عاجل:

زمن استرضاء الولايات المتحدة قد ولى

  • ٤٣

نشرت "روسيا اليوم":

رؤية الولايات المتحدة السلبية لأوروبا اليوم واستعداءها يفرض على الأوروبيين، وخاصة بريطانيا، اتخاذ نهج سياسي أكثر صرامة. بولي توينبي – The Guardian

إن التهديد الأميركي الجديد غريب لدرجة تثير الدهشة، ما يجعل أوروبا، وخاصة بريطانيا، في حالة من عدم التصديق. وللمرة الأولى تعلن الولايات المتحدة نفسها عدوًا لنا. وتبرز أوروبا كخصم رئيسي في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، بينما تبرز روسيا كحليف. وكل ما بدا راسخًا منذ الحرب العالمية الثانية انقلب رأسًا على عقب؛ حيث تصبح أرض الحرية مصدر تدمير للقيم الديمقراطية، بينما تفشل سياسة الاسترضاء.

إن دونالد ترامب يتحدث بوضوح، ويعني ما يقول، ويكره كل ما هو أوروبي باستثناء الأحزاب "الوطنية" الناشئة التي يريد دعمها. وتُحذِّر استراتيجيته من أن أوروبا ستصبح قريبًا "ذات أغلبية غير أوروبية"، مُرددًا نظرية المؤامرة العنصرية المعروفة بنظرية الاستبدال العظيم. ووصف ترامب الأوروبيين بأنهم "ضعفاء" و"متدهورون" و"يدمرون بلدانهم"، ولديهم قادة "أغبياء حقاً"، ورد على سؤال حول ما إذا كانوا سيظلون حلفاء، في مقابلة مع موقع بوليتيكو، بتلميح من التهديد: "الأمر يعتمد".

لاحظوا هذا: تقول الاستراتيجية الأميركية الرسمية إن "تزايد نفوذ الأحزاب الأوروبية الوطنية يبعث على التفاؤل". ويبدو أنه يدعم دعاة القومية المتطرفة في الاتحاد الأوروبي، الذين تشير استراتيجيته إلى أنهم "حلفاء سياسيون".

وتبدو بريطانيا عرضة للخطر بشكل خاص من هذا الصديق الأميركي الذي تحول إلى عدو. ولكن على الأقل هناك دفاع سياسي بسيط واحد يتطلب تحركًا فوريًا. فمن المتوقع أن تنشر الحكومة الشهر المقبل مشروع قانون الانتخابات، لكنها حتى الآن لا تقدم سوى اقتراحات ضعيفة لحماية ديمقراطيتنا من التدخل من قبل جهات معادية. وعلى عكس عديد من الدول، لا نفرض حدًا أقصى للتبرعات السياسية. وترددت أنباء عن نية إيلون ماسك دعم حزب الإصلاح بمئة مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ كاف لشراء حزب سياسي - رغم نفيه لهذا الرقم تحديدًا.

ورغم كون ماسك أجنبيًا، إلا أنه يستطيع فعل ذلك قانونيًا من خلال دفع التبرعات من أرباح شركاته في المملكة المتحدة. وقد اختلف مع فاراج، لكنه قد يعود إليه، وقد يدعم أثرياء آخرون اليمين المتطرف أينما وُجدت فرصة.

لقد نشرت الحكومة هذا الأسبوع استراتيجيتها لمكافحة الفساد، التي وضعتها مارغريت هودج، مسؤولة مكافحة الفساد، بالتعاون مع ديفيد لامي، بهدف وقف التدهور الحاد الذي شهدته المملكة المتحدة هذا العام، حيث تراجعت من المركز الحادي عشر إلى المركز العشرين في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

وقد لاقت هذه الاستراتيجية الجديدة، التي تتناول التهرب الضريبي وغسل الأموال والجهات المهنية التي تُسهّل الفساد - كالمحامين والمحاسبين وشركات العلاقات العامة - ترحيبًا من الناشطين. وتشير الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة إلى أن أكثر من 100 مليار جنيه إسترليني تُغسل سنويًا في بريطانيا، ليس فقط عبر عالم الفساد المتمثل في محلات الحلاقة والتبغ الإلكتروني والحلويات المزيفة، بل يصل الأمر إلى أعلى المستويات. إذ يُخفي الفاسدون سمعتهم وأموالهم على حد سواء، مستخدمين المؤسسات الخيرية والثقافية والمدارس الخاصة والجامعات وفرق كرة القدم، في سعي محموم للحصول على التمويل دون أدنى مساءلة.

لكن أحد جوانب الاستراتيجية يتعلق بالتأثير السياسي؛ حيث تُظهر استطلاعات رأي وزارة الداخلية أن 73% من الناس قلقون بشأن وجود جهات فاسدة في النظام السياسي، ولهم كل الحق في ذلك. وكشفت صحيفة فايننشال تايمز اليوم أن بنكًا ألمانيًا خاصًا قدّم 300 ألف جنيه إسترليني لحزب المحافظين قبل الانتخابات الأخيرة، وبما أن مصدرها أجنبي غير قانوني فقد أُعيدت.

لكن هذا يُظهر مدى رغبة عديد من الجهات في التأثير على انتخاباتنا. كما كُشف أن تبرعًا بقيمة 75 ألف جنيه إسترليني لروبرت جينريك جاء من شركة مقرها المملكة المتحدة حصلت على قروض كبيرة من شركة مسجلة في جزر العذراء البريطانية. وقال جينريك إن التبرع "قانوني وصحيح تمامًا"، وهذا هو الخلل في القانون.

وأفادت اللجنة الانتخابية في هذا الشهر أن تبرعًا بقيمة 9 ملايين جنيه إسترليني لحزب الإصلاح في المملكة المتحدة هو الأكبر على الإطلاق من شخص على قيد الحياة. ومن بين جميع التبرعات لحزب الإصلاح، جاء 75% منها من ثلاثة رجال أثرياء فقط. ولم يكن مبلغ الـ 9 ملايين جنيه إسترليني من أحدهم، وهو مستثمر في العملات المشفرة، بعملات مشفرة، لكن من الممكن أن تكون التبرعات المستقبلية كذلك. وتدرس الحكومة إمكانية حظر التبرعات بالعملات المشفرة، وهو قطاع مشبوه يجب إبعاده تماماً عن التبرعات السياسية.

أما فيما يتعلق بقواعد الضغط السياسي واستعادة استقلالية اللجنة الانتخابية، كما طالبت بذلك الحملات، ننتظر لنرى ما إذا كان مشروع القانون سيكون أكثر صرامة مما تم اقتراحه حتى الآن. وفي الوضع الراهن، يُعدّ تطهير التبرعات السياسية مكسبًا واضحًا لحزب لا يحظى بثقة الجمهور. فقد نجح هودج في جرّهم إلى مرحلة مراجعة الأمر على الأقل، وعليهم تنفيذه الآن.

وكما تقترح منظمة "فول فاكت" واللجنة الانتخابية وائتلاف من منظمات الديمقراطية ومكافحة الفساد، هناك حاجة إلى إصلاحات متعددة: كوضع حد أقصى سنوي للإنفاق على الحملات الانتخابية، بدلًا من تقييده فقط في الفترة التي تسبق الانتخابات، مما يمنع إنفاق مبالغ طائلة على إعداد البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي مسبقًا. وهم يطالبون بحد أقصى للتبرع الفردي قدره 15 ألف جنيه إسترليني، ولكن أي حد أقصى سيكون بداية جيدة.

وسيتطلب الأمر إجراءات حاسمة لاستعادة ثقة الجمهور، ولكن بإمكان حزب العمال تبديد الشكوك العامة بعد الإحراج الأخلاقي البسيط، وإن كان مؤلمًا، الذي تعرّضت له الحكومة بقبولها هدايا وتذاكر. فشراء الألقاب بالمال غير قانوني، لكن بإمكان أحد المتبرعين المحافظين الذين يتبرعون بأكثر من 3 ملايين جنيه إسترليني للحزب أن يحصل على مقعد في مجلس اللوردات.

وبذلك يجب إيقاف تبرعات الشركات والنقابات عندما تثير هذه المبالغ الطائلة المتداولة في أروقة السياسة اشمئزاز العامة. كما يجب مواجهة غضب الشعب بجرأة من خلال توضيح أن الدعم الحكومي للسياسة أهون شرًا من الفساد الخاص.

يقول بيان حزب العمال: "سنحمي الديمقراطية بتعزيز القواعد المتعلقة بالتبرعات للأحزاب السياسية"، فهل سيتحقق ذلك حقًا؟

إن التهديد الديمقراطي مُرعب. لقد ولّى زمن التردد وزمن استرضاء الولايات المتحدة وزمن التظاهر بإمكانية نجاح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزمن السماح بدخول الأموال الطائلة إلى السياسة. وبالنسبة لحكومة متدنية الشعبية إلى هذا الحد فإن الجرأة هي السبيل الوحيد للتقدم.


المنشورات ذات الصلة