عاجل:

جولة جديدة قريباً لبعثة صندوق النقد في بيروت (الشرق الأوسط)

  • ١٨

كتب علي زين الدين:

جولة جديدة قريباً لبعثة صندوق النقد في بيروت من المقرر أن تستأنف البعثة الخاصة بصندوق النقد الدولي مشاوراتها في بيروت مع الفريق اللبناني، عقب إتمام دورات الانتخابات الاختيارية والبلدية في المحافظات كافة، أواخر الشهر الحالي، وسط إشارات متناقضة بشأن انسيابية الاستجابة للموجبات «المعلّقة» التي التزمت الحكومة بتسريع وتيرتها، بعد إصدار تشريع التعديلات المطلوبة على «قانون السرية المصرفية».

وتظهر التباينات المستجدة في مقاربات الفريق اللبناني، الموزَّع على المستويات الحكومية والنيابية والنقدية، التي تجلّت صريحةً في أولى جلسات مناقشة لجنة المال والموازنة لمشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، الحاجةَ الملحّةَ لاستباق جولة المفاوضات المقبلة مع المؤسسة الدولية، بحوارات داخلية عاجلة تكفل بحصيلتها، وفق مسؤول مالي معني، إعادة تحديد معالم خريطة الطريق للإنقاذ والتعافي المنشودَين، وما تتطلبه من مشاركة مؤسسية ومهنية في إعداد القوانين والإجراءات النافذة، تحت مظلة التأييد والدعم من قبل الأطراف المعنيّة.

ويمثل التوافق النهائي وحسم الجدليات العقيمة على توصيف الأزمة «النظامية» وشموليتها التي تشرف على ختام عامها السادس بعد أشهر قليلة، المدخل الوحيد، وفق المسؤول المعني، لتكريس منهجية موضوعية، بمنأى عن التجاذبات الداخلية والشعبوية، لمقاربة استحقاق إعداد مشروع «قانون الفجوة المالية»، الذي يُشكِّل بدوره، المرتكز الحيوي لسائر المتطلبات التي تشترطها المؤسسات المالية الدولية، والدول المانحة؛ لفتح قنوات التمويل والدعم.

ويفرض اعتماد هذا «التحديث» في استراتيجية المقاربات، الانطلاق مجدداً من أولوية وضع ضوابط محكمة لعمليات تدقيق شاملة تفضي إلى توزيع عادل للمسؤوليات وحمل الخسائر المحققة على ثلاثي الدولة، والبنك والجهاز، المصرفي، واستطراداً وقف كل أشكال الإجحاف التي تصيب المودعين ومدخراتهم «المشروعة»، من مقيمين وغير مقيمين، وبالتالي الخروج من الزواريب الضيقة للكيديات الداخلية التي تستعيد زخمها في تموضع المرجعيات النافذة ومحاولات قضم أو نقل مهام وصلاحيات محورية وحسّاسة.

جرأة الحل

ولا يتردّد حاكم مصرف لبنان، كريم سعيد، في لقاءات تجمعه بمسؤولين ومصرفيين وممثلين للمودعين، في تأكيد أن «حلّ هذه الأزمة يتطلّب منا جرأةً في مقاربتها»، وأنه سيبادر إلى تقديم رؤية متكاملة، وليس خطة تقليدية؛ لإنضاج الحلول الموضوعية والعادلة، بينما يكفل الإقرار بمفهوم «نظامية» الأزمة، يحدّد تلقائياً الأطراف الثلاثة المعنية بتحمل المسؤولية؛ أي الدولة، والبنك المركزي، والمصارف. وبالتالي يتوجَّب السعي إلى إيجاد أفضل السبل لردّ أموال المودعين.

وفي السياق، تبدي أوساط مالية ومصرفية معنية، ريبتها واستغرابها من حملات التشكيك الفورية والمتكررة التي تواجه أي طروحات جديدة أو توجهات محدثة، خصوصاً لجهة أولوية التزام القوانين السارية، والحذر من افتعال مكامن خلل أو انحرافات في تحديد هيئات وآليات إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، بمعزل عن المرجع المؤسسي وصلاحياته القانونية والإجرائية، فضلاً عن العزل المستمر والمتعمّد للقطاع عينه وهيئاته التمثيلية.

خسائر «المركزي»

ولم يعد نافعاً، حسب المسؤول المعني، التذرع بأن اعتماد خيار محدودية أو عدم «استخدام الأموال العامة»، يرد ضمناً في صلب شروط صندوق النقد، بينما توجب تعقيدات الأزمة ونتائجها الكارثية على بنية الاقتصاد وقطاعاته كافة، الضرورة القصوى لإقرار الدولة بمسؤوليتها وديونها، وبما يشمل التزام مندرجات قانون النقد والتسليف، لا سيما المادة 113، التي تُلزم الدولة بتغطية خسائر المصرف المركزي، مما يسهم لاحقاً في معالجة محفظة التوظيفات المصرفية لديه، البالغة نحو 80 مليار دولار. ومصدرها بالمجمل، مدخرات وثروات المقيمين وغير المقيمين المودعة في البنوك.

وبخلاف ذلك، فإن اعتماد أي خيار يوصل إلى تحييد أي طرف من الثلاثي من الموجبات، سيقود حتماً، حسب المسؤول المعني، إلى تعميق الفجوات في ميزانيات الطرفين الشريكين وتبديد إمكاناتهما الإفرادية والمجمّعة من دون بلوغ أي جدوى متوخاة، ومن ثم تضخيم الضرر اللاحق بالطرف الرابع، أي المودعين في البنوك، باعتبارهم الحلقة الأضعف. وهو ما يتناقض مع التعهدات الرئاسية والحكومية بعدم «شطب» المدخرات، والعمل على توزيع عادل للمسؤوليات والأحمال المترتبة عليها.

تبعات التفرد

لذا، يحذَّر المسؤول المالي من تبعات الإمعان بمنهجية «التفرُّد» الحكومي في اقتراح المعالجات، وبما يشمل خصوصاً توزيعات الخسائر المقدرة من قبلها سابقاً بنحو 72 مليار، ومن دون الإشارة حتى إلى «فجوة» بيانات الدين العام التي تعدَّت حاجز الـ100 مليار دولار قبيل انفجار الأزمات، ولا إلى موجبات قيودها الملتبسة في ميزانية البنك المركزي، وسحوباتها «المكشوفة» من أرصدته واحتياطاته بما يزيد على 64 مليار دولار، موزعة بمعظمها، وفقاً لما أكدته شركة التدقيق الجنائي الدولية (ألفاريز آند مارسال) على دعم سعر صرف الليرة، وسلفات مؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة وسواهما، ودعم سلع استهلاكية في أوج فترة الانهيار النقدي.

وربما الأهم في مسألة الدين العام، أنَّ نحو 60 في المائة منه كان محرراً بالليرة عشية الأزمة، وبمبالغ تناهز الـ91 ألف مليار ليرة، أي ما يوازي بالسعر الرسمي نحو 61 مليار دولار، ليصبح بعد الانهيار النقدي السريع والمتواصل بحدة حتى صيف عام 2023، نحو المليار دولار فقط، علماً بأن مجمل هذه الشريحة من الدين محمولة من قبل البنك المركزي، وصندوق الضمان الاجتماعي، ومؤسسات، والبعض من «الجمهور» الذي وقع فريسة الاستقرار الوهمي للنقد.


المنشورات ذات الصلة