خاص ـ "إيست نيوز": توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية امام مضمون وتوقيت البيان الذي صدر عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش في شكله ومضمونه كما في توقيته. فرأت فيه موقفا متقدما في المواجهة غير المعلنة مع العدو الاسرائيلي الذي تمادى في تجاهله للجنة مراقبة وقف العمليات العدائية والاشراف على تنفيذ القرار 1701 وفق الآلية التي تم التفاهم عليها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بالإنابة عن "حزب الله" باعتباره "الاخ الأكبر" الذي تولى الاتصالات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي عبر الموفدين الاميركيين والوسطاء الدوليين وفي مقدمهم كل من الرئيسين الاميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون والذي ادى الى تفاهم 27 تشرين الثاني 2024.
ففي الشكل والمضمون لفتت مصادر واسعة الاطلاع لـ "إيست نيوز" ان البيان الذي قدم توصيفا للاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة ليل الخميس – الجمعة اكد بكل المعايير التي تناولها ما يخالف مضمون البيانات التي صدرت عن الجيش الإسرائيلي. فهو وفي الوقت الذي قال فيه انها استهدفت "مواطنين وأبنية سكنية ومنشآت في مناطق مختلفة، في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب بالتوازي مع احتلاله أراضيَ لبنانية ومواصلته خروقاته" قال الجيش الاسرائيلي إنه استهدف "مواقع ومنشآت لحزب الله في عمق المناطق السكنية ولا سيما تلك الخاصة بالمسيرات".
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الجيش اللبناني ان ما جرى شكل "عدوانا يوميا على سيادة لبنان غير مكترث لآلية وقف إطلاق النار وجهود لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (Mechanism)." قال الجيش الاسرائيلي "أن غارات أمس على الضاحية الجنوبية لبيروت هي الأكثر أهمية وسنواصل شنّ هجمات كلّما تقاعس الجيش اللبناني". وهو امر يناقض كل ما جرى من وقائع قبيل شن الغارات. ففي الفترة الفاصلة بين التهديد بالعملية بداية ساعات الليل، ونشر الانذار محددا الأبنية التي سيستهدفها وبدء الغارات والتي لم تتجاوز الساعتين تقريبا بما فيها تلك التي شنت خلالها الغارات التحذيرية التي قامت بها المسيرات قبل ان يقوم الطيران النفاث بغاراته التدميرية لم يسمح للجيش اللبناني بالدخول الى المنشآت المحددة - بالتنسيق مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية لمنع وقوع الاعتداء - للتثبت من وجود أي من المعدات الحربية التي تحدث عنها الناطق الرسمي باسم جيش العدو باللغة العربية أفيخاي أدرعي - بالرغم من رفض العدو للاقتراح – كما قال البيان". لا بل فقد طلب الى دوريات الجيش بمجرد اقترابها من المباني المعتلمة إلى التحذير من دخولها حفاظا على سلامة الجنود، فغادرتها على الفور. علما انه كان قد اجرى كشفا نهاريا على موقع سماه العدو وتبين انه خال من اي معدات عسكرية.
أما في التوقيت فقد غلب المنطق السياسي على بيان قيادة الجيش الذي لفت بصراحة الى ما يحمل اتهاما اعطى العملية ابعادا سياسية تتجاوز اغراضها العسكرية لتطال الوضع في لبنان عموما. عندما قال أن هذه الغارات جاءت "عشية الأعياد في سعي واضح من العدو إلى عرقلة نهوض وطننا وتعافيه واستفادته من الظروف الإيجابية المتوافرة". وهي اشارة كافية تذكر بالعمليات الاسرائيلية التي كانت تجري في توقيت مؤذ لمجرد أنها تنطلق كل عام في السنوات الثلاث الاخيرة على أبواب موسم الصيف لضربه.
