لم يكن ممكناً التعاطي مع الخطاب التحريضي الداخلي ضد المقاومة وبيئتها، إلا من ضمن مسار الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وترجمة نتائجها سياسياً باعتبارها فرصة ذهبية لقطف ثمار سنوات من التآمر.
وبعد تمادي هذا الفريق في العداء لثنائي حزب الله وحركة أمل، امتداداً للمناخات السياسية الخارجية منذ ما قبل اتّفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، واجه هؤلاء مقاربة رئيس الجمهورية جوزيف عون في ما خصّ ملف سلاح المقاومة، بغضب غير مسبوق باعتباره يضيّع فرصة لن تتكرّر، ونظّموا برعاية خليجية – أميركية حملات إعلامية ضده تتّهمه بالتسليم للحزب والخضوع له.
ولأنّ هذا الفريق، من «قوات» وكتائب و«تغييريّين» و«جولانيّين»، يقرأ في كل تحرك للعدو انتصاراً لمشروعه السياسي، وجدَ في الحرب الصهيونية على إيران فرصة أكبر، وبدأ يعدّ العدّة لجملة تهويلية جديدة عنوانها سلاح حزب الله أيضاً، لمزيد من الضغط على رئيس الجمهورية، باعتبار أنه «لم يعُد هناك مجال للتهرّب أو لإعطاء ذرائع»، و«بعدما فقد حزب الله عاموده الفقري وأصبحَ مشلولاً تماماً»، وعليه، «آن الأوان للبحث في مرحلة ما بعد إيران».
وفي حين ينتظر العالم القرار الأميركي بدخول الحرب مباشرة ضد إيران، لا يزال لبنان الرسمي يُفضّل البقاء على ضفة النهر منتظراً ما ستؤول إليه أوضاع المنطقة، في ظل حرب مدمّرة يتهيّب الجميع تداعياتها.
ولا يزال رئيس الجمهورية يفضّل عدم القيام بأي خطوة قبل اتّضاح مسار الأمور، في حين ثمّة مَن يستعجل الأمور قبل أوانها، ويروّج لدخول لبنان مرحلة جديدة، ويسوّق عشية زيارة السفير الأميركي توماس باراك لبيروت اليوم، أنّ «التطورات الأخيرة دفعت الإدارة الأميركية إلى اتّخاذ قرار بحسم الملف اللبناني، وأنّ باراك سيدعو إلى الإسراع بنزع السلاح وبسط الدولة سيادتها على كل أراضيها تمهيداً لتطبيق القرار 1701، وربما يحدّد جدولاً زمنياً مريحاً لجمعه».
كما سيشدّد الموفد الأميركي، بحسب أجواء هذا الفريق، على «ضرورة أن يحيّد حزب الله نفسه عن المعركة الحالية، لما قد يترتّب عليه من أكلاف مادّية وبشرية لا قدرة له ولا للبلد على تحمّلها، لأنّ الولايات المتحدة جدّية جداً في التعامل مع ملف إيران».
ويؤكّد هؤلاء الذين نقلوا الولاء من مورعان اورتاغوس إلى باراك أنّ هذا الأخير «سينجز هذه المهمّة»، رغم تأكيدات نُقلت عن مسؤولين في السفارة الأميركية في بيروت، بأنّ واشنطن جمّدت حالياً اهتمامها بلبنان، وأنّ زيارة باراك كانت مقرّرة مسبقاً.
وقالت مصادر مطّلعة إنّ «الفكرة الوحيدة المتعلّقة بلبنان التي تجري مناقشتها هي إمكانية إقدام العدو الإسرائيلي على عمل أمني أو عسكري ما للتخلّص ممّا تبقّى ولم تبادر الدولة اللبنانية بالتخلّص منه»، إضافة إلى هواجس من إمكانية «توسيع العدو الحرب في حال لم يتمكّن من ردع إيران وإضعافها، إذ إنّ إطالة أمد الحرب سيكون لمصلحتها، وقد يدفع الأميركيين إلى عقد اتّفاق معها لاحقاً بما لا يتناسب مع المصلحة الإسرائيلية».
وهنا، تحديداً، يتقاطع بعض الداخل اللبناني مع العدو في الاستعجال، مخافة تغيّر الظروف وضياع الفرصة.
ولذلك، يتوقّع أن تتصاعد في الأيام المقبلة حملة التهويل ضد حزب الله وبيئته على قاعدة «إمّا استئناف الحرب الإسرائيلية أو الخضوع المطلق»، وكذلك ضد رئيس الجمهورية جوزيف عون حتى لا يضيّع «الفرصة الأخيرة»!