إن الأمر الأساسي الذي يجب فهمه بشأن أول 100 يوم من ولاية الرئيس دونالد ترمب في منصبه، والتي كانت حافلة بالأحداث، هو أن قاعدته الشعبية، التي تقدر بنحو 40% من الشعب الذي يحبه، ليست مبتهجة فحسب، بل إنها تهتف له أكثر، كما لو كانوا بيلي آيدول.
وفي الوقت نفسه، ترى فئة مماثلة من الأميركيين الذين يكرهون ترمب في ولايته الثانية تهديداً للديمقراطية لا مثيل له في التاريخ. وما بين أيدينا هنا، أيها الناس، هو اختبار رورشاخ التقليدي؛ فمشاعر الأميركيين تجاه ترمب اليوم تخبرنا عنهم أكثر مما تخبرنا عن سياساته، التي لم تحقق في معظمها أهدافها المرجوة.
لقد دخل ترمب منصبه بثقة عالية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي نسبة تأييد بلغت 50% أو تقاربها، وفي أول 30 يوماً من ولايته أبقى تركيزه الشديد على القضايا السهلة، التي تمثل 80% من الأصوات. فعلى سبيل المثال، كان إغلاق الحدود الجنوبية، وهو أمر وصفته إدارة بايدن بالمستحيل، معجزة، حيث انخفضت التفاعلات اليومية في بعض الحالات من عشرات الآلاف إلى العشرات. ومن المرجح ألا يحلّ رئيس قادم مشكلةً كبيرة تواجه الشعب الأمريكي بهذه السرعة.
وكان أداء ترمب في القضايا الثقافية جيداً؛ فالأميركيون لا يريدون أن يشارك الرجال في الرياضات النسائية، ويعتقدون أن التنوع والمساواة والشمول (DEI) قد تجاوز الحد. وهاجم ترمب كلا السياستين اليساريتين.
وبالرغم من أن الأمور بدت جيدة، إلا أنه كان من المحتم أنه مع تحول ثلوج مارس إلى أمطار أبريل، سيضطر ترمب إلى معالجة قضايا أكثر صعوبة ولا يوجد إجماع كبير عليها. وأكبر هذه القضايا هي سياسات ترمب الجمركية، التي طُرحت في 2 أبريل، أو كما أسمته الإدارة "يوم التحرير". وقد أدت الرسوم الجمركية المتقطعة والمفاوضات المحمومة إلى تذبذب مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسية، وكانت التغطية الإعلامية سلبية على نطاق واسع.
أما فيما يتعلق بالهجرة فقد كان إغلاق الحدود ضربة موجعة، لكن بعض الناخبين، حتى أولئك الذين أيدوا ترمب، قلقون من أن عمليات الترحيل تتم بسرعة كبيرة، ودون إجراءات قانونية كافية. وببساطة، يبدو أن الجميع متفقون على ضرورة منع دخول المهاجرين غير الشرعيين، لكن ما يجب فعله بعد وصولهم هو سؤال مهم أيضاً.
بالنسبة للسياسة الخارجية، كان نهج ترمب تجاه أوكرانيا مُدللاً لروسيا بالنسبة للعديد من منتقديه، ومتسامحاً مع إسرائيل بالنسبة لآخرين. وهذه أيضاً مجالات تتطلب بعض الإقناع من ترمب. وهنا نصل إلى جوهر السبب الذي يجعل المئة يوم القادمة تُحدد نجاح أو فشل ليس فقط ولاية ترمب الثانية، بل على الأرجح إرثه التاريخي بأكمله.
من أصعب المواقف التي قد يواجهها السياسي هو عندما يعتقد حقاً أن هدفاً شائعاً جداً لا يمكن تحقيقه إلا بوسائل أقل شعبية، وهذا بالضبط ما نراه في أصعب قضايا ترمب الثلاث.
يتمنى جميع الأميركيين تقريبا أن تزدهر مدننا الصناعية الصغيرة مجدداً، لكن الرسوم الجمركية وسيلة مخيفة لتحقيق ذلك.
كما يتمنى جميع الأميركيين تقريباً التخلص من أسوأ المجرمين بين صفوف المهاجرين غير الشرعيين، ولكن ماذا لو رفض قاض فيدرالي ذلك؟
ويكاد الجميع يرغب في السلام في أوكرانيا، لكن قطع المساعدات وتدليل روسيا أمر غير مقبول.
خلال المئة يوم القادمة، ستبلغ هذه المشاكل الثلاث في خاصرة ترمب ذروتها، مع فرض رسوم جمركية أو اتفاقيات تجارية، وبدء عمليات الترحيل الجماعي بأقصى سرعة، ووجود إجابة واضحة على سؤال ما إذا كان ترامب قادرا على إحلال السلام في أوكرانيا أم لا.
إن طموح وحماسة إدارة ترمب في المئة يوم الأولى لا مثيل لهما في الذاكرة الحية، ومع وجود حكومة غير تقليدية تضم شخصيات مثيرة للجدل مثل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل ووزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت كينيدي الابن، فإن نسبة تأييد ترامب البالغة 45% في متوسط استطلاعات الرأي لموقع "ريل كلير بوليتيكس" جيدة جداً.
هناك من داخل الحزب الجمهوري من يشعرون بقلق معقول بشأن انتخابات التجديد النصفي في العام المقبل، والذين يرغبون في رؤية ترمب يبطئ من سياساته أو يعتدل فيها، ولكن أصواتهم من المرجح أن تقع على آذان صماء.
في الحقيقة ترمب ليس في مزاج للتراجع، ومؤيدوه الأساسيون، أبناء الطبقة العاملة الذين جعلوه الوجه الجديد للحزب الجمهوري، في غاية السعادة، ويشعرون بأن رئيسهم يمثلهم أكثر.
وستحكي الأيام المئة القادمة قصة عهد ترمب، ولكن سواء فاز أو خسر أو تعادل، هناك أمر واحد مؤكد تقريبا: سيخرج ترمب كما دخل، يقاتل.