عاجل:

بعدما وضعت إصبعها على جرح مفتوح... خطة اورتاغوس بالاستغناء عن صندوق النقد بلا تفاصيل (آراء حرة)

  • ٦٠

بقلم: عصام شلهوب

في إحدى قاعات "منتدى قطر الاقتصادي" الذي عُقد في 21 أيار 2025، حيث اجتمع رجال السياسة والمال من شتى أنحاء العالم، أطلقت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مواقف غير تقليدية أثارت اهتمام اللبنانيين وأثارت جدلاً في الأوساط السياسية والاقتصادية. قالتها بوضوح وجرأة: “صندوق النقد الدولي ليس الخيار الوحيد”، ثم أتبعتها بجملة حمّالة رؤى: “لدي رؤية وخطة كبيرة يمكن أن تجعل لبنان لا يحتاج إلى الصندوق، بل يتحوّل إلى بلد استثمارات… يمكنني استخدام الأموال الموجودة في هذه القاعة لتجنيبه المزيد من الديون”.

كان هذا التصريح كمن يضع إصبعه على جرح مفتوح منذ سنوات. فلبنان، البلد الغارق في أزمته المالية منذ 2019، يتعطش إلى أي رؤية جديدة تنقذه من مستنقع الانهيار. منذ أربع سنوات، لم يعرف هذا البلد سوى المماطلة والتقهقر: الناتج المحلي تقلّص بأكثر من 40%، الليرة فقدت أكثر من 98% من قيمتها، والمجتمع غرق في فقر مدقع. وفي 2022، وقّع لبنان اتفاقًا أوليًا مع صندوق النقد على قرض بـ3 مليارات دولار مقابل سلسلة من الإصلاحات… لكنه بقي حبرًا على ورق بسبب تلكؤ الداخل وصراع المصالح.

ما طرحته أورتاغوس بدا في ظاهره عرضًا مختلفًا: لا حاجة إلى مزيد من القروض، بل إلى تحوّل في النهج. لبنان لا يحتاج إلى صكوك إنقاذ، بل إلى بيئة استثمارية واعدة تستقطب رؤوس أموال حاضرة بالفعل، وفق قولها، في المنتدى نفسه. هي دعوة للاستثمار كبديل عن الديْن، وللشراكة الاقتصادية بدل الارتهان المالي.

لكن، وهنا جوهر المسألة، هل يستطيع لبنان فعلاً السير في هذا المسار؟ في بلد بلا حكومة فاعلة، بلا قضاء مستقل، بلا هيئات ناظمة، وبلا استقرار سياسي حقيقي، كيف يمكن جذب مستثمرين أجانب؟ كيف يمكن الإقناع بأن أموالهم ستكون آمنة، وأن مشاريعهم لن تقع فريسة الزبائنية أو المحاصصة؟

ثم إن أورتاغوس لم تشرح تفاصيل هذه “الخطة الكبيرة”. ما نوع الإصلاحات التي تتطلبها؟ كيف سيتم تفعيل الاستثمارات؟ ما الضمانات للمستثمرين؟ أم أن الحديث لا يعدو كونه بالون اختبار لرصد ردود الفعل؟ في السياسة، كما في الاقتصاد، لا تكفي النوايا الطيبة، ولا حتى التصريحات الجريئة.

يبقى أن نقول إن تصريح أورتاغوس، سواء اتفقنا معه أو لا، فتح نافذة تفكير جديدة. هو تذكير بأن الحلول موجودة، وأن المجتمع الدولي لا يزال يضع لبنان في الحساب، لكنه في الوقت نفسه يشترط: لا استثمار دون إصلاح، لا ثقة دون شفافية، ولا نهوض من دون قرار سياسي جريء.

إنها لحظة مفصلية. لبنان بين خيارين: الاستمرار في مسار المراوحة والتذرع بالعجز، أو التقاط المبادرات التي تُطرح، أيًّا كان مصدرها، والبناء عليها برؤية وطنية تُخرج البلاد من عنق الزجاجة.

المنشورات ذات الصلة