عاجل:

الإشارات كلّها هنا: العمى ونشوة القوة سيقوداننا إلى كارثة (القناة 12 الإسرائيلية)

  • ٢٤

كتب يسرائيل زيف في موقع القناة 12 الإسرائيلية:

تفككت حرب الجبهات السبع، وتمت خصخصتها: الأميركيون أخذوا إيران والحوثيين والمفاوضات مع السعودية. وتركيا، أخذت سورية، وتركت لإسرائيل خط "بارليف" الجديد، غير الضروري، الذي يتشكل من سلسلة من المواقع المتقدمة. تؤدي ضغوط إخواننا الدروز في البلد إلى ضربات ينفّذها سلاح الجو في سورية، والتي تشكل رسالة واضحة للشرع، مفادها ألّا يتجرأ على المساس بالدروز في سورية، وهذا الأمر يجعلنا، على الأقل، أصحاب الشأن فيما يحدث في جبل الدروز. وفي لبنان، إسرائيل مقيدة، وتحت رقابة أميركية. هذا في الوقت الذي تحتفظ إسرائيل لنفسها بحرب في ساحتها الخلفية في غزة، هذه الحرب التي كان يمكن أن تعيد المخطوفين وتنتهي منذ وقت طويل.

خلال حرب فيتنام، كان الأميركيون مقتنعين بأنهم متفوقون عسكرياً. اعتقدوا أنه لا يمكن هزيمتهم، بعد انتصارهم في حرب عالمية طويلة على الألمان واليابان. كان تفوّقهم التكنولوجي على الفيتكونغ مذهلاً، وحجم القوات الفتاكة التي كانت لديهم كبيرة إلى درجة لا يمكن مقارنتها بما يملك الفيتناميون الشماليون. وفي الأساس، كان الأميركيون أسرى حب الأنا والجنون أمام الشيوعيين. فطوال الوقت، كانوا مقتنعين بأنهم سينتصرون بعد قليل، بعد مزيد من الجنود، ومزيد من القوة، ومزيد من احتلال الأراضي. وعلى الرغم من أن الرئيس ليندون جونسون والجنرال مكنمارا فهِما المشكلة في مرحلة ما، فإنهما استمرا في الكذب، بهدف استقطاب الرأي العام الداخلي.  وهكذا سارت الإمبراطورية، خطوة خطوة، من "الانتصار على بُعد خطوة" إلى الوحل العميق الذي غرقت فيه. وفي النهاية، خرجت منه تجرّ أذيال الخيبة على يد الرئيس الرابع خلال الحرب جيرالد فورد، بعد 18 عاماً من النزيف والإذلال.

القيادة تعيش حالة إنكار عميقة


تتكرر قصة "عمى السلطة" نفسها عشرات المرات في التاريخ، ولم تغِب عنّا. لقد تورطنا في لبنان 18 عاماً، وعلقنا في غزة 40 عاماً، حتى "خطة الانفصال"، ولم ينتصر الأمن في الضفة الغربية على "الإرهاب" منذ 58 عاماً. يتغلب التنافر داخل الحكومة، التي تعمل بشكل غير عقلاني، على الفجوة بين نشوة القوة وبين ما يمكن تحقيقه فعلاً، الأمر الذي يعزز مركّب الإحباط. كذلك، ازداد الانفصال عن الواقع إلى درجة بات يتحول فيها من فجوة إلى تصدُّع.

وعلى الرغم من اختلاف وضعنا، فإننا أيضاً في حالة إنكار شبيهة وعميقة. والمرعب أن هذا يحدث هذه المرة بعيون مفتوحة. إن خلاصة حالة الإنكار هذه هي أننا نعيش وهماً، مفاده بأن استمرار الحرب سيقود إلى انتصار مطلق على "حماس"، هذه الحرب انتهت منذ زمن بإخضاع الحركة كتنظيم فعّال. الآن، تتكون الحركة من مجموعة متطرفة من "الإرهابيين"، هدفهم الاختباء والنجاة وإلحاق الضرر بين الحين والآخر. لا توجد أيّ عملية إضافية كثيفة تقوم بها ألوية، أو كتائب، يمكن أن تساعد على الحسم. ربما تكون العمليات الدقيقة التي تستمر أعواماً طويلة فعالة إلى حد ما. وفي الوقت نفسه، لا توجد حكومة في إسرائيل قادرة على اتخاذ القرار السياسي المطلوب.

إن وجود سموتريتش وزيراً في حرب إسرائيل، على الرغم من أنه لا يملك أيّ فكرة، ولا يفهم حدود القوة، يمتزج بالإيمان المسياني والسياسي، ويُضعف نتنياهو مرتين - يبدو ضعيفاً، ويخسر مزيداً من المقاعد. يُدرك سموتريتش ضُعف نتنياهو، ويستغله بشكل ممتاز، وبسهولة كبيرة. إنه يدفع بنتنياهو إلى حرب يريدها هو أيضاً، على الرغم من أنها تقوّي منافسيه الداخليين الذين لن يتركوه، حتى لو ذهب في مسار اتفاق سياسي، أو تبادُل رهائن، لأنه ليس لديهم أيّ بديل.

نتنياهو الذي كان يمكنه استغلال إنجازات الحرب لتحقيق إنجازات دبلوماسية إقليمية مهمة، غارق فقط في حساباته السياسية الخاصة، الصغيرة والقاسية بشكل مرعب. إنه يمضي في "حرب مضمونة" بالنسبة إليه. إنه يواجه عدواً لا يقاتل، لكنه يترك له ذريعة المخطوفين كسبب يسمح له بالاستمرار في الحرب. إن حرب "النصر على بُعد خطوة" هذه، هي الأطول في تاريخنا ضد العدو الأضعف أمامنا. إنه يذهب بكل قوته في اتجاهين: ترك الجمهور مقيداً بحرب كاذبة؛ وجهود موازية من أجل الإبقاء على الانقسام الذي يسمح له بالبقاء رئيساً للحكومة من أجل قاعدته الجماهيرية فقط. وإذا أُجبر على المضى نحو الإجماع القومي، فإنه سيخسر كلّ القضايا المركزية، مثل إعادة المخطوفين وقانون التجنيد للجميع ولجنة تحقيق رسمية مستقلة. بهذه الطريقة، يستطيع التلاعب بالجميع وكسب مزيد من الوقت.

"حماس" لا تخرج إلى القتال، إذاً، ضد مَن تُخاض الحرب؟


وصلت الحرب الأطول في تاريخنا على حدود العبث. لم تكشف "كارثة 7 أكتوبر" عن "حماس" قوية وعملاقة. ومن المحبط القول إن أصحاب النظرية التي رأت أن "حماس" قوة ضعيفة كانوا على حق. لكننا أخطأنا عندما اعتقدنا أنها لن تتجرأ على العمل. حدثَ "7 أكتوبر" بسبب الفشل والاستهتار المطلق من طرف قواتنا الذين قدموا بلدات الغلاف الضحية "للمخربين" على طبق من ذهب. ولم يكونوا سوى أعداء أتوا في مركبات رباعية الدفع وعربات تجرّها الحمير، ويحملون الفؤوس. صحيح أن هذا العدو استطاع ارتكاب "جرائم" مجنونة، لكن ما سمح له بالقيام بذلك هو إخفاقنا. نحن الذين أخفقنا عندما تركنا الأبواب مفتوحة على مصراعيها، وبعد الاختراق، كان ردّنا فشلاً مطلقاً. وعلى الرغم من أن هذا العدو فعل بنا ما يريد خلال 7 ساعات، فإنه لم يتحول إلى عدو عملاق يبرر حجم هذه الحرب التي نقاتل فيها منذ عام و7 أشهر. والتي كان يجب أن تنتهي لأن الميدان فيها مركّب، بعد بضعة أشهر في أبعد تقدير، وطبعاً، لم يكن يجب أن تستمر سنوات.

خطوة العودة إلى الحرب الآن، في الوقت الذي لا تزال "حماس" لا تقاتل - هي بمثابة حرب سخيفة وغير ضرورية، وغير مبرَّرة. إنها حرب نتنياهو الثانية، بعد أن احتللنا القطاع سابقاً مرة واحدة، وفكّكنا الأطر العسكرية التي كانت لديهم، وفككنا ثلاثة أرباع غزة، وقتلنا 20 ألفاً من "المخربين". نحن نذهب مرة أُخرى إلى حرب من دون هدف، وهدفها الوحيد هو أن يستطيع نتنياهو الإعلان أننا انتصرنا في نقطة معينة - لأن هذا سيكون لمصلحته السياسية حين يقرر، وستكون حرباً غير مبرَّرة، ومن دون إجماع.

حالياً، يحاول رئيس الحكومة بناء صورة للحرب على أنها "حرب استقلال"، وهو ما سيخدمه في الانتخابات المقبلة، هذا في الوقت الذي يقلل من أهمية موضوع المخطوفين - وهو الأمر الوحيد الذي يلقى إجماعاً. هذه الخطوة محزنة وتقوّي "حماس" جداً، بعد أن كانت مسحوقة، وتسمح للحركة بأن تبني لذاتها صورة البطل الإقليمي الذي لم تنجح إسرائيل في هزيمته وقتاً طويلاً.

من أجل هذه الخطوة، يجنّد نتنياهو رئيس هيئة الأركان إيال زمير، الذي أقنع نفسه بأنه سيحقق نتائج أفضل ممّن سبقوه، بدلاً من أن ينشغل بإعادة ترميم الجيش المستنزَف الذي يعاني جرّاء مشاكل كبيرة، بعد الحرب الطويلة. إنه يجرّ وراءه دولة كاملة إلى التورط في حرب من دون هدف، ومن دون تعريف، ومن دون أيّ موعد نهاية. هذه الحرب ستستنزف الإنجازات الموجودة، ولن تقود إلى أيّ انتصار. يجب أن نأمل بأن يفهم زامير أنه ملتزم إعادة المخطوفين، أولاً وآخراً.

إن زيارة ترامب خلال منتصف أيار/مايو للسعودية يمكن أن تقود إلى نوع من أنواع التغيير، في الأساس بسبب طلب السعودية وقف الحرب في غزة. في هذه الحالة، ستتغير خطط نتنياهو كلها، ولن يتجرأ على تحدّي ترامب، وسيكون عليه أن يذهب بعكس إرادته إلى خطوة إنهاء الحرب. الأمر السخيف هو أن ما سيكون على الطاولة، حينها، خطة "حماس" المهزومة، وليس خطة مَن أضاع إنجازات النصر التي تم دفع ثمنها من الدماء. 


المنشورات ذات الصلة