بقلم "رياض قهوجي"
تعمل الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع على إعادة بناء جيش جديد لدولة موحدة، بنظام مركزي يضم جميع مكونات البلد ويوفر الأمن والأمان ويحمي الحدود. ولم يكن مفاجئاً اعتماد الشرع على قوات الفصائل السورية المعارضة لتكون نواة جيش المستقبل، فمن الطبيعي أن يستخدم الفصائل الموالية له للانطلاق بعملية إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، تكون جامعة وعادلة وحامية لجميع مكونات سوريا من سنّة، وعلويين، ودروز، ومسيحيين، وأكراد.
ومضى على سقوط نظام الأسد وانطلاق هذه العملية قرابة خمسة أشهر، شهدت خلالها سوريا تطورات عدة، لاسيما منها تنامي الدعم العربي والدولي للإدارة الجديدة مما يسهل رفع العقوبات ودخول أموال المساعدات والاستثمارات التي تحتاجها الدولة بشدّة. لكن هذا لن يحدث إن لم تتمكن الإدارة الجديدة من بناء قوات عسكرية وأمنية تنال ثقة مكونات الشعب السوري، والقوى الغربية والعربية.
وشهدت الساحة السورية منذ سقوط النظام صدامات داخلية ذات بعد مذهبي وطائفي وعرقي بين قوات الأمن الجديدة ومجموعات مسلحة في أماكن عدة من الجنوب إلى الشمال وصولاً إلى الساحل. وكان من المتوقع أن تشهد سوريا بعض المواجهات مع ما تعرف بفلول النظام السابق، إنما تكرر الصدامات مع مجموعات مسلحة في المناطق ذات الغالبية الدرزية أو الكردية أو العلوية، ينعكس سلباً على الإدارة السورية ويزعزع الثقة الدولية بقدرتها على ضبط الأوضاع. وهذا يحتم على القيادة السورية الجديدة مراجعة خطواتها وخططها لإجراء تعديلات تصحح الوضع وترفع من منسوب الثقة بها وتزيد من فرص نجاحها.
أعلنت الإدارة عن خطط وخطوات لبناء القوات المسلحة. فهي أعلنت سابقاً عن حل جميع الفصائل المسلحة وضمها إلى وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام. كما بدأت بعمليات تطويع في صفوف القوات المسلحة والأمنية وأعلنت عن تخريج دفعات من الجنود. لكن ما توافر من معطيات ومعلومات وفيديوات يظهر أن الإدارة الجديدة لا تزال تتصرف كأنها في حكومة محافظة إدلب ما قبل سقوط النظام. وبما أن سوريا هي دولة تضم مكونات مختلفة بالإضافة إلى الأكثرية السنية، فعلى الجيش السوري أن يكون علمانياً، هوية وشكلاً وعقيدة، ويجب ألا يسمح بتربية اللحى كما هي الحال اليوم بالمجموعات ذات العقيدة السلفية، وأن تكون جميع العناصر من جميع المذاهب والأعراق بمظهر واحد. كما يجب أن تكون شعاراتهم وطنية وألا يرفعوا أي رايات غير العلم السوري أو علم الجيش السوري.
يجب ألا تبقى عناصر كل فصيل مسلح تمّ حلّه مجتمعة معاً في كتيبه أو سرية واحدة، لأن هذا يبقي على عقلية الميليشيا ضمن هذه المجموعات التي ستبقى كل واحدة تابعة لقائدها، وبالتالي لن تكون منضبطة ضمن تراتبية قيادة تابعة لوزارة الدفاع أو الداخلية. لذلك، شهدنا تحركاً لهذه المجموعات بشكل يتناقض مع توجهات وزارة الدفاع أو غير منسق معها، مما ساهم في تعقيد الوضع ميدانياً في أكثر من مناسبة. يجب أن تعمد وزارة الدفاع إلى توزيع عناصر كل فصيل على كتائب ومجموعات قتالية في أماكن عدة من الدولة، وتشكّل سرايا تضم مقاتلين من جميع المذاهب والأعراق، فإذا ما قامت وزارة الدفاع بنشر قوات تكون من اللون المذهبي نفسه لكل منطقة، فهي تساهم بشكل غير مباشر في تقسيم البلد. وإذا ما بقيت القوات من لون واحد – سنّي – فهي ستفقد ثقة المكونات الأخرى بالدولة، مما سينعكس سلباً خارجياً ويعزز طروحات الفيدرالية.
على القيادة السورية الجديدة أن تتخذ قرارات صعبة وحازمة في ما خص تنظيم قواتها المسلحة. يجب أن تجري عمليات تأهيل للعناصر قبل أن ينضموا الى صفوف الجيش النظامي الوطني، بحيث تتمحور العقيدة حول الحفاظ على الدولة المدنية والدفاع عن أهلها ومكوناتها كافة. كما يجب تدريبهم على الانضباط والتزام أوامر مرؤوسيهم وكيفية التعامل مع المدنيين. ويستحسن الاستعانة بخبرات خارجية في عمليات التأهيل والتدريب لضمان ولادة جيش وطني قوي وفعال، يساعد بانتقال سوريا إلى مرحلة جديدة، بعيدة من الفساد وممارسات النظام السابق من فساد وقمع المواطنين والتمييز المذهبي.
كذلك فإن إسرائيل تستغل التركيبة الحالية للقوات المسلحة والأمنية لزرع الفتنة وتغذيتها، بالإضافة إلى فلول النظام السابق وحلفائهم في محور الممانعة بقيادة إيران، التي تحاول أن تجر قوات الأمن الى مواجهات في مناطق الساحل ذات الغالبية العلوية، والتي ستظهر كأنها حرب أهلية بسبب اللون الواحد الإسلامي لقوات وزارة الدفاع والأمن العام. ومثلما نزع أبو محمد الجولاني (وبعض قادة الفصائل الأخرى) بدلته العسكرية وارتدى الزي المدني وربطة العنق، وبات يتصرف وغيره من قادة الفصائل كرجال دولة مدنية، على المقاتلين من الفصائل أن يقوموا بتغيير هندامهم وشكلهم ويتصرفوا كعناصر وجنود في جيش وطني علماني. وعليه، يجب تسريع آلية تأهيل العناصر ودمجهم في كتائب وسرايا من سائر أرجاء الوطن، وتجنيد مقاتلين من مكونات الشعب السوري كافة، من أجل وأد الفتن الداخلية وبناء الثقة محلياً ودولياً للنهوض بالدولة الجديدة.