عاجل:

لبنان بين ساعة الديبلوماسية ودقّات الحرب: أسئلة بلا أجوبة، مفتوحة على كافة الاحتمالات (خاص)

  • ٣٧

خاصّ - "ايست نيوز"

جوي ب. حداد

بين عيدي الميلاد ورأس السنة، لا يشبه المشهد اللبناني أي مشهد احتفالي. بلدٌ يقف على تخوم حربٍ محتملة، فيما السياسة تتحرّك تحت سقف الوقت لا تحت سقف الضمانات. الدبلوماسية تركض، لكن الحرب لا تنتظر. وفي هذا الفراغ القَلِق، تُطرح أسئلة مصيرية: هل ما يجري هو احتواء مؤقّت أم تأجيل انفجار؟ وهل يملك لبنان، فعلًا، فرصة أخيرة قبل أن تتقدّم الميدان على الطاولات؟

أولًا: لجنة التنسيق.. حين يرتفع التمثيل ويضيق الهامش

الاجتماعات الدولية المعنية بالوضع الحدودي دخلت مرحلة مُختلفة، ليس بسبب البيانات أو التسريبات، بل بسبب رفع مستوى التمثيل السياسي والأمني. هذا التطوّر لا يُقرأ كإجراء شكلي، بل كرسالة واضحة بأن الملفّ لم يعد تقنياً بل استراتيجياً.

عندما ينتقل النقاش من ضباط ميدانيين إلى شخصيات مدنية وأمنية رفيعة، فهذا يعني أن الوقت يُقاس بالأسابيع لا بالأشهر، وأن أي خلل قد يفتح الباب على سيناريوات أكبر من قدرة لبنان على تحمّلها.

ثانياً: الحقيقة في مواجهة الضجيج الإعلامي

في لحظات التوتّر، تزدهر الشائعات. خرائط، خطوط، مناطق عازلة، ووقائع تُرسم على الورق قبل أن تُرسم على الأرض. غير أن المُعطيات الجدية تفيد بأن جزءًا كبيرًا مما يُتداول إعلاميًا لا يمتّ للواقع بصلة.

لا خرائط جديدة، لا تقسيمات ثلاثية، ولا مشاريع مناطق مغلقة قيد البحث. الخطورة الحقيقية ليست في ما يُخطَّط سرًا، بل في ما يُضخ علناً لإثارة الهلع أو لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.

ثالثاً: الجيش اللبناني… تحت المجهر الدولي

للمرّة الأولى منذ سنوات، يُنظر إلى أداء الجيش اللبناني من زاوية مُختلفة. ليس بوصفه مؤسسة متلقّية للمساعدات فقط، بل كطرف فاعل يُختبر ميدانيًا.

الوقائع تشير إلى تقدّم ملموس في تنفيذ الخطة العسكرية الموضوعة، وإن لم تكتمل بعد. الجهد كبير، التنسيق قائم، والاستجابة للمعطيات المتوفّرة مرتفعة. لكن في الحسابات الدولية، لا يُكافأ “التحسّن”، بل تُقاس النتائج النهائية.

بمعنى آخر: الرضى الحالي مشروط، والزمن هو العامل الحاسم.

رابعاً: التواصل غير المعلن… ما يُقال وما لا يُقال

بعيدًا عن الخطابات العالية السقف، هناك مسار آخر يجري بهدوء: تواصل عسكري غير مُباشر قائم منذ أكثر من عام، بوساطة دولية. هذا المسار لا يعني تطبيعًا ولا تفاهمات سياسية، بل إدارة اشتباك محسوبة تهدف إلى منع الانزلاق غير المحسوب.

المفارقة أن هذا التواصل، الذي ينكره البعض علنًا، هو نفسه الذي يمنع اليوم توسّع النار. لكنه يبقى هشاً، قابلًا للتعطيل في أي لحظة إذا تغيّرت الحسابات الإقليمية.

خامساً: الرئاسة والولايات المتحدة انتظار الإشارة

في السياسة، ليست المُجاملات دعوات رسمية. الحديث عن علاقات رئاسية دولية لا يُقاس بالتصريحات الإعلامية، بل بالمراسلات والجدولة والبرامج. حتى اللحظة، لا شيء ملموس.

وهنا بيت القصيد: غياب الدعوة لا يعني رفضًا، لكنه يعني أن لبنان ليس أولوية بعد. والبلد الذي ينتظر الاهتمام الدولي، عليه أولًا أن يثبت أنه قادر على ضبط ساحته.

سادساً: هل تتوسع الحرب؟ السؤال الذي لا إجابة له

عندما تُسأل الجهات الدولية عن احتمال توسّع الحرب، يأتي الجواب واضحاً ومقلقاً في آن: كل الخيارات مفتوحة.

هذا ليس تهديداً، بل توصيف بارد للواقع. فطالما أن الميدان لم يُحسم، والدبلوماسية لم تُنتج اتّفاقاً نهائياً، يبقى الإحتمال قائماً. الفرق الوحيد أن أحدًا لا يريد الحرب الآن، لكن أحدًا لا يستطيع ضمان منعها لاحقًا.

سنة تُقفل: ولبنان بلا شبكة أمان

يُقفل العام ولبنان لا يزال واقفاً على الحافة. لا حرب شاملة، ولا سلام مُستدام. فقط هدنة هشّة، مشروطة، وقابلة للانهيار.

الرهان ليس على الخارج فقط، بل على قدرة الداخل على التقاط اللحظة. لأن ما بعد هذه السنة لن يُدار بالمُسكّنات ولا بالبيانات، بل بالوقائع.

وفي بلد اعتاد أن يدفع ثمن التأجيل، قد يكون العام المقبل أقلّ تسامحاً مع الأخطاء.

في بلدٍ يقف على حافة كلّ الاحتمالات، هل ننتظر قرار الحرب من الخارج، أم نعترف أخيراً بأن أخطر ما يواجه لبنان هو عجزه عن اتّخاذ قرار إنقاذ نفسه؟


المنشورات ذات الصلة