عاجل:

هل تعمد ترمب قصف إيران في ذكرى هجوم هتلر على الاتحاد السوفيتي؟ ( روسيا اليوم )

  • ٢٦

في الثالثة والربع من فجر يوم الأحد 22 يونيو منذ 84 عاما (1941) بدأ أدولف هتلر هجومه على الاتحاد السوفيتي.

تسبب هذا الهجوم المباغت في تغيير لا وجه خارطة أوروبا وحدها، وإنما وجه خارطة العالم ووعي البشرية بأسرها لتبدأ حرب ضروس راح ضحيتها أكثر من 27 مليون مواطن سوفيتي، واستمرت حتى التاسع من مايو 1945.

يوم الثلاثاء، 24 يونيو 1941، خرج السيناتور الديمقراطي عن ولاية ميسوري هاري ترومان، السياسي نفسه الذي سيصبح بعد ذلك رئيسا للولايات المتحدة (1945)، على صفحات جريدة "نيويورك تايمز" بالتصريح التالي: "إذا رأينا أن ألمانيا تنتصر، فعلينا مساعدة روسيا، وإذا كانت روسيا تنتصر، فعلينا مساعدة ألمانيا، وبهذه الطريقة ندعهم يقتلون أكبر عدد ممكن، مع أنني لا أريد أن أرى هتلر منتصرا تحت أي ظرف من الظروف، فلا أحد من الطرفين يفي بوعده".

ولا ننسى "عقيدة ترومان" التي أسفرت عن تشكيل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكثيرا ما يستخدم المؤرخون خطاب ترومان أمام الكونغرس في 12 مارس 1947 كتاريخ بداية الحرب الباردة، حيث قال حينها: "يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة دعم الشعوب الحرة التي تقاوم محاولات إخضاعها من قبل الأقليات المسلحة أو الضغوط الخارجية"، وأكد حينها أن ما أسماه "الأنظمة الشمولية" تمثل "تهديدا للسلام الدولي والأمن القومي للولايات المتحدة". وأصبحت "عقيدة ترومان" بشكل غير رسمي أساس السياسة الأمريكية طوال فترة الحرب الباردة في جميع أنحاء أوروبا والعالم.

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي استمعنا إلى هنري كيسنجر يتحدث بشغف عن "الاستنزاف المتبادل" بين العراق وإيران، الذي "قد يخلص الشرق الأوسط من النظامين العدوانيين لآية الله الخميني وصدام حسين". وحينها نقل عن مسؤول في إدارة الرئيس رونالد ريغان قوله عام 1982: "إن انتصارا إيرانيا أو عراقيا شاملا لن يؤدي سوى إلى زعزعة استقرار التوازن في المنطقة وإحداث مشاكل للغرب".

كذلك أوضح مستشار ريغان للأمن القومي في الفترة من 1983-1985 روبرت ماكفارلين في شهادته أمام الكونغرس طبيعة الرسالة التي وجهها للإيرانيين خلال زيارته غير المعلنة لإيران: "لقد ذكرت لهم أن عليهم أن يفهموا أننا لسنا مستعدين لمنحهم مستوى الأسلحة الذي يمكنهم من كسب الحرب"، أو بكلمات أخرى، سنمنحهم أسلحة تكفي فقط لاستمرار الحرب.

إلا أن التقييم الأكثر صراحة جاء من إد يوشيفيتش، الرجل الثاني في قسم العمليات بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والذي اعترف في مقابلة له عام 2003 بأن هدف الوكالة خلال الحرب العراقية الإيرانية كان "تحقيق تكافؤ الفرص"، وتابع نصا: "لم نكن نريد لأي من الطرفين أن يحظى بالأفضلية"، وأوضح "أردنا فقط أن يتبادلا الضربات الشرسة".

منذ أوائل عام 1987، وفي أعقاب الكشف الكارثي عن فضيحة "إيران كونترا"، وعقب اعتراف رونالد ريغان بإمداد إيران بالسلاح، عادت الولايات المتحدة إلى تبني موقف عدائي تجاه إيران، وتحولت بشكل واضح نحو دعم صدام حسين، وصرح وزير الدفاع واينبرغر حينها بأن انتصار إيران في الحرب "ليس في مصلحتنا الوطنية بكل تأكيد".

ما يدعو للدهشة من الضربة الأميركية ضد المواقع النووية الإيرانية هو الدهشة ذاتها من تلك الضربات التي تشبه سلوك الولايات المتحدة في كل الأوقات والعصور ومع كل الأطراف. ومع ما نراه من رعونة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرغب في "تغيير خارطة الشرق الأوسط"، تماما مثلما كان غريمه الأزلي أدولف هتلر يرغب في "تغيير خارطة أوروبا والعالم"، إلا أن ما قام به 13 يونيو الجاري كان بالفعل مجازفة شديدة الخطورة، اعتمدت بشكل أساسي على شبكة معقدة من الجواسيس رفيعة المستوى فيما يبدو، إلا أنها مجازفة أغرت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالنزول إلى الحلبة والبناء على ذلك الإنجاز فيما رآه الثنائي نتنياهو وترامب ضربة مزدوجة قاصمة ستعيد البرنامج النووي الإيراني إلى المربع صفر، وتضيع مئات المليارات من الدولارات من عرق ودماء وأموال ومقدرات الأمة الإيرانية في ليلة ظلماء.

لكن تلك الضربة التي أتصور أنها شديدة التهور والرعونة والخطورة ستدفع بنا نحو حقبة جديدة كتلك التي ولجناها بعد تفجيرات برجي التجارة 11 سبتمبر 2001، وغزو العراق 2003، ولا يقتصر الأمر فقط على منطقة الشرق الأوسط، لكنه يتخطاها إلى السياسة الدولية والقانون الدولي بصفة عامة.

ولن يكون من المستغرب أن تقوم الصين يوم غد بضم تايوان بالقوة، أو أن تقوم كوريا الشمالية بالعدوان على كوريا الجنوبية أو تضرب الهند باكستان بأسلحة نووية تكتيكية وغيرها من الخروقات والانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة، الذي انتهكته فجر اليوم الولايات المتحدة أحد الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن الدولي.

وهل يمكن أن يلوم أحد إيران لو أعلنت خروجها من معاهدة انتشار الأسلحة النووية؟ أو أغلقت مضيق هرمز؟ وأغلق الحوثيون مثلاً مضيق باب المندب؟ وما مصير الاقتصاد العالمي والبورصات حينها؟

إن الضربة الأميركية معناها ببساطة أن من حق أي دولة القيام بأي تصرف ينتهك ميثاق الأمم المتحدة طالما توفرت لديها الإرادة السياسية والقوة للقيام بذلك.

حينما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، بناء على قارورة كولن باول التي ادعى أنها تحوي بودرة "الأنثراكس"، والتي اتضح فيما بعد أن المعلومات الاستخباراتية كانت خاطئة، بعد أن أودت تلك القارورة وماكينة الحرب الأمريكية إلى مقتل مليون عراقي! حينما قامت الولايات المتحدة بذلك، لم يكن العالم يعرف بعد الطائرات المسيرة الانتحارية، ولم يكن الذكاء الاصطناعي بالقدرة التي نراها اليوم.

لهذا فإن ما ستكون عليه موازين القوى في المنطقة والعالم مجهولة ولا تستند فقط إلى عدد الصواريخ والرؤوس النووية وحاملات الطائرات.

كذلك فإن سيادة مفهوم "الضربات الاستباقية" يجعل المبادرة بإجراءات عدائية ومباغتة العدو استنادا إلى النوايا والبيانات لا إلى الحشود وانتشار الأسلحة هو أمر جد خطير، لا سيما إذا اعتمدته القوى النووية الكبرى حول العالم.

المنشورات ذات الصلة