عاجل:

ستترحمون على أورتاغوس (نداء الوطن)

  • ٣٠

كتب طوني عطية:

من المتوقع أن تحصل اليوم جلسة التصويت في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي لتمرير تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جويل رايبورن، بعد أن خضع إلى جلسة الاستماع قبل نحو ثلاثة أسابيع، ولا يزال أمامه التصويت في مجلس الشيوخ.

إلى ذلك، كثرت التحليلات وأدوات الربط التي تعتقد، أن التمايز التكتيكي الأميركي – الإسرائيلي في الملف النووي الإيراني، سيؤدّي إلى مقاربة جديدة «خفيفة الدسم» لدى إدارة الرئيس ترامب تجاه المسألة اللبنانية. فهل استبدلت واشنطن صقورها بغزلانها؟ ماذا عن الوافد الجديد - القديم إلى المنطقة، وهل سيكون الممسك بالملف اللبناني أم ستكون المهمة ملقاة بشكل كبير على عاتق السفير المقبل ميشال عيسى؟

في الآونة الاخيرة، خاض «حزب الله» حربه الخاسرة عبر صلية أضاليل وحسابات سياسية وعسكرية خاطئة. ومع هزيمته ومحاصرته إقليميّاً ودوليّاً واشتداد الضغط المحلّي عليه، يراهن على تليين الموقف الأميركي الصلب والحاسم تجاه سلاحه ووضعيته الداخلية، عقب المعلومات عن انتقال نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى مهمة أخرى. واللافت، أن هذا الخبر، تحوّل إلى «مندبة» عند بعض السياديين من جهة، و»بصيص أملٍ» يُبدد خيبات «الممانعين» الدائرين في متاهة «محور المقاومة» من جهة أخرى.

مصادر مطّلعة على أجواء واشنطن، شدّدت على أن التغييرات الأخيرة، تندرج ضمن إطار الترشيد الإداري في المؤسسات والوزارات الأميركية. لماذا؟ لأنّه في ظلّ وجود منصب المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط (ستيف ويتكوف) ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى (رايبورن) ونائبه (أندرو تابلر) المسؤول عن ملف لبنان وسوريا، إضافة إلى تعيين ميشال عيسى (اللبناني الأصل) سفيراً جديداً للولايات المتحدة في بيروت، لم يعد هناك من حاجة للمركز الذي شغتله أورتاغوس، ما يعني أن هذه الإجراءات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيدٍ بأي عقاب أو تأنيبٍ بحق الأخيرة، ولا يعني البتّة أي تساهل في تنفيذ القرارات الدولية ونزع السلاح غير الشرعي كاملاً خلال مدّة زمنية محددة وتطبيق الإصلاحات المطلوبة دولياً وعربيّاً من الدولة اللبنانية.

وبالتالي الملف اللبناني سيكون إما بإشراف مباشر من السفير ميشال عيسى أو عبر قناة وزارة الخارجية. وما يعزز احتمالات أن تكون سلطة القرار للسفير عيسى، التغييرات التي أجراها ترامب حين أعطى ماركو روبيو منصب مجلس الأمن القومي مع وزارة الخارجية، بحيث تُختصر سلسلة القيادة ويستطيع ترامب التواصل مع فريقه «على الأرض» من دون عوائق. فالسفير عيسى صديقه من أيام نيويورك، وشريكه المفضّل في لعبة الغولف، ما يعني أنه يستطيع أحيانا رفع السماعة والتواصل مع رئيسه. وإضافة إلى تنفيذ عيسى أجندة الرئيس سيكون متشدداً حيث يشعر بمسؤولية تاريخية كونه من أصل لبناني ويجب أن يتخذ خطوات جريئة تخدم البلدين. وهو قادر على ذلك لأن الاعتبارات السياسية المستقبلية لا تعنيه أو تحد من اندفاعه وإسهامه في التخلص من عبء «حزب الله» العسكري والاقتصادي وما يمثله من حجر عثرة أمام الفرصة التاريخية للبنان ليسترد قراره ويمضي في طريق التنمية والاستقرار.

