عاجل:

أجواء عيد الميلاد في لبنان: بين الفرح التقليدي وتحديات الأزمة الاقتصادية -الاجتماعية (خاص)

  • ١١٢

خاص ـ "إيست نيوز "

عبير درويش

يُعد عيد الميلاد في لبنان مناسبة اجتماعية وثقافية مهمة يعبر فيها اللبنانيون عن الروابط الأسرية والتقاليد الدينية والمجتمعية. إلا أن الاحتفالات في السنوات الأخيرة تتقاطع بشكل واضح مع التداعيات الاقتصادية الحادة التي يعاني منها البلد منذ 2019، حيث ارتفعت معدلات الفقر وتراجعت القوة الشرائية للأسر.

تكشف هذه الدراسة كيف ينعكس هذا الواقع على مظاهر الاحتفال، وكيف تختلف هذه المظاهر بين الأسر اللبنانية، وكيف يمكن مقارنة تأثير الأزمة على احتفالات الميلاد مع أعياد أخرى مثل رأس السنة والأعياد الدينية الأخرى.

1. السياق الاقتصادي والاجتماعي في لبنان

1.1 ارتفاع الفقر وتراجع القوة الشرائية

وفق تقرير البنك الدولي، ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر من حوالي 12% في 2012 إلى 44% في 2022، مع انخفاض واضح في القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور سعر صرف الليرة، مما أدّى إلى تغيّر في سلوك الاستهلاك الغذائي وزيادة تبعية الأسر على السلع الأساسية الأقل تكلفة.

كما يصاحب هذا الأمر تفاوت اقتصادي واضح بين السكان، حيث تزداد نسب الفقر في المناطق الريفية والشمالية من البلاد مقارنةً بمناطق مثل بيروت ذات الدخل النسبي الأعلى.

1.2 ضعف الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة

أدى انهيار الاقتصاد اللبناني إلى ارتفاع هائل في الأسعار، بما في ذلك المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، مما جعل الكثير من الأسر تُجبر على إعادة ترتيب أولوياتها المالية نحو الأساسيات اليومية بدل الإنفاق على الاحتفالات أو الأنشطة الترفيهية.

وفق تقرير لليونيسف، أُظهر أن نسبة كبيرة من الأسر اضطرت إلى شراء الطعام بالائتمان أو حتى بيع ممتلكات منزلية لتأمين المتطلبات الأساسية؛ كما أن أكثر من 80% من السكان يعيشون في فقر، و34% منهم في فقر مدقع.

2. أجواء عيد الميلاد في لبنان في ظل الأزمة

2.1 التزيين والإنفاق

بالرغم من الأزمة المالية، بقيت بعض مظاهر الاحتفال قائمة في المدن مثل بيروت وجبيل، حيث أُضيئت الأشجار والمراكز التجارية، وازدحمت الأسواق بالأشخاص بالرغم من الأسعار المرتفعة في موسم الأعياد.

غير أن دراسة أجرتها مؤسسة “World Remit” أظهرت أن لبنان حلّ في صدارة الدول الأكثر تكلفة في العالم للاحتفال بعيد الميلاد، حيث بلغت تكلفة الإجازة الواحدة على الأسرة الواحدة أكثر من 2000 دولار أمريكي وفقًا لمتوسط تكاليف الطعام، التزيين، والهدايا مقارنة بأسعار العالم.

ويُعزى جزء كبير من هذا الإنفاق إلى تكلفة الطعام التي تمثّل نسبة عالية من ميزانية الاحتفال، مع تأثير واضح للأزمة على ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الاستهلاكية في السوق المحلية.

2.2 الهدايا وتأثير الأزمة

ذكرت تقارير إعلامية Leb Economy أن ارتفاع أسعار الألعاب والهدايا جعَل بعض الأسرغير قادرة على شراء هدايا لأطفالها، مما أثر على مظهر الاحتفال التقليدي، إذ أن الأولويات أصبحت تتركز على تأمين الغذاء والمستلزمات الأساسية بدل الهدايا في كثير من الحالات.

3. التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في الاحتفال

3.1 الفروق بين الأسر

تُظهر الأزمة الفروق الاجتماعية بوضوح:

• الأسر ذات الدخل الأعلى أو التي تتلقى تحويلات من الخارج قد تواصل بعض مظاهر الاحتفال المعتادة، مثل شراء الزينة، تجهيز الولائم، والهدايا البسيطة.

• الأسر ذات الدخل المحدود كثيرًا ما تكتفي بالاحتفال الروحي أو الرمزي، مثل حضور القداس، أو تبادل كلمات المحبة فقط، أو الاحتفال البسيط داخل الأسرة دون صرف كبير.

والمعارك اليومية مع الأسعار أجبرت بعض العائلات على الإبقاء على زينة قديمة من السنوات السابقة أو تجنب شراء جديدة لتقليل النفقات.

3.2 الأبعاد الاجتماعية النفسية

على الرغم من ضغوط الأزمة، أفاد العديد من اللبنانيين بأن الاحتفال يبقى مهمًا من زاوية نفسية واجتماعية، حيث يُنظر إليه كفرصة لتعزيز الروابط الأسرية وتخفيف وقع التحديات اليومية. تعكس الأسواق المكتظة أو تجمعات العائلات نوعًا من المقاومة الرمزية ضد إحباطات الواقع، ما يعطي للأعياد بعدًا نفسيًا يتجاوز البعد المالي.

4. مقارنة بين عيد الميلاد وأعياد أخرى

4.1 عيد الميلاد مقابل رأس السنة

• عيد الميلاد يركز على الأجواء الأسرية والتقاليد الدينية والاجتماعية، وغالبًا ما يتضمن ولائم عائلية، تبادل الهدايا، وزينة تستمر لأيام.

• رأس السنة في لبنان عادة ما يرتبط بالحفلات الموسمية، السهرات العامة، والتجمعات المتعددة في المسارح والفنادق. ومع تأثر الاقتصاد، لوحظ تراجع واضح في إقامة حفلات رأس السنة في الفنادق والمطاعم الفاخرة، حتى على الرغم من أن الأكل والولائم العائلية استمرت بشكل بسيط في بعض الأسر.

4.2 الأعياد الدينية الأخرى

• عيد الفطر، عيد الأضحى، وغيرها من المناسبات الدينية الإسلامية، تشترك مع عيد الميلاد في ذلك الحس الاجتماعي للأسرة والمجتمع، لكن الاختلاف يكمن في مصادر التكاليف: في الأعياد الإسلامية غالبًا ما يكون التركيز على التضحية والولائم الجماعية، بينما في عيد الميلاد تتضمن الزينة والهدايا كعناصر ذات وزن في الإنفاق.

وبسبب الأزمة، انخفض الإنفاق على أمور إضافية غير الأساسية في جميع هذه المناسبات، مما يشير إلى أن الأزمة لا تميز بين طقوس دينية معينة، بل تؤثر على السلوك الاستهلاكي العام للأسر.

تُظهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان تأثيرًا عميقًا على أجواء عيد الميلاد، حيث تُظهر الإحصاءات الرسمية والأدلة الميدانية World Bank تراجع القدرة الشرائية، وتبدّل أولويات الإنفاق لدى الأسر، مع تفاوت واضح بين الطبقات.

 ومع ذلك، يبقى الاحتفال مهمًا من الناحية الاجتماعية والنفسية، إذ يعكس قدرة اللبنانيين على التمسّك بالتقاليد والعلاقات الأسرية بالرغم من التحديات. ويكشف المقارنة مع أعياد أخرى أن الأزمة تشترك في التأثير على سلوك الاحتفال العام للأسر اللبنانية، وليس فقط على عيد الميلاد وحده.

المنشورات ذات الصلة