عاجل:

لبنان على شفير الانفجار: التحذير المصري والسؤال المصيري "متى"؟ (خاص)

  • ٥٤

خاصّ ـ "إيست نيوز"

جوي ب. حداد

باتَ لبنان أمام مُفترق حقيقي، وسط تحذيرات مصرية رسمية تشير إلى احتمال هجوم بري على أراضيه.

ما كان يُنظر إليه في السابق كاحتمال بعيد، أصبح اليوم محور دراسة رسمية وجدية على المستوى الإقليمي، حيث تؤكّد القاهرة أن "السؤال لم يعد إن يحصل الهجوم، بل متى يحصل".

وفي هذا الإطار، جاءَت زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى قصر بعبدا للقاء الرئيس جوزاف عون، في أوّل زيارة لهُ، لتعكس اهتمام القاهرة بأمن واستقرار لبنان.

وقالَ الوزير خلال اللقاء: “نؤكّد دعم مصر الكامل لمُبادرة الرئيس عون التي أطلقها خلال عيد الاستقلال، ولدعم قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح، ونعمل بجهد مكثف لتجنيب لبنان أي مخاطر تُهدّد أمنه وسلامته”. وأضافَ أن هذه الجهود تأتي بتوجيه مباشر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن مصر تسخر شبكة علاقاتها لدعم التهدئة وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ووقف كل الانتهاكات الإسرائيلية فوراً.

هذا الموقف الرسمي يعكس بوضوح بعداً دبلوماسياً مصرياً قوياً، ويؤكد أن التحذيرات الأخيرة ليست مجرد “تصريحات إعلامية”، بل تأتي في سياق جهود شاملة لحماية لبنان ومنع أي انزلاق نحو مواجهة عسكرية.

دوافع التحذير المصري

تتعدّد الأسباب التي دفعت القاهرة إلى إصدار هذه التحذيرات، على رأسها الخطر المحتمل لتوسع المواجهة في جنوب لبنان. فمصر، كدولة رائدة في المنطقة، تسعى إلى منع أي فتح جبهة حرب إضافية قد تؤدي إلى مواجهة شاملة، لا سيّما أن لبنان يمرّ بأزمة أمنية وسياسية حادّة.

كما يسعى التحذير المصري إلى تعزيز الردع وتقديم إشارات واضحة لكل الأطراف بأن التصعيد قد يحمل عواقب خطيرة، خصوصاً في ظل استمرار التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، وحوادث استهداف مواقع مختلفة، وتزايد المخاطر الإنسانية والاجتماعية في حال حدوث مواجهة مُباشرة.

أخيراً، تلعب القاهرة دور الوسيط والداعم للاستقرار اللبناني، ساعية لإعادة ضبط المشهد الإقليمي عبر الضغط الدبلوماسي وإرسال رسائل تطمين لبنانية ودولية على حد سواء.

ردود الفعل اللبنانية

على المُستوى الداخلي، تواجه الحكومة اللبنانية تحدياً كبيراً بين الالتزام بالدبلوماسية والتحذيرات الدولية، وبين الضغط الداخلي من جماعات مسلحة، أبرزها حزب الله.

الحكومة، وفق تصريحات رسمية، ترى في التحذيرات المصرية فرصة لإعادة تفعيل سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة حصر السلاح بيد الدولة، وتفعيل القانون، ومنع أي أعمال قد تؤدّي إلى تصعيد أمني.

أما حزب الله، فأفادت مصادر قريبة منه أن الإحتمال موجود، لكنه لا يزال ضمن نطاق التخمين، مؤكّدين استعدادهم لأي عدوان محتمل. في المُقابل، يشير الواقع على الأرض إلى تصاعد التوتر، مع استهدافات محدودة في جنوب لبنان، تُظهر هشاشة الوضع الأمني، وضرورة ضبط الأمور قبل انفجارها.

ردود الفعل الدولية والإقليمية

لا يقتصر الاهتمام على لبنان فقط، فالدول العربية والدولية تتابع عن كثب كل تحرك، في محاولة لاحتواء التصعيد ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة.