في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ عملية سحب أورتاغوس من مهامها اللبنانية، لن تكون سريعة. وسبق لرايبورن أن تعرض لامتحان عسير في لجنة العلاقات الخارجية من راند بول العضو الجمهوري الذي «اتعبه» في جلسة الاستماع، والذي يتبنى سياسة عودة أميركا إلى عزلتها، ويرفض انغماس واشنطن في شؤون العالم إلا بقدر ضيئل. كذلك حاول الأعضاء الديمقراطيون في الجلسة حشره بمعرفة موقفه من مسألة هدية طائرة البوينيغ 747 التي قدمتها قطر إلى ترامب. وبعد تصويت»اللجنة الخارجية» الخطوة التالية ستكون اليوم بتصويت الهيئة العامة في الكونغرس. أما بخصوص مساعده لشؤون لبنان وسوريا أندرو تابلر، فالأمور سالكة ولا يزال أمامه خطوة حيازته التصريح الأمني والسياسي (clearance) من البيت الأبيض. أما النقطة الأهم في هذا الموضوع، فهي ما عبرت عنه تلك المصادر المطلعة، مؤكّدة أنّ «الآتي أعظم». ومن يراهن على تهاون أو انخفاض في درجات الحزم الأميركي بموضوع سلاح «حزب الله»، «سيترحّم على أيام أروتاغوس»، أكان المعني رايبورن ومساعده تابلر أو السفير عيسى.

من هو رايبورن؟

هو جنرال المدفعية السابق والدبلوماسي الحازم جويل رايبورن. فالرجل له باع طويلة وشغف كبير في التصدي لمحور «الممانعة»، ومن أكثر المتحمسين لفرض المزيد من العقوبات القاسية على الكيانات التابعة لإيران، لا سيّما «حزب الله». ويعتبر (وفق عارفيه)، أن «يمينية» الإدارة الحالية هي متساهلة أو «رحومة» إلى حدّ ما. كما كان لرايبورن مواقف سياسية قوية جدّاً ضدّ نظام بشار الأسد، عندما شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، في ولاية ترامب الأولى. وكان من أبرز المعارضين لسياسة الانفتاح الغربي والعربي على النظام السوري السابق، والمشجّع الأكبر لملاحقة ومحاربة خطوط «الكبتاغون» الممتدة من سوريا ولبنان وصولاً إلى أميركا اللاتينية.

يحمل رايبورن سجلّاً حافلاً بالخبرات العسكرية والسياسية، فهو أحدر أبرز المنظّرين لفكرة «تحرير البلدان»، فالرجل «مغرم» بهذه الفلسفة. يجمع بشخصيته: المخطّط، العسكري (المنفّذ) والدبلوماسي. ساهم بشكل أساسي في إعداد «خطة حرية العراق» المرسومة منذ عهد كلينتون، والتي نفّذها في ما بعد جورج بوش الابن. شارك بين عامي 2006 و2011، في جولات قتالية متعددة في العراق وأفغانستان، بما في ذلك خلال فترة «زيادة القوات» في العراق عامي 2007 و2008. كما وجّه انتقادات لاذعة لقرار إدارة باراك أوباما التي قضت بسحب جميع القوات الأميركية من العراق في كانون الأول 2011. وكان أوّل من حذّر في مقال نشرته «مؤسسة هوفر» بأن الانسحاب سيؤدي إلى فراغ أمني في العراق واحتمال عودة الحرب الأهلية.

بين عامي 2017 - 2018، شغل منصب المدير الأول لشؤون إيران والعراق وسوريا ولبنان في مجلس الأمن القومي، وكبير موظفي البيت الأبيض في عدد من القضايا البارزة، مثل الغارات الجوية الأميركية على سوريا في نيسان 2017 و2018 بهدف ردع نظام بشار الأسد عن مواصلة استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين السوريين. كما أشرف على تطوير استراتيجية ترامب بشأن النظام الإيراني.

في الخلاصة، تدعو المصادر إياها، «حزب الله» إلى عدم السقوط في فخّ التقديرات الخاطئة مرّتين، مرّة في الحرب ومرّة في نكران الواقع عبر سياسة التشاطر والتذاكي، فلا مجال لوقت مستقطع كي يراهن عليه «الحزب» في سبيل تمييع عاصفة الحزم الأميركية المتجدّدة والمتصاعدة مع اختيار جويل رايبورن.


المنشورات ذات الصلة