تأتي الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى لبنان في بحر هذا الأسبوع، في توقيت بالغ الحساسية، حيث يقف لبنان على حافة توازن دقيق بين احتواء التصعيد والانزلاق إلى مواجهة واسعة، في ظل أوضاع إقليمية مضطربة وضغوط دولية متزايدة. ولا يمكن قراءة هذه الزيارة بوصفها حدثاً بروتوكولياً أو تضامنياً فحسب، بل كتحرك سياسي محسوب يحمل في طياته رسائل ومقترحات تتجاوز الشكل إلى الجوهر، وتعكس دورا مصريا يسعى إلى إعادة إنتاج نفسه كلاعب عربي مركزي في منع الانفجارات الكبرى.
ووفق معلومات "اللواء" يحمل رئيس الوزراء المصري إلى بيروت سلة رسائل أكثر مما يحمل مبادرات مكتملة.
الرسالة الأولى موجهة إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ومفادها أن مصر ما زالت ترى في الدولة الإطار الوحيد القادر على حماية لبنان، وأن أي مقاربة تتجاوزها أو تضعفها ستقود حتما إلى مزيد من الانكشاف. وفي هذا السياق، تشدّد القاهرة على ضرورة تحصين الداخل اللبناني سياسياُ واقتصادياُ، لأن هشاشة الداخل هي المدخل الأسهل لأي انفجار أمني.
أما الرسالة الثانية، فهي موجهة إلى القوى السياسية اللبنانية بمختلف أطيافها، وتحمل دعوة صريحة إلى تغليب منطق التسويات المرحلية على سياسات كسر العظم. فالقاهرة تدرك أن موازين القوى الداخلية لا تسمح بحسم سريع لأي ملف خلافي، وأن الرهان على الضغوط قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
الرسالة الثالثة تتصل بالخارج، حيث تسعى مصر إلى لعب دور «لناقل الأمين» لهواجس المجتمع الدولي من جهة، وللمخاوف اللبنانية من جهة أخرى، في محاولة لتقريب وجهات النظر ومنع فرض حلول جاهزة قد تشعل الوضع بدل معالجته.
لا شك أن ملف «السلاح» يبقى العقدة الأكثر حساسية في المشهد اللبناني. ومع اقتراب نهاية العام، حيث تبرز مهلة زمنية جرى تداولها سياسياً لمعالجة هذا الملف، يزداد القلق من أن يتحول الاستحقاق إلى أداة ضغط قد تفضي إلى مواجهة داخلية أو إلى تصعيد خارجي.
في هذا الإطار، تشير المعلومات إلى أن القاهرة قد تطرح، ولو بشكل غير معلن، فكرة تمديد المهلة الزمنية لحصرية السلاح ، لكن ليس كإجراء تقني أو شكلي، بل ضمن مقاربة سياسية أوسع. فالتمديد، من وجهة النظر المصرية، يجب أن يكون مشروطاً بخطوات ملموسة، مثل إعادة تفعيل الحوار الوطني، وتعزيز حضور الدولة في الملفات الأمنية، وخلق مناخ إقليمي أقل توتراً يسمح بمعالجة تدريجية لهذا الملف المعقد، ولا تنطلق هذه المقاربة من إنكار المشكلة، بل من إدراك أن فرض مهل نهائية في بلد غير مستقر قد يدفع الأطراف إلى التشدّد بدل التنازل. لذلك، تبدو القاهرة أقرب إلى خيار «إدارة الأزمة» بدل السعي إلى حل جذري غير ناضج.
وفي تقدير مصادر سياسية عليمة أن ما يميّز الدور المصري في هذه المرحلة هو سعيه إلى لعب دور توازني لا تصادمي. فالقاهرة لا تملك أدوات الضغط الخشنة، لكنها تمتلك رصيدا سياسيا ومعنويا يسمح لها بأن تكون جزءا من شبكة أمان إقليمية تهدف إلى منع الأسوأ. وهي، في هذا السياق، لا تعد اللبنانيين بحلول سحرية، بل تعرض مقاربة واقعية تقوم على تقليل الخسائر ومنع الانفجار الكبير.