عاجل:

جوهرٌ دينيٌّ واحدٌ وإن تعدَّدت الأديان ( آراء حرة )

  • ٢٨

كتب الدكتور "فريد جبور"


لطالما شكّل سؤال «جوهر الأديان» إشكالية مركزية في الفكر البشري، تتجاوز الجوانب الشكلية للأديان، لتصل إلى العمق الروحي والتجربة الإنسانية المشتركة. فبين تعدد الأديان والطقوس الرمزية والأساطير، يظهر سؤال أساسي: هل هناك جوهر روحي واحد يربط بين كل الأديان؟


تستند هذه الدراسة إلى فرضية مفادها أن الإنسان، بغض النظر عن ثقافته أو موقعه الجغرافي، يسعى إلى فهم الوجود، البحث عن المطلق، تحقيق الانسجام النفسي والاجتماعي، وإيجاد معنى للمعاناة والحياة. لذلك، فإن وحدة الجوهر الديني ليست مجرد فكرة فلسفية، بل نابعة من التجربة الروحية الإنسانية نفسها (Eliade, 1958).


الهدف من هذا البحث هو تقديم دراسة متكاملة وشاملة، تجمع بين:


التحليل التاريخي للأديان


النظرية الفلسفية والميتافيزيقية


الدراسات اللاهوتية المقارنة


الميتولوجيا وتحليل الرموز


الأنثروبولوجيا الاجتماعية والدين النفسي



مع تقديم جداول مقارنة مفصلة لتوضيح التشابهات والاختلافات بين الأديان، والاعتماد على هوامش ومراجع موثقة وفق الأسلوب الجامعي.



الفصل الأول: الإشكالية النظرية لوحدة الجوهر الديني


تقوم فكرة وحدة الجوهر الديني على فرضية أساسية: أن الإنسان، عبر كل العصور، يسعى إلى ثلاثة أهداف مركزية:


1. البحث عن العلّة الأولى والمطلق: فهم ما وراء الظواهر المادية، ما يشير إليه أفلاطون بالمطلق، وأرسطو بالمحرّك الأول (Kirk & Raven, 1957).



2. تفسير معنى الحياة والمصير: الحاجة لفهم أصل الوجود، والغاية من الحياة، والاتصال بما هو مقدس (Kierkegaard, 1844).



3. تحقيق الخلاص النفسي والروحي: التخلص من القلق الوجودي، والوصول إلى الانسجام الداخلي، وهو هدف مشترك في جميع التجارب الدينية.




بالرغم من اختلاف الصور الدينية، تظهر الدراسات المقارنة أن هناك أنماطًا مشتركة في العقائد، الرموز، والطقوس، مما يدعم فرضية وجود جوهر ديني واحد (Campbell, 1949).


الفصل الثاني: تطور الظاهرة الدينية عبر التاريخ


يشير التاريخ إلى أن الدين تطور في ثلاث مراحل رئيسية:


1. المرحلة البدئية:


ظهور الطقوس البسيطة، عبادة الأرواح، وتقديس الطبيعة.


الرموز الأسطورية البدائية: الشمس، القمر، الأنهار، الأشجار (Frazer, 1890).


2. المرحلة التعددية:


ظهور آلهة متعددة تمثل قوى الطبيعة أو الجماعة أو القبيلة.


تشكيل الأساطير الوطنية أو القومية.


3. المرحلة التوحيدية:


ظهور الأديان الإبراهيمية: التوحيد الخالص، الوحي السماوي، والكتب المقدسة.


التوحيد يظهر أيضًا في الهندوسية والفلسفات الشرقية من خلال فكرة البراهمان والوحدة الكونية.


تظل العناصر الثابتة عبر كل المراحل: ثنائية الخير والشر، الطقوس الطقسية، الاعتراف بالقوة العليا، وفكرة البعث والحياة بعد الموت.

الفصل الثالث: الفلسفة والميتافيزيقا ووحدة الجوهر الروحي


الفلسفة الكلاسيكية والميتافيزيقا تقدم تفسيرات عميقة لمفهوم الجوهر الديني:


أفلاطون: الخير الأسمى كمبدأ مطلق يفسّر العالم.


أرسطو: المحرّك الأول سبب لكل الموجودات.


ابن سينا: واجب الوجود، حيث يتحدّ العقل مع الوجود المطلق.


الهندوسية: البراهمان الواحد يمثل الوحدة الكونية.


الطاوية: الطاو كقوة خفية تدير الكون.

