عاجل:

نوّاب على مقاس الوهم: من يشتري النفوذ يبيع الدولة (خاص)

  • ٨٩

خاص - "إيست نيوز"

جوهر فضيحة "ابو عمر" ، لا تكمن في وجود محتال، فالمجتمعات كلّها تعرف المحتالين، بل في وجود طبقة سياسية مستعدّة لشراء الموقع والشرعية بأي ثمن، ولو من باب الوهم. الخلل الحقيقي ليس في “أبو عمر” ومن على شاكلته، بل في نواب ومسؤولين قبلوا لأنفسهم أن يتعاملوا مع شخص بلا صفة، بلا تفويض، بلا إطار قانوني، فقط لأنّه أوحى لهم بما يريدون سماعه: وعدٌ بنفوذ خارجي، إشارة دعم، أو باب عبور إلى موقع أو دور أكبر.

هذا السلوك ليس خطأً فرديًا ولا زلّة عابرة، بل تعبير صارخ عن ثقافة سياسية مريضة ترى في الدولة عبئًا لا مرجعية، وفي المؤسسات عائقًا لا مصدر شرعية. ثقافة تختصر العمل العام بالعلاقات والوساطات، وتستبدل الإرادة الشعبية بإيحاءات خارجية، حقيقية كانت أم مختلقة. الأخطر من ذلك أنّ بعض هؤلاء، بدل الاعتراف أو المساءلة، يختبئ اليوم خلف الصمت، محاولًا إعادة إنتاج نفسه كـ«ضحية خداع»، فيما الوقائع تشير إلى شراكة في الوهم، أو على الأقل استعداد واعٍ للاستفادة منه.

هنا، يصبح السؤال موجّهًا أيضًا إلى المواطنين. فإعادة انتخاب نائب أو مسؤول تورّط في هكذا سلوك، أو صمت عنه، أو حاول التستّر عليه، ليست فعل حياد ولا نسيان، بل مشاركة مباشرة في إعادة إنتاج الانحطاط السياسي نفسه. الصوت الانتخابي ليس حقًا فقط، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية. ومن يختار ممثّلًا يبحث عن شرعيته في الخارج، أو يراهن على أوهام النفوذ بدل العمل المؤسساتي، إنما يوقّع مجددًا على تفويض مفتوح بالفساد السياسي والرمزي.

النقد هنا يجب أن يكون شاملًا وعنيفًا، لا انتقاميًا بل كاشفًا. عنيفًا في مساءلة الخطاب، وفي تفكيك الذرائع، وفي رفض إعادة تلميع الأشخاص أنفسهم تحت عناوين جديدة. فلا يمكن بناء دولة بوجوه تعتبر الموقع غنيمة، ولا ديمقراطية بنواب يفتّشون عن تفويض وهمي بدل تفويض الناس.

إن أخطر ما في هذه القضية ليس أنّ بعض السياسيين صدّقوا كذبة، بل أنّهم أرادوا تصديقها. وأخطر ما يمكن أن يفعله المواطن، هو أن يصدّقهم مرة أخرى.


المنشورات ذات الصلة