عاجل:

بعد إلغاء زيارة قائده الى واشنطن: الجيش اللبناني في قلب التوتر الدولي... (خاص)

  • ٣٦

خاص - "إيست نيوز"

جوي ب حداد

أحدثت إدارة الرئيس ترامب قرارها بإلغاء جميع الاجتماعات الرسمية لقائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل في واشنطن، بما فيها الحفل الذي كانت السفارة اللبنانية قد جهّزته لاستقباله، حالة من الاهتمام والتساؤل في الأوساط اللبنانية والدولية على حدّ سواء.

ورغم أن هذه الخطوة قد تُقرأ للبعض كبادرة بروتوكولية، إلا أنّ سياقها الزمني والسياسي يكشف عن رسائل أعمق تتعلق بالعلاقات الثُنائية بين لبنان والولايات المتّحدة، وفي الوقت نفسه يسلّط الضوء على صلابة المؤسّسة العسكرية اللبنانية ودورها الوطني الحيوي في الحفاظ على استقرار البلاد في خضم تحديات داخلية وإقليمية مُتشابكة.

الخلفية السياسية للقرار الأميركي

وفق المعلومات المُتوافرة، جاءَ قرار الإلغاء على خلفية البيان الأخير لقيادة الجيش بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، والذي ركّز على الخروقات الإسرائيلية التي طالت المدنيين ومناطق انتشار قوات “اليونيفيل”، من دون الانزلاق في أي سجالات سياسية داخلية أو تقييم مواقف القوى اللبنانية.

هذا النهج، الذي اتّسم بالوضوح والانضباط، لم يتوافق مع توقعات بعض الدوائر في واشنطن، ما دفع بعض أعضاء الكونغرس لإبداء تحفظات مُختلفة حول مقاربة الجيش للموقف الحدودي. ومع ذلك، يظلّ الجيش اللبناني بالنسبة للولايات المتّحدة شريكاً أساسياً في ضمان الاستقرار، وهو ما تؤكده استمرار برامج الدعم والتدريب، رغم أي تحفظات مؤقتة قد تظهر في المواقف السياسية. فالمؤسّسة العسكرية تمثل الركيزة الأساسية للأمن الداخلي في لبنان، وأي تقليل من دورها سيؤثّر مباشرة على قدرة الدولة على مواجهة التحديات.

الجيش مرتكز الاستقرار الوطني

الجيش اللبناني، كأي مؤسّسة وطنية قوية، يثبت يومياً أن الاستقرار الداخلي لا يقوم إلا على مؤسسات كفوءة وملتزمة بواجباتها الوطنية. هذا الدور يجعل أي ضغط خارجي على الجيش أمراً حساساً للغاية، لأنه لا يمسّ المؤسّسة فحسب، بل يطال بنية الاستقرار اللبناني بأكملها.

منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024، حافظ الجيش اللبناني على التزامه الكامل بالقرار 1701، رغم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العسكريين. وقد سجّلت مُستويات عالية من التعاون مع قوات “اليونيفيل”، سواء في ضبط الخروقات أو مُراقبة الحدود ومنع أي انزلاقات ميدانية، ما يعكس الاحترافية العالية التي يتمتع بها الجيش في أداء واجباته الوطنية، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو حزبية.

إن هذه الالتزامات المُستمرّة تؤكّد أن الجيش يشكل العنصر الأكثر ثباتاً في المشهد اللبناني، وأن دوره يتجاوز مُجرّد المهمة العسكرية، ليشمل صيانة السلم الأهلي وحماية الاستقرار الوطني. ومن هنا تأتي أهميّة دعم المؤسّسة العسكرية وتعزيز قدراتها كمسألة وطنية، ليس فقط للبنان، بل لاستقرار المنطقة بأسرها.

الانضباط العسكري في زمن الانهيارات

رغم الانهيار المالي الحادّ والانقسامات السياسية الداخلية، ظلّ الجيش المؤسّسة اللبنانية الأكثر تَماسكاً وانضباطاً، محافظةً على استقلاليتها وحيادها الوطني. من مُكافحة الإرهاب إلى ضبط الأمن في المدن، وصولاً إلى إدارة الحدود الجنوبية، أظهر الجيش قدرة استثنائية على التكيف مع الأزمات وحماية المواطنين والحفاظ على مؤسّسات الدولة، وهو ما جعله الركيزة الوطنية التي يمكن للبنانيين الإعتماد عليها في أصعب الظروف.

إدارة الرسائل الدولية دون المس بالثوابت

يمكن قراءة إلغاء الزيارة كرسالة سياسية ظرفية، تهدف إلى إعادة ضبط إيقاع التواصل بين لبنان والولايات المتّحدة، دون أن تمس جوهر العلاقة بين الطرفين أو قدرة الجيش على القيام بمهامه. فالجيش، رغم أي مواقف خارجية، يثبت يومياً أنه قادر على حماية الأمن الوطني، والحفاظ على الثقة بين مؤسّسات الدولة والمواطنين، ودرء أي انزلاق محتمل في الجنوب أو الداخل.

وعلى الرغم من تقلّب المواقف الدولية، يظل الجيش هو المرجعية الوطنية التي تؤكد أن لبنان قادر على إدارة حدوده وحماية استقراره، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية أو ضغوط سياسية.

الجيش صمام الأمان

يبقى الجيش اللبناني، في هذه المرحلة الدقيقة، الصمام الذي يحمي الاستقرار الوطني. إلغاء زيارة العماد هيكل لا يقلل من مكانة الجيش، بل يسلّط الضوء على أهميته كحارس للوطن ومؤسساته، في وقت تتقاطع فيه المصالح الدولية والإقليمية على الأرض اللبنانية.

إن الجيش، بأدائه الاحترافي والتزامه الثابت، يثبت مرّة أخرى أن الاستقلال الوطني لا يُقاس بالاحتفالات الرسمية وحدها، بل بقدرة المؤسّسة العسكرية على حماية الدولة، وتعزيز الأمن، ودعم الاستقرار، في زمن تتعدّد فيه التحديات الداخلية والخارجية.

محكّ السيادة الوطنية

في ظلّ هذه التحديات الدولية والإقليمية، ومع استمرار دور الجيش اللبناني كحارس للاستقرار، هل سيستطيع لبنان أن يحوّل هذا التماسك العسكري إلى قوّة ضغط سياسية تدعم سيادته الوطنية وتحمي استقلال قراره الداخلي؟

المنشورات ذات الصلة