عاجل:

أعنف الغارات التدميرية منذ اتفاق وقف النار! سلام على الحدود الشرقية وفرنسا تساهم في الترسيم (النهار)

  • ١٣

رسمَ تلازم التطورات الميدانية في جنوب لبنان والحركة التصاعدية التي يتولاها كل من رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام أمس، صورة معبّرة تماماً عن السباق المحفوف بالمحاذير الذي يشهده لبنان في مرحلته الانتقالية منذ بداية العهد وتشكيل الحكومة. ذلك أن التصعيد الإسرائيلي تمثّل بسلسلة غارات عنيفة على محيط النبطية أمس في استهداف لما ذكرت إسرائيل بانها منشآت تحت الأرض، بدا أشبه بعملية حربية نوعية كبيرة استخدمت فيها الطائرات الحربية الإسرائيلية قذائف ثقيلة خارقة للتحصينات على غرار تلك التي استعملت في اغتيال استهداف مقر الأمين العام الراحل لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله وأدت الى مقتله. وحصل هذا التصعيد النوعي في وقت لا تظهر فيه أي معالم بعد لإنهاء الوضع العالق عند حافة "وقف نار" بالكاد أخذ طريقه إلى الاستكمال بما يحصّن لبنان من تبعات لعمليات إسرائيلية متواصلة واحتمالات تدهور متجدّد لا يعرف مداه وحجمه، ما دام أي تقدّم لإنجاز تنفيذ القرار 1701 لم يتحقق فعلاً بعد. وإذ لوحظ انتفاء أي كلام متجدد عن تحرّك الوساطة الأميركية للدفع قدماً نحو تحرك ديبلوماسي جديد يحول دون تراجعات خطيرة على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، عُلم أن اتصالات كثيفة غير معلنة أجريت بين بيروت والإدارة الأميركية في الساعات الأخيرة تناولت أخطار ومحاذير التصعيد بعد الغارات العنيفة على النبطية وما يمكن أن تستبطنه من مزيد من التصعيد المماثل. وإذا كانت الغارات على محيط النبطية أعادت رفع سقف المخاوف من الحجم الواسع للضربات الجوية التي استهدفت أكثر من 15 هدفاً دفعة واحدة بأطنان من الصواريخ والقذائف، فإن الوجه الآخر للمشهد الداخلي اتخذ طابع مضي رئيسي الجمهورية والحكومة في ترسيخ صورة التطبيع الداخلي، علماً أن جولة رئيس الحكومة أمس على الحدود الشرقية رفعت الملف الحدودي مع سوريا إلى مستوى الأولويات الأكثر إلحاحاً أسوة بالوضع الحدودي في الجنوب.

تحرّكات عون وسلام

وكان لافتاً أنه بالتزامن مع جولة سلام البقاعية قام رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في وقت مبكر بزيارة لمصرف لبنان حيث اجتمع مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد ونواب الحاكم وخاطبهم قائلاً: "مسؤوليتكم كبيرة لإعادة ثقة الداخل والخارج بالنظام المصرفي اللّبناني وفي حماية العملة الوطنية والعمل بشفافية بعيداً من التدخّلات السياسية يُساهم في مسيرة النهوض الاقتصادي". ومن جانبه قال الحاكم سعيد: "سنعمل على المحافظة على استقلالية مصرف لبنان ونزاهته وحمايته من أي تدخلات من أي جهة أتت، وسنعمل استناداً إلى القوانين لتحقيق مصلحة لبنان".

وسط هذه الأجواء، وخلال جولته بقاعاً وعلى المعابر الحدودية مع سوريا، أكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام "أن الانتهاكات الإسرائيلية يجب أن تتوقف بأسرع ما يمكن". واعتبر "أن المعابر الرسمية هي مرآة السيادة اللبنانية، وأن انتظام العمل فيها أمنيًا ولوجستيًا يشكل خط الدفاع الأول عن الاستقرار الداخلي، ويُعد ضرورة حتمية لحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات غير الشرعية، التي لطالما استنزفت موارد الدولة وأضعفت ثقة المواطن بها". كما شدّد الرئيس سلام على "أن معبر المصنع، بصفته منفذًا حيويًا للبقاع ولبنان ككل، يجب أن يُدار وفق أعلى المعايير التقنية والأمنية، لا أن يُترك عرضة للعشوائية أو الاستنسابية. وكشف أن "العمل جار لتركيب أجهزة تفتيش متطورة (سكانرز) في أقرب وقت ممكن، لتسهيل مرور البضائع، وتعزيز الشفافية، وتفعيل تصدير المنتجات اللبنانية برًا بشكل قانوني ومنظم. هذا المعبر يجب أن يتحول من نقطة ضعف إلى رمز لحيوية الدولة وصدقية إدارتها. الإصلاح يبدأ من هنا، من استعادة الدولة الكاملة لإدارة حدودها، وتحويلها إلى بوابات مشرّعة للشرعية والانتظام، لا منفذًا للفوضى والتجاوز".

وعقد الرئيس سلام في سرايا بعلبك اجتماعاً مع نواب المحافظة، حضره النواب حسين الحاج حسن، غازي زعيتر، ملحم الحجيري، أنطوان حبشي، جميل السيد، وينال الصلح. وزار بعد ذلك سرايا زحلة حيث التقى بنواب البقاعين الأوسط والغربي الياس اصطفان، جورج عقيص، جورج بوشكيان، سليم عون، بلال الحشيمي، ورامي بو حمدان، غسان سكاف، وائل أبو فاعور، وياسين ياسين. وجرى البحث في الملفات التي تمسّ الحياة اليومية للمواطنين، وفي مقدمتها طريق ضهر البيدر، الذي بات إصلاحه أولوية وطنية لتسهيل الانتقال، وإنهاء الازدحام، وتعزيز الترابط بين البقاع وبقية المحافظات. وقال سلام: "من زحلة، أُعيد التأكيد أن البقاع هو السلة الغذائية للبنان، ونريده أن يبقى كذلك: مصدرًا للغذاء، لا للسموم. لذلك، أعلن اليوم إطلاق مسار تشكيل الهيئة الوطنية للقنّب الهندي، بهدف تحويل هذه الزراعة من اقتصاد قاتل إلى مورد طبي مشروع، يخدم الإنسان لا يُدمّره، ويسهم في نمو الاقتصاد الشرعي ضمن إطار قانوني، طبي، وإنساني".

وفي ملف الحدود بين لبنان وسوريا، برزت خطوة مهمة تمثلت في تسلم وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي من سفير فرنسا لدى لبنان هيرفيه ماغرو نسخة من وثائق وخرائط الأرشيف الفرنسي الخاص بالحدود اللبنانية-السورية، وذلك بناءً لطلب لبنان وللوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرئيس الجمهورية جوزف عون خلال زيارته الأخيرة إلى باريس، بتزويد لبنان بهذه الوثائق والخرائط التي ستساعده في عملية ترسيم حدوده البريّة مع سوريا.

التصعيد الاسرائيلي

في غضون ذلك، نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي اعتباراً من الحادية عشرة والربع من صباح أمس، عملية جوية واسعة على منطقة النبطية، حيث شنّ سلسلة غارات عنيفة وعلى دفعتين مستهدفاً الأودية والمرتفعات والأحراج الممتدة بين بلدات كفرتبنيت، النبطية الفوقا، كفررمان. وتركّزت معظم الغارات على أحراج علي الطاهر والموقع الأثري السابق، وأحدث دويّ الصواريخ الملقاة انفجارات هائلة تردّدت اصداؤها في معظم مناطق النبطية والجنوب، وأثارت أجواء من الرعب والهلع لدى المواطنين الذين هرع معظهم إلى المدارس لإجلاء الطلاب، وتسبّبت حالة الهلع بازدحام سير في الطرق، فيما توجهت عشرات سيارات الإسعاف نحو محيط المناطق المستهدفة. كما أقفلت معظم الدوائر الرسمية أبوابها. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة، بيان أعلن أن "غارات العدو الإسرائيلي على النبطية اليوم (أمس) أدت في حصيلة أولية إلى سقوط شهيد وإصابة ثمانية أشخاص بجروح".

ولاحقاً، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي، "أنّ طائرات سلاح الجو هاجمت موقعًا لإدارة منظومة النيران والدفاع التابعة لحزب الله في منطقة جبل البوفور (الشقيف) جنوب لبنان". وبحسب ادرعي، فإن الغارات "استهدفت عناصر ووسائل قتالية وآبارا". ولفت إلى أن "الموقع المستهدف يُعد جزءًا من مشروع تحت أرضي استراتيجي، وأنه خرج عن الخدمة نتيجة الغارات. واعتبر "أن وجود هذا الموقع والنشاط فيه يُشكلان خرقًا فاضحًا للتفاهمات القائمة بين إسرائيل ولبنان". وهدّد بأنّ "الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل لإزالة أي تهديد لأمن إسرائيل، وسيمنع أي محاولة لإعادة بناء قدرات حزب الله".

ولكن معلومات أخرى أفادت أن الهجوم الإسرائيلي غير المعهود منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الفائت، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وليس فقط تدمير مقرات عسكرية. وأفادت المعلومات عن سقوط قتيلين من "حزب الله" و8 جرحى في هذه الغارات، فضلاً عن تدمير عدد من المنشآت الضخمة التابعة لـ"حزب الله". وأفادت المعلومات عن مقتل علي محمد شحرور أو أبو حسين شحرور، الملقب بـ"شطاح" الذي وصفته مصادر إعلامية مقربة من "حزب الله" بأنه "مجاهد منذ الطلقات الأولى"، مع الإشارة إلى دوره في "عملية سجد النوعية الأولى". ونفذت هذه العملية في 11 أيار 1997، حيث تمكن عناصر "حزب الله" من تحرير موقع سجد والسيطرة التامة عليه لأكثر من ساعة، وإخلائه لاحقًا بعد تدميره. كما قتل باسم علي عساف.

واعلن مصدر عسكري لبناني أن عدد الخروقات الإسرائيلية منذ سريان مفعول قرار وقف إطلاق النار بلغ 3112 خرقاً، وأشار إلى أن عدد القتلى الذين سقطوا منذ وقف إطلاق النار بلغ 157 فيما جُرح 356 شخصا.


المنشورات ذات الصلة