الدّولة والطّائفة ولّدت إشكاليّة بين المواطن والدّولة، وفعلت فعلها في النّظام السّياسي، فقام على عمليّة توفيق بين المبادئ والقواعد المعتمدة في الأنظمة الديموقراطيّة البرلمانيّة من جهة، والمشاركة في السّلطة في بعديها الطّائفي والوطني من جهّة أخرى، وقد تجلّى ذلك "في توزيع الرّئاسات الثلاث، والمقاعد النيابيّة والحقائب الوزاريّة على الطوائف. غير أنّ البعد الطائفي غلب على البعد الوطني في الممارسة. واستمدّت التوازنات الطائفيّة قوّة من الخارج، ما زاد الأمور تعقيدًا". واعتبر سليمان أنّ "الحرب المتعدّدة الوجوه في لبنان إنتهت باتّفاق الطّائف الذي قضى بتعديل الدّستور في العام 1990، ولم يغيّر الأسس التي قام عليها النّظام السّياسي، إنّما عدّل التوازنات الطّائفيّة، وحدّث بنيته الدّستوريّة، وحسم أمورًا كانت موضع خلاف".

وتحدّث سليمان بالتفصيل عن الالبتاسات الدستورية التي انتهى اليها تفسير المادّة 95 فقال: "إن المادة تكلمت حينا عن إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة وحينًا آخر عن إلغاء الطّائفيّة". وهناك فارق بين الإثنين. "فالطائفيّة هي عصبيّة تستبدّ بسلوك الشّخص وتصرفّاته، بينما الطّائفيّة السّياسيّة هي تموضع السّياسة في الطّائفيّة أو تموضع الطّائفيّة في السياسة من أجل هدف سياسيّ". وفي الحالتين "لا تلغى الطّائفيّة والطّائفيّة السّياسيّة بقرار، إنّما تتلاشى في مسار يقود إلى بناء الدّولة الضامنة لمواطنيها".

ومن ناحية ثانية أضاف سليمان: "ورد في المادّة 95 فقرة "ب" ما يلي "تلغى قاعدة التّمثيل الطّائفيّ ... في الوظائف العامّة والقضاء والمؤسّسات العسكريّة و..." وقال: "إنّ إعطاء صفة التّمثيل الطّائفي للموظّفين في الإدارات العامّة وللقضاة خطير جدًا". ذلك ان "اعتبار أنّ لهؤلاء صفة تمثيليّة طائفيّة يتعارض مع تحقيق المصلحة العامة".

وعليه، قال سليمان: "على مستوى النص ربط الدستور إلغاء قاعدة توزيع الوظائف على الطوائف، ما عدا الفئة الأولى، بمقتضيات الوفاق الوطني أطاح بما نصّت عليه الفقرة "ب" من المادّة 95. أمّا الممارسة فقد سلكت مسارًا معاكسا تمامًا للمسار الذي نصّت عليه المادّة 95. فلم تشكّل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطّائفيّة، وكُرِّست طائفيّة الوظيفة، كما كُرّست طائفيّة المراكز في القضاء. أمّا النّظام الدّيموقراطي البرلماني، الذي نصّ عليه الدّستور، فقد جرت الإطاحة به. فقوانين الانتخابات النّيابيّة منذ العام 1992 فُصِّلت على مقاس زعماء الطّوائف وأدّت إلى احتكار تمثيل طوائف كبرى، ما أثّر سلبًا على أداء هذا النّظام".

ولفت سليمان إلى "أنّ التجارب اكدت أنّ الأنظمة البرلمانيّة لا تعمل بفاعليّة إلّا في إطار أكثريّة برلمانيّة تنبثق منها الحكومة، ومعارضة برلمانيّة فاعلة تمارس رقابة جدّية عليها، وهو غير متوفر في لبنان. ذلك أنّ احتكار تمثيل بعض الطوائف الكبرى قضى بتشكيل حكومات إئتلافيّة، سمّيت حكومات وحدة وطنيّة، لا يجمع وزراءها برنامج موحّد، انّما مصالح المتحكّمين بتمثيل طوائفهم. هذا ما منع قيام معارضة برلمانيّة فاعلة، وحوّل الحكومة إلى برلمان مصغّر، ما أضعف دور البرلمان في الرّقابة والمحاسبة والتّشريع، ونشوء معارضة داخل الحكومة".

وسأل سليمان: "أين نحن من المواطن ومن دولة المواطنة؟ وهل من سبيل إلى بناء دولة المواطنة؟" وأجاب: "بناء دولة المواطنة يتطلّب العمل الجادّ لتحرير الفرد من العصبيّات وتكوين شخصيّته كمواطن، كما يتطلّب العودة إلى الدّستور، ونشوء قوى سياسيّة عابرة للطوائف. وهذه الأمور مترابطة مع بعضها البعض. ولقانون الانتخابات النّيابيّة دور أساسيّ في بناء دولة المواطنة عندما يوفّر التوازن في التّمثيل النّيابي بين البعد الوطنيّ والبعد الطّائفيّ. وعدم احتكار تمثيل الطّائفة، ليستقيم أداء النّظام الدّيموقراطيّ البرلمانيّ من خلال أكثريّة برلمانيّة متعدّدة الانتماءات الطّائفيّة تتولّى الحكم ومعارضة مماثلة تمارس رقابة فاعلة على الحكومة وتحاسبها".

وانتهى سليمان إلى القول: "على صعيد الدّستور ينبغي وضع المزيد من الضوابط في الدّستور لإلزام من يتولّى السّلطة التقيّد بأحكامه. كما ينبغي تشكيل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطّائفيّة من شخصيّات قادرة على القيام بالمهامّ المناطة بها، بما يؤدي إلى زوال الطّائفيّة السّياسيّة ومعها الطّائفيّة".

مناقشة عامة

وختامًا كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.

المنشورات ذات الصلة