تعتبر السعودية قطاع التعدين، من أهم الأدوات التي تعتمد عليها خطط تنويع مصادر الدخل وتعزيز النمو الاقتصادي بعيدًا عن إيرادات النفط، لذلك تسارع المملكة الخطى نحو جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية للقطاع، من خلال تطوير بيئة تنظيمية وتشريعية تمكنها من تحقيق أقصى فائدة ممكنة من ثرواتها المعدنية، التي تقدر قيمتها بأكثر من 9.3 تريليون ريال.
استراتيجية السعودية لقطاع التعدين، لا تعتمد فقط على التنقيب والاستخراج، بل تتعداها إلى التكرير والتصنيع وبناء سلاسل إمداد متكاملة.
ورغم الإمكانات الوطنية الكبيرة التي تدعم هذه الاستراتيجية، هناك مجموعة من تحديات التي تواجهها مرحلة التنفيذ، وهنا يأتي السؤال المهم، هل تتمكن المملكة من تحويل ثروتها المعدنية لتكون “نفط المستقبل”؟
تمتلك السعودية احتياطيات معدنية تقدر بـ2.5 تريليون دولار، تشمل النحاس والذهب والفوسفات وعناصر انتقالية نادرة، وتعمل الحكومة على استثمار 40 مليار دولار سنويًا في مشاريع محلية كبرى عبر صندوق الاستثمارات العامة، في حين تتوقع خطط رؤية 2030 رفع مساهمة قطاع التعدين إلى 75 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، وفق “إس آند بي”.
أعلنت السعودية خلال الأشهر الأخيرة عن اتفاقيات بقيمة تجاوزت 9 مليارات دولار لتطوير مشاريع تكرير ومعالجة المعادن، والتي تقدّر قيمة احتياطيات البلاد منها وفق آخر الإحصائيات بأكثر من 2.5 تريليون دولار، كما أبرمت شركة “التعدين العربية” السعودية (معادن) شراكات مع كيانات عالمية مستهدفةً خلق قيمة مضافة لهذه الثروات وتوطين التقنيات.
وترى وكالة “إس آند بي”، أن السعوديو تواصل الدفع قدمًا بقطاع المعادن والتعدين، رغم ضغوط تتعلق باللوائح الصارمة، والظروف البيئية والتشغيلية الصعبة، وضعف في البنية التحتية، إلى جانب المنافسة العالمية الشرسة، إضافة إلى مخاوف من أن تؤثر الاضطرابات التجارية العالمية على الطلب على المعادن، وسط ركود متوقع وارتفاع التوترات الجيوسياسية.
يقول أستاذ الإعلام الاقتصادي بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بندر الجعيد، إن الحكومة السعودية أولت قطاع التعدين أهمية استثنائية ضمن “رؤية 2030” الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، مستندةً على امتلاكها ثروات معدنية كبيرة، منها معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت.
ونوه الجعيد خلال مشاركته في برنامج “بيزنس ويك” على قناة الشرق الإخبارية بأن الحكومة قامت بالعمل على تهيئة المناخ خلال الأعوام الماضية عبر تطوير القوانين وتحسين تجربة المستثمر، إضافة إلى تنظيم حدث سنوي عالمي، وهو “مؤتمر التعدين الدولي”، بهدف ترتيب لقاءات بين شركات التعدين العالمية والشركات السعودية، ومنحها الفرصة للاطلاع على الفرص التعدينية في المملكة.
ويشهد قطاع التعدين، تنافسًا محتدمًا بين أقطاب التصنيع على مستوى العالم، وبالأخص على المعادن التي يطلق عليها “المعادن النادرة”، والتي أصبحت مكونًا ملحًا في الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا الدقيقة، وهذا يُعد دافعًا كافيًا لجذب الشركات العالمية لإطلاق عمليات استكشاف في مناطق جديدة بعيدة عن المناطق التقليدية في حزام وسط أفريقيا.
وقال الجعيد إن السعودية في سعيها لتوطين صناعات تكنولوجية دقيقة ومتقدمة، مثل مراكز البيانات والسيارات الكهربائية وبطارياتها، بحاجة أيضًا لتأمين هذه المعادن الملحة في هذه الصناعات، لافتًا إلى أن الشراكات مع الشركات العالمية، مثل التي تمت مؤخرًا مع شركات أمريكية وصينية وأسترالية وإندونيسية، هامة لنقل الخبرات التي تتمتع بها هذه الشركات إلى الشركات السعودية في سبيل توطين هذه المعارف.
لم تكتفِ المملكة باستقطاب شركات التعدين العالمية إلى البلاد، بل قامت الشركات السعودية بالخروج للتنقيب عن المعادن في الخارج، خاصة في القارة الأفريقية”، مثل شركة “منارة” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي التي أبرمت شراكات مع دول أفريقية لاستكشاف المعادن فيها، إضافة إلى إقامة المملكة منطقتين لوجستيتين في جيبوتي وتنزانيا كنوع من بناء سلاسل إمداد متكاملة.
ويواجه قطاع التعدين في المملكة تحديات، تتمثل في شح المياه في صناعة تحتاج إلى كميات كبيرة منها، وتأثيرات بيئية تتعلق بالتخلص من النفايات، كما أن احتياجات التمويل الضخمة والتكاليف المرتفعة لمراحل التعدين المختلفة تُعد تحديًا آخر.
كان وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف أشار في اجتماع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين ضمن أعمال مؤتمر التعدين الدولي في الرياض بداية العام، إلى أن العالم يحتاج إلى استثمارات بقيمة 6 تريليونات دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لتلبية الطلب بقطاع التعدين، ما يُمثل تحديًا للقطاع.
تشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي طويل الأجل في المملكة سيعتمد بشكل متزايد على قطاع التعدين، مدفوعًا بدعم حكومي قوي، وتمويلات ضخمة، واستراتيجية واضحة لتقليل الاعتماد على النفط.