من بين الدول الأكثر انشغالاً، مصر تعمل بجدية لتنسيق المواقف، مع التركيز على دعم المبادرات اللبنانية الرسمية، ونزع فتيل أي تصعيد محتمل. من جهات دولية غربية، خصوصاً باريس وواشنطن، هناك مُتابعة دقيقة للمشهد اللبناني، نظراً للتداعيات المحتملة على استقرار المنطقة، الأمن الإقليمي، وأمن الطاقة، بالإضافة إلى موجات نزوح محتملة.

الجانب الإنساني الدولي أيضاً يُراقب الوضع عن كثب، إذ تشير التقديرات إلى أن أي مواجهة مسلحة قد تؤدي إلى أزمة كارثية، مع نزوح جماعي، ودمار للبنية التحتية، وزيادة معاناة المواطنين.

السيناريوهات المحتملة

في ضوء التطوّرات والتحذيرات، يمكن التوقع بثلاثة سيناريوهات رئيسية:

1. المواجهة المحدودة: تشمل عمليات إسرائيلية محدودة تستهدف مواقع معينة، مع الحفاظ على نطاق المواجهة تحت السيطرة لتجنب حرب شاملة.

2. الهجوم البري الجزئي: في حال فشل الدبلوماسية، قد يتم شن هجوم بري محدود، يركز على الجنوب اللبناني، مما سيؤدي إلى نزوح مدني كبير وأزمة أمنية داخلية.

3. الحرب الشاملة: أخطر السيناريوهات، ويحدث في حال تدخلت أطراف إقليمية أو تصاعد التصعيد إلى مستوى إقليمي، ما سيدفع دولاً كبرى للضغط على لبنان لإطلاق مسار تفاوضي عاجل.

تقديرات توقيت الضربة

برزت مجموعة قراءات مُتباينة لدى مُحلّلين وخُبراء مُتابعين للملفّ. إذ يرى فريقٌ منهم أنّ أيّ ضربة إسرائيلية محتملة قد تأتي قبل زيارة قداسة الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر للبنان، باعتبار أنّ تل أبيب قد تستغل الزخم السياسي والدبلوماسي المحيط بالزيارة لتوجيه رسالة قوّة. في المقابل، يعتقد آخرون أنّ الضربة إن حصلت ستأتي بعد انتهاء زيارة البابا، تفادياً لأيّ إحراج دولي مُباشر أو ردّ فعل كَنَسي عالمي. فيما يذهب تحليل ثالث إلى أنّ التوقيت المرجّح قد يكون عشية الزيارة، لمُحاولة فرض وقائع ميدانية جديدة قبل وصول الحبر الأعظم، وبالتالي استباق أيّ غطاء دولي أو ديني قد يعزّز موقع لبنان في لحظة مفصلية.

حالٌ من الترقّب يخيّم على الأجواء اللبنانية لما قد يلي زيارة البابا لاوون إلى لبنان، إذ يتعامل كثيرون مع هذه الزيارة كنافذة تهدئة ظرفية. لكن المزاج العام يبقى معلَّقاً على ما إذا كانت هذه الهدنة مُجرد استراحة عابرة أم مُقدمة لمرحلة مُختلفة بالكامل.

لبنان أمام اختبار مصيري

الرسالة المصرية واضحة: كفى تساهلاً مع مآلات التصعيد، وكفى مهادنة في وقت أصبح فيه خطر الإنفجار أعلى من أن يُحتمل. التحذيرات ليست تهديداً فحسب، بل دعوة لخيارات سياسية ودبلوماسية عاجلة، لضمان بقاء لبنان آمناً ومستقراً.

القرار اللبناني الآن بين يدي الحكومة والشعب: هل نستثمر هذا التحذير لتحصين الدولة وإعادة ترتيب البيت السياسي والأمني؟ أم نسمح للتحذيرات بأن تتحوّل إلى واقع دموي؟

في هذا الظرف، الحفاظ على السلم، وضبط السلاح، وتعزيز الحوار الوطني الشفاف ليس خياراً مجرّد، بل ضرورة وجودية، العالم كله، بينما لبنان يسير على حافّة مُنعطف مصيري.

في قلب التوتّر، يبقى السؤال: هل لبنان سيحمي شعبه ويصون استقراره قبل أن يلتهمه الإنفجار القادم؟

المنشورات ذات الصلة