تجمع هذه التصورات على أن الهدف النهائي هو إرجاع الكثرة إلى الواحد، أي الوصول إلى المطلق بوصفه حقيقة مشتركة لكل البشر.


الفصل الرابع: اللاهوت المقارن وتجليات الإله


اللاهوت المقارن يكشف التشابهات الجوهرية بين مفاهيم الإله في الأديان الكبرى:


الدين الجوهر الشكل الغاية


اليهودية واحد شخصي العهد

المسيحية ثالوث تجسّد الخلاص

الإسلام توحيد مطلق بلا تجسيد الهداية

الهندوسية براهمان متعدد التجليات الاتحاد الروحي

الطاوية المبدأ الكوني غير شخصي الانسجام


رغم اختلاف التفاصيل، يتفق كل الدين على وجود قوة عليا مطلقة، ما يدعم وحدة الجوهر الديني.



الفصل الخامس: الأنثروبولوجيا الدينية وبنية المقدّس


الدين ليس تجربة فردية فقط، بل بنية اجتماعية مركزية:


ينظّم السلطة والعلاقات الاجتماعية.


يخلق رموزًا مشتركة.


يؤسس هوية جماعية.


يوفر معايير أخلاقية متوافقة مع السياق الاجتماعي (Durkheim, 1912).



جميع الحضارات اعتمدت على عناصر مشتركة: مكان مقدس، كاهن، رموز، طقوس موسمية.

الفصل السادس: علم النفس الديني واحتياجات الإنسان الروحية


علم النفس يوضح أن الدين يلبي حاجات نفسية أساسية:

الحاجة للأمان: الشعور بالسيطرة على المجهول.

الحاجة للمعنى: تفسير الوجود والموت.

الحاجة للانتماء: الجماعة الدينية كملاذ.

الحاجة للرجاء: الإيمان بالخلاص والتحرّر (James, 1902).

تؤكد هذه الدراسات أن التجربة الدينية متشابهة نفسيًا، بغض النظر عن الثقافة.


الفصل السابع: الاجتماع الديني وتشكّل الهوية الجماعية


الدين يُشكل الهوية الجماعية ويخلق تماسك المجتمع، من خلال:


تحديد القيم المشتركة.


تنظيم السلوك الأخلاقي.


بناء الذاكرة الجمعية والتاريخ الرمزي (Girard, 1977).


الفصل الثامن: الميتولوجيا، علم الأديان المقارن، وتاريخ الطقوس


الميتولوجيا


الأساطير تمثل لغة رمزية موحدة للتجربة الإنسانية.


عناصر متكررة: خلق الكون، الطوفان، البطل، الإله الميت والبعث (Campbell, 1949).


علم الأديان المقارن


يدرس الرموز، الطقوس، النصوص، والممارسات.


يظهر أن هناك أنماط مشتركة مثل: قربان، طهارة، صلاة، صوم، أعياد التجدد.


تاريخ الطقوس


الطقوس تطورت من بدائية إلى معقدة، لكنها جميعًا تربط الإنسان بالمقدس: ميلاد، تطهير، تضحية، موت وبعث، زمن مقدس.

الفصل التاسع: الجداول المقارنة


جدول 1: الطقوس المشتركة بين الأديان


الطقس اليهودية المسيحية الإسلام الديانات الشرقية


الصوم نعم نعم نعم نعم/تأمل

الصلاة نعم نعم نعم تأمل

الحج نعم جزئي نعم رمزي

الطهارة نعم نعم نعم نعم


تؤكد هذه الدراسة أن:

1. تعدد الأديان لا ينفي وحدة الجوهر، بل يعكس تنوعًا في التعبيرات والرموز والطقوس.

2. كل إنسان يسعى إلى الربط بالمطلق، فهم الكون، تأسيس الأخلاق، والبحث عن معنى للحياة والموت.

3. الدراسات التاريخية والفلسفية واللاهوتية والأنثروبولوجية والميثولوجية تؤكد أن جوهر الدين واحد عبر الحضارات.

4. الفهم المقارن يمكن أن يسهم في تعميق الحوار بين الأديان وتقليل الصراعات عبر التركيز على المشترك الروحي.

الخلاصة: الإنسان، في جوهره، يسعى إلى تجربة روحية واحدة، والأديان تقدم لغات مختلفة لهذا المسعى. لذلك، دراسة الجوهر الديني الواحد لا تعني تقليل قيمة الاختلاف، بل توسيع الفهم الإنساني المشترك.

المنشورات ذات الصلة