عاجل:

الحدّ الأدنى للأجور في لبنان… رقمٌ “نظري” في اقتصادٍ يستهلك العمال ويُقزّم معيشتهم (خاص)

  • ١٣٨

خاص ـ "إيست نيوز"

عبير درويش

في بلدٍ يعيش منذ عام 2019 واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، تتعمّق الفجوة بين مداخيل اللبنانيين وتكاليف معيشتهم بوتيرة غير مسبوقة. ومع غياب خطة حكومية واضحة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، بات الحدّ الأدنى للأجور في لبنان رقماً ورقياً لا يمتّ بصلة إلى الواقع، فيما تُظهر الأرقام حجم الانهيار الاجتماعي الذي يهدّد استمرارية الطبقة المتوسطة ومعيشة العمال.

فجوة تتّسع: 312 دولاراً مقابل 627 دولاراً للحاجات الأساسية

الحدّ الأدنى الرسمي للأجور في لبنان محدّد بـ 28 مليون ليرة، أي ما يعادل 312 دولاراً بسعر الصرف في السوق.

إلا أنّ المعايير المعيشية تُظهر أن هذا الرقم لا يغطي سوى 41% من كلفة البقاء على قيد الحياة، وأن أقل من 32% من الإنفاق الشهري عند خط الفقر، وبحسب برنامج الأغذية العالمي، تحتاج أسرة من خمسة أفراد إلى 627 دولاراً لتأمين حاجاتها الأساسية، فيما يحتاج الفرد إلى 492 دولاراً فقط للبقاء على قيد الحياة.

أمام هذه الفجوة الهائلة، يكشف تقرير البنك الدولي (2024) ارتفاع معدّل الفقر من 12% عام 2012 إلى 44% عام 2022، وسط نسب صادمة في بعض المناطق، مثل عكار حيث بلغت 70%.

شدياق: “الأجر الحالي بلا قيمة… والحد الأدنى المقبول يجب أن يبدأ من 600 إلى 800 دولار”

قدّم الباحث الاقتصادي عماد شدياق عبر "ايست نيوز" رؤية صريحة حول انهيار قيمة الأجور، مؤكداً أنّ الحدّ الأدنى الحالي "لم يعد ذا أي قيمة عملية" بعد الانهيار النقدي وعودة الأسعار إلى مستويات ما قبل 2019، بل في بعض الأحيان إلى مستويات أعلى. 600–700 دولار كحد أدنى واقعي… و800 دولار كرقم أكثر منطقية

ورأى شدياق أن أي حد أدنى أقل من 600 إلى 700 دولار لم يعد منطقيًا، مضيفًا أنّ رقم 800 دولار قد يشكّل حدًّا معقولًا إذا ترافق مع تحسين خدمات حيوية كالكهرباء والمياه والنقل العام.مضييفا: “لا يمكن أن تُحتسب المواصلات، والكهرباء، والمواد الغذائية بالدولار، بينما يبقى راتب المواطن بالليرة أو بدولار هشّ لا يغطي حاجات يومين.”

والمفارقة يضيف شدساق: الدولة تُحمّل المواطن كلفة خدمات غير موجودة. فهو يدفع فاتورة كهرباء بالدولار، فاتورة مولّد أعلى، كلفة نقل متضخمة، وخدمات عامة رديئة. بينما راتبه لا يزال على مستوى البلدان ذات الدعم الكامل والخدمات المجانية.

غياب النقابات… وارتفاع حالات العمل بلا ضمانات

يؤكد شدياق أنّ تراجع دور النقابات الفعّال فتح الباب أمام فوضى كاملة: تترجم بعمّال يتقاضون أقل من الحدّ الأدنى، وموظفون برواتب لا تغطي حتى بدل النقل، وغياب شبه كامل للرقابة الرسمية.

ويضيف: “عشرات آلاف العمال اليوم يتقاضون رواتب تقلّ عن كلفة طعامهم الشهري. كيف يمكن الحديث عن كرامة معيشية؟”

تحسين الخدمات أولًا… قبل أي رقم جديد

يرى شدياق أن أي زيادة شكلية للأجور لا معنى لها من دون تحسين البنى التحتية الأساسية.

ويقدّم مثالًا:

“إذا حصل الموظف على زيادة 200 دولار، مقابل كلفة كهرباء ومولد ومواصلات تتخطى 300 دولار، فهذه زيادة شكلية. المطلوب خدمات فعلية تخفّف العبء عن الراتب.”

محمود شحادي: “الحد الأدنى الحالي رقم نظري… والحد العادل هو 1000 دولار”

من جهته، يذهب الخبير والنقابي محمود شحادي في حديثه الى "ايست نيوز" أبعد من شدياق، معتبرًا أن الحدّ الأدنى الحالي هو حرفيًا “رقم تجميلي” لا يعكس أي واقع اقتصادي. وان الألف دولار… الحد الأدنى الفعلي لأسرة صغيرة. وإلّا تبقى الأسرة تحت خط الفقر المدقع. وهو يحتسب للمسكن، الطعام، النقل، الصحة، التعليم وهي جميعها السلة الأساسية لأي عائلة عاملة.

فجوة تتجاوز 60% بين الراتب الحالي والمطلوب

مقارنة 312 دولارًا مع 1000 دولار، تتجاوز الفجوة 60%، وهي نسبة تُعدّ من الأكبر عالميًا في الاقتصادات المنهارة.

تداعيات اجتماعية خطيرة:

يحذر شحادي من أن الحد الأدنى الحالي: يدفع آلاف الشباب إلى الهجرة، يضرب الاستقرار الاجتماعي، يرفع مستويات التوتر والاكتئاب بين العاملين، ويقضي تدريجيًا على ما تبقى من الطبقة الوسطى.

71% من العمال خارج الحد الأدنى أو بلا ضمانات

يشير شحادي إلى أنّ نسبة كبيرة من العمال في القطاعات: الزراعية، الخدمات المنزلية، الورش الصغيرة، لا يحصلون على الحد الأدنى أصلًا، وبعضهم يعمل بلا عقود ولا ضمان اجتماعي. وهو ما يجعل رفع الحد الأدنى ضرورة حماية وليس مجرد رقم.

ربط الأجور بالتضخم… ضرورة لا خيار

يشدّد شحادي على تطبيق السلم المتحرّك وربط الأجر بمؤشر الأسعار سنويًا، عبر لجنة المؤشر، لضمان تحديث تلقائي يواكب الأسعار بدل الانهيار الدوري.

منظومة منهارة… وأرقام تكشف عمق الأزمة

أبرز المؤشرات:

• 312 دولاراً: الحدّ الأدنى الرسمي

• 627 دولاراً: كلفة الحاجات الأساسية لأسرة

• 492 دولاراً: كلفة البقاء على قيد الحياة للفرد

• 600-800 دولار: الحد الأدنى "المقبول" وفق شدياق

• 1000 دولار: الحد الأدنى الفعلي وفق شحادي

• 70%: نسبة الذين يعجزون عن تأمين احتياجاتهم الأساسية

• 44%: نسبة الفقر الوطني

• 70%: نسبة الفقر في مناطق مثل عكار

• 41%: نسبة تغطية الحد الأدنى لكلفة البقاء

• 32%: نسبة تغطية الحد الأدنى لكلفة الفقر

غياب رؤية اقتصادية يعمّق الكارثة

يجمع شدياق وشحادي على أنّ المشكلة ليست في الرقم فقط، بل في:

• غياب خطة اقتصادية شاملة،

• انعدام الرقابة،

• ضعف النقابات،

• تسيّب المؤسسات،

• وانفلات الأسعار مقابل جمود الأجور.

ويؤكد الطرفان أن أي محاولة لرفع الأجور من دون إصلاحات بنيوية في الخدمات والضرائب والسياسات النقدية ستتحول إلى رقم إضافي يذوب خلال أشهر.

خلاصة: إصلاح جذري أو حدّ أدنى بلا قيمة

لإعادة التوازن بين الدخل والكلفة، يؤكد الخبراء ضرورة وضع سلة استهلاكية رسمية تُحدَّث دوريًا، ربط الأجور تلقائيًا بالتضخم، تفعيل النقابات والرقابة تحسين الخدمات: كهرباء، نقل عام، ماء

 ضبط الأسعار وإقرار خطة اقتصادية شاملة توقف الانهيار. ومن دون هذه الشروط، سيبقى الحدّ الأدنى للأجور رقماً شكلياً، وسيبقى اللبناني يواجه معيشة تتضاعف كلفتها فيما يتقلّص دخله، في معركة يومية عنوانها: العمل بلا قدرة على العيش.

المنشورات ذات الصلة