عاجل:

«الانتشار اللبناني» وصندوق الاقتراع.. اتجاه لإلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب الحالي (الأنباء الكويتية)

  • ١٨

كتب داود رمال:

تتسارع النقاشات السياسية والنيابية في لبنان حول قانون الانتخاب مع الدخول في سنة الاستحقاق النيابي المقبل، وتتقدم إلى الواجهة مسألة انتخاب اللبنانيين في الانتشار، التي تحولت من مطلب حقوقي إلى محور نقاش دستوري وتشريعي متقدم.

ويبدو بحسب معلومات خاصة لـ«الأنباء» أن «هناك اتجاها يتعزز يوما بعد يوم لإلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب الحالي، والتي تنص على تخصيص 6 مقاعد للمغتربين اللبنانيين تنتخب على أساس القارات لا على أساس الدوائر الانتخابية داخل لبنان. وقد تجلى هذا التوجه في اقتراح القانون المعجل المكرر المقدم بتاريخ 9 مايو 2025، والهادف إلى إلغاء هذه المادة بشكل نهائي، وذلك تجاوبا مع تطلعات الجاليات اللبنانية في الخارج التي تصر على حقها في المشاركة الفعلية والمتكافئة في الحياة السياسية اللبنانية، من خلال التصويت في دوائر قيدها الأصلي، تماما كما سائر المواطنين المقيمين في الداخل».

أهمية هذا الطرح لا تكمن فقط في بعدها التشريعي، بل في الرمزية السياسية والحقوقية التي تعبر عنها. فاللبنانيون في الاغتراب، الذين يشكلون ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني عبر تحويلاتهم ودعمهم المتواصل لأسرهم ومجتمعاتهم، يشعرون منذ سنوات بالتهميش السياسي المقونن. وقد ظهرت هذه الأزمة جلية في قانون الانتخاب، الذي سيجبرهم العام المقبل على التصويت في إطار 6 مقاعد خاصة، «ما ينتج نوعا من التمييز الإيجابي المعكوس، إذ يعني حصر تمثيلهم في عدد محدود من النواب لا يعبر عن توزعهم السياسي والمناطقي والطائفي، ولا يمنحهم فرصة المساهمة الحقيقية في رسم ملامح المجلس النيابي، كما هو حقهم».

وأكد مصدر سياسي واسع الاطلاع لـ «الأنباء» أن «إلغاء المادة 112 لا يعني حرمان المغتربين من التمثيل، بل على العكس، هو إعادة إدماجهم في النسيج الديموقراطي العام، حيث يصوتون في دوائرهم الأصلية، وفقا لمكان القيد، ما يعزز مبدأ المساواة في الاقتراع، ويؤمن وحدة المعايير والفرص بين اللبنانيين جميعا. كما أن هذا الإلغاء لا ينتقص من خصوصية الاغتراب، بل يصب في صلب احترام إرادة المنتشرين الذين عبروا في أكثر من مناسبة عن رفضهم للتمييز التشريعي، وأصروا على ألا يتم تحويلهم إلى فئة معزولة بتمثيل رمزي لا يتناسب مع حجمهم ودورهم».

واللافت ان هذا الاتجاه يلقى تأييدا متزايدا داخل المجلس النيابي وبين القوى السياسية والمدنية، باعتبار أن الإبقاء على المادة 112 لم يعد يخدم مبدأ الإنصاف، لا بل يعمق الشروخ بين الداخل والخارج، ويحول المشاركة الاغترابية إلى هامش انتخابي. فيما إلغاؤها يفتح الباب أمام مشاركة فعلية، ويكرس وحدة الجسم الانتخابي، ويضمن أن يكون الصوت الاغترابي مؤثرا لا صوريا.

وأشار المصدر إلى ان «هذا المسار لا يخلو من تحديات، أبرزها الخشية لدى بعض القوى من أن يعيد تصويت المغتربين في دوائرهم الأصلية خلط الأوراق الانتخابية الداخلية، ويؤثر على نتائج بعض المقاعد الاعتبارية، خاصة في ظل المعطيات التي تشير إلى تبدل المزاج العام لدى الاغتراب نحو خيارات أكثر استقلالية وتغييرا. كما أن هناك أطرافا لاتزال تتمسك بفكرة تخصيص المقاعد كخطوة نحو تمثيل أكثر تنظيما للمغتربين، معتبرين أن الإلغاء الكامل قد يذيب خصوصيتهم».

في المحصلة، إن التوجه لإلغاء المادة 112 ليس إجراء تقنيا فحسب، بل هو قرار وطني بامتياز يعيد الاعتبار للاغتراب كجزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني، ويعكس إرادة إصلاحية في إنتاج قانون انتخابي أكثر عدالة وشمولا. ولعل اللحظة السياسية الراهنة تتيح لهذه الخطوة أن تتحقق، في سياق أوسع من إعادة ترميم العقد الوطني اللبناني، انطلاقا من صندوق الاقتراع، الذي يجب أن يبقى مساحة للمساواة، لا وسيلة للتمييز المقنع.

المنشورات ذات الصلة