عاجل:

بصّارة برّاجة... في حرب..لا ما في!؟

  • ٣٣

كتب جورج شاهين في "الجمهورية" 

تقدّمت الأسئلة عمّا ينتظره لبنان من أشكال حرب تلي بعض المحطات الإقليمية على ما عداها، في ضوء المتداول من سيناريوهات تحاكي السباق بين الخيارين العسكري والديبلوماسي، خصوصاً انّ كل المبادرات المعلنة اصطدمت بