عاجل:

ترامب تحت ضغوط متعاكسة: مع الحرب... وضدّها (الأخبار)

  • ١٦

كتب خضر خروبي:

مع توالي التصريحات المتناقضة من جانب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول دور الولايات المتحدة في العدوان الإسرائيلي المتواصل على إيران، تفاوتت التقديرات الغربية في شرح خلفيات ذلك الموقف، وتفسير تبعاته المحتملة، لا سيّما لناحية إمكانية تورّط واشنطن المباشر في الحرب.

بين دوافع الحرب وكوابحها

ويرى محلّلون غربيون أنّ إدارة ترامب تقع تحت ضغط شديد، سواء من جانب أعضاء الكونغرس الداعمين للهجوم الإسرائيلي على إيران، من جهة، وتحديداً أولئك المحسوبين على تيار «الصقور» داخل «الحزب الجمهوري»، على غرار السيناتور ليندسي غراهام، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون، إضافة إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس جايمس ريش، أو من قِبل تيار «ماغا»، عماد التحالف السياسي الداعم للرئيس، من جهة ثانية.

وفي إطار تلك الضغوط، التي تكتسب زخماً من شدّة الضربات الإسرائيلية الأولى في صفوف القيادات الإيرانية، كشف الباحث في «مجلس العلاقات الخارجية»، إليوت أبرامز، أنّ ترامب غيّر موقفه المتحفّظ حيال فكرة التحرك عسكرياً ضد إيران، بدفع من الإسرائيليين الذين «لطالما وضعوا رهاناتهم عليه» للقيام بذلك.

في المقابل، تتصاعد النبرة الرافضة للحرب في صفوف التحالف السياسي المؤيّد لترامب، لاعتبارات عدة، ولا سيّما الخشية من ارتفاع أسعار النفط.

وتتفاوت التقديرات في صفوف ذلك التحالف بين من يرى أنّ الأخير أعطى الضوء الأخضر لتل أبيب لضرب إيران، أو أنه غير راغب في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي وحثّه على الامتناع عن الحرب.

وضمن هذا الإطار، قالت رئيسة تحرير مجلة «ذا فيدراليست» اليمينية، مولي همنغواي، إنّ سماح واشنطن بالضربة يُعد «خيانة لا تُغتفر لملايين الناخبين الأميركيين» الرافضين للتورّط في حروب خارجية، بينما دعا مات بويل، وهو صحافي في موقع «بريتبارت»، الرئيس الأميركي، صاحب الباع الطويل في انتقاد حروب واشنطن في الشرق الأوسط، إلى «مقاومة الضغوط» الرامية إلى إقناعه بعمل عسكري ضد طهران، مشيراً إلى أنّ «القاعدة الشعبية لتيار ماغا تشعر بالقلق من أنّ أي تحركات من جانب التيار المؤيّد للتدخلات الخارجية، والوجوه المحسوبة على المحافظين الجدد، لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب أخرى لا نهاية لها في الشرق الأوسط من شأنها أن تُلحق أضراراً سياسية خطيرة بالرئيس»، في حين اعتبر الناشط الإعلامي تشارلي كيرك، وهو أحد أهم رموز «تيار ماغا»، أنّ الأميركيين معنيّون بـ«إجراء نقاش جديد حول ما إذا كان ينبغي تمويل إسرائيل وبيعها الأسلحة»، كاشفاً عن تلقّيه عدداً كبيراً من رسائل البريد الإلكتروني من متابعيه الرافضين «بنسبة 99 في المئة» للحرب ضد إيران.

ولعلّ الموقف الأكثر حدّة من جانب «تيار ماغا»، جاء من مقدّم البرامج، ساغار إنجيتي، خلال ساعات قليلة من بدء الحرب على إيران، حين ذهب إلى انتقاد تراجع ترامب عن تصريحاته حول ميله إلى الحل التفاوضي للملف النووي الإيراني، بالقول إنّ الرئيس «قد سخر منّا جميعاً»، واصفاً العملية العسكرية الإسرائيلية في إيران بـ«التخريب المتعمّد لإجبارنا على دخول الحرب».

وفي وقت لاحق، أكّد إنجيتي لجمهوره أنّ مواقفه دفعت مسؤولين في البيت الأبيض إلى التأكيد له أنّ الولايات المتحدة «لن تُشارك في ضربة إسرائيلية ضد إيران، أقلّه في الوقت الحالي».

وبرأي محلّلين أميركيين، فإنّ تلك الخلافات باتت تعكس «انقساماً متنامياً حول قيادة ترامب، و(مدى كفاءته) في تقدير استخدام القوة العسكرية، وانتهاج الدبلوماسية، فضلاً عن (مدى حفاظه) على التزامات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

تدخل أميركي مباشر؟

في ضوء ما سبق، شرح الخبير في الشؤون الإيرانية، ولي نصر، في حديث إلى شبكة «سي إن إن» جانباً من موقف واشنطن الداعم لإسرائيل، موضحاً أنّ أهداف الحملة العسكرية على إيران «ليست ضد البرنامج النووي الإيراني، بل لتقويض الدولة الإيرانية وإتمام العمل ضد محور المقاومة، وصولاً إلى التسبّب بانهيار النظام الإيراني، كهدف نهائي». وتابع نصر إنّه «من المستحيل على الإيرانيين القدوم إلى طاولة المفاوضات» في هذه الظروف، كما يتصوّر ترامب.

وفي ضوء انسداد آفاق العمل لتدمير البرنامج النووي الإيراني من دون انضمام واشنطن إلى المواجهة، أو تزويدها لتل أبيب بأنواع معيّنة من القنابل الخارقة للتحصينات، شدّدت الصحافية الأميركية، سوزان غلاسر، في حديث إلى الشبكة نفسها، على أنّ «الموقف من تدمير موقع فورد المحصّن تحت الأرض، سيكون الاختبار الرئيسي لترامب».

وبخصوص إمكانية انخراط واشنطن في الحرب ضد إيران، بصورة تتعدّى مشاركتها في إسقاط الصواريخ على إسرائيل، ودعم الأخيرة لوجستياً واستخبارياً، أعرب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط خلال عهد إدارة الرئيس جو بايدن، دانيال شابيرو، عن اعتقاده بأنّ ما يشيعه البيت الأبيض حول عدم مشاركة الولايات المتحدة في المواجهات الإسرائيلية - الإيرانية «لا يعني أننا لن نساعد في الدفاع عن إسرائيل»، مؤكّداً أنّ واشنطن «ستبادر إلى فعل ذلك»، في إشارة إلى ضبابية الموقف الأميركي.

ولفتت صحيفة «نيويورك تايمز»، بدورها، إلى جملة مخاطر مترتّبة على «انجرار الولايات المتحدة إلى الصراع الإقليمي»، منبّهةً إلى أنّ «تهوّر» نتنياهو، بمهاجمة إيران، «يحطّ من قدر إسرائيل كدولة حليفة»، ويجعل أفراد القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، والبالغ تعدادها 40 ألف جندي، «عرضة لخطر الردّ الإيراني المباشر، ما قد يجرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران». كما رجّحت الصحيفة فرضية أن تعمد كل مِن موسكو وبكين، إلى استغلال انشغال واشنطن بـ«مأزق آخر» في الشرق الأوسط، مضيفة أنّ ذلك الأمر سوف يفضي إلى «تغيير الخارطة الجيوسياسية بأكملها بدءاً بباريس، وموسكو، وصولاً إلى واشنطن وبكين».

وخلصت الصحيفة إلى أنّ ترامب هو الزعيم الغربي «الوحيد المؤهّل للقيام بدور حاسم لمنع وقوع تصعيد من هذا النوع»، معتبرة أنّ الرجل «معني بالضغط ليس فقط على إيران، بل على نتنياهو أيضاً».

وبحسب محلّلين غربين، فإنّ اندلاع حرب إقليمية جديدة واسعة في الشرق الأوسط، من شأنه أن «يطيح بالأجندة الخارجية» للرئيس الجمهوري، وأن يدفعه نحو «صراع لم يكن يريده، داخل منطقة تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في سلّم أولوياته»، في موازاة حماسته لتصعيد المنافسة الاستراتيجية مع الصين، مع كل ما يعنيه ذلك من تشجيع قوى دولية أخرى على الاندفاع خلف «نهج التحرك العسكري الوقائي»، الذي سوف تكرّسه واشنطن، في حال انسياقها إلى الحرب إلى جانب نتنياهو.

كما أنّ تورّط الولايات المتحدة المباشر في حرب إسرائيلية، سوف يثير شكوكاً في «صدقيتها» لناحية مراعاة هواجس حلفائها العرب، ممّن تغيّرت مقاربتهم في الآونة الأخيرة، وباتوا «يعارضون العملية العسكرية الجارية ضد إيران حالياً»، خلافاً لما كان عليه الحال قبل سنوات، من جهة، ويرون في إسرائيل «القوة الرئيسة المزعزعة للاستقرار الإقليمي» من جهة أخرى.

ومن هذا المنطلق، لفتت مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد «الأولويات الدفاعية»، روزماري كيلانيك، إلى أنّ «خوض حرب مباشرة مع إيران سيسفر عن نتائج أسوأ بكثير»، في ضوء عدم مقدرة واشنطن على معالجة التحدّي الإيراني، إلا عبر عمليات جوية، وذلك بسبب اتّساع الجغرافيا الإيرانية. ورجّحت أن تكون تلك العمليات مشابهة لـ«الحملة الفاشلة ضد الحوثيين التي كلّفت 7 مليارات دولار»، معربةً عن الخشية من احتمال أن تضطر واشنطن إلى الزّج بقوات برّية لمحاولة حسم الحرب في نهاية المطاف، وفقاً لـ«النموذج الأفغاني».


المنشورات ذات الصلة