وإضافة الى سلسلة الملاحظات في شكل البيان ومضمونه وتوقيته، فقد حمل في متنه ما هو أخطر منها، عندما هدد بإحتمال "تجميد التعاون مع "لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية" (Mechanism) في ما خص "الكشف على المواقع". وهي خطوة في حال الوصول اليها يعني عودة الى نقطة الصفر إن ادت الى تعطيل اعمال اللجنة العسكرية لمجرد مقاطعتها من الجانب اللبناني. وهي اللجنة التي يرأسها جنرال اميركي واوكلت فيها مهمة نيابة الرئاسة الى جنرال فرنسي وهي لجنة توقفت عن الاجتماعات الدورية لفترة طويلة امتدت منذ نهاية ولاية الميجور جنرال جاسبير جيفيرز، وتعيين خلفه الرئيس الجديد للجنة الميجور جنرال مايكل ليني في 30 نيسان الماضي بحيث انها لم تعقد أي اجتماع على الرغم من الحديث عن ان الرئيس الجديد سيقيم في لبنان خلافا لسلفه وسيكون جاهزا للقيام بمهامه يوميا خلافا لسلفه الذي كان يمضي معظم أوقاته منذ تعيينه في أوائل كانون الأول العام الماضي في قيادة المنطقة الوسطى الاميركية التابع لها خارج لبنان.
وتعليقا على ما يمكن ان يؤدي إليه مثل هذا السيناريو، كشفت مصادر عسكرية لـ "إيست نيوز" ان ما يحول دون هذه المرحلة خطوة واضحة وبسيطة. فإن وجدت النية بعدم تعطيل عمل اللجنة فالخطوة الضرورية تكمن بأن يقول رئيس اللجنة الأميركي كلمته الفصل في صحة الادعاء الاسرائيلي. فيؤكد أو ينفي ان كان واثقا ان ما استهدف في الضاحية الجنوبية يشكل خطرا على امن اسرائيل. وإن كان ما استهدف كان مركزا عسكريا للحزب او مجرد مبنى سكنيا بعدما اكد الجيش الاسرائيلي ومعه وزير الدفاع ان الغارات تمت بموافقة اميركية مسبقة بعدما شكلت خروجا على التفاهم المحقق في 27 تشرين الثاني 2024.
واستطردت المصادر لتقول ان الصمت الأميركي مريب ولا تفسير له حتى اليوم. ولم تتحدث أية مراجع عن سبب ذلك أو انه كان له موقف بقي بين جدران اربعة وملكا لاعضاء اللجنة فحسب، وانه وإن كان متعذرا ان يقول الجنرال كيلي اي كلمة تدعم العملية الاسرائيلية او تنفي عنها صحتها، فلماذا الصمت الفرنسي المدوي بطريقة ينفي وجود الجنرال غيوم بونشان في موقعه بحيث لم يسمع عنه اي موقف ولم يصدر اي بيان حتى لحظة كتابة هذه السطور. وكل ذلك يجري في ظل الرفض الاسرائيلي لكل ما تقوله قيادة "اليونيفيل" التي بالإضافة الى تعداد الخروقات الاسرائيلية برا وبحرا وجوا، فقد سبق لها ان سجلت مواقف متعددة تدين الاعتداءات الاسرائيلية، لا بل فقد ذهبت ابعد من ذلك باتهام جيش الاحتلال مباشرة بارتكاب تجاوزات تخرج عن مضمون التفاهم ولكن ذلك بقي دون اي صدى اممي او دولي.
وختاما لا بد من التأكيد بأن الجيش سجل موقفا ثابتا مما يجري ويكفي انه اكد أن قيادته أكدت "التزامها بتنفيذ القرار ١٧٠١ واتفاقية وقف الأعمال العدائية". وقد وجهت رسالة هي الاولى من نوعها الى المجتمع الدولي الذي يدعي دعم الجيش اللبناني أن "إمعان العدو الإسرائيلي في خرق الاتفاقية ورفضه التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، ما هو إلا إضعاف لدور اللجنة والجيش" وأن من شأنه "أن يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (Mechanism) في ما خص الكشف على المواقع". وهو ما يلتقي في شكله ومضمونه مع اعتبار رئيس الجمهورية في بيانه أول أمس ما معناه "أن ما حصل كان رسالة الى الولايات المتحدة الاميركية بدماء اللبنانيين" ليتضح لاحقا ان ما هو مطلوب من المعنيين في اللجنة ولا سيما الجنرالين الأميركي والفرنسي ان يقولا كلمتهما بصدق يؤكد وجود اللجنة ويحمي مهمتها إن أرادا ذلك. فمتى سنطلع عليهما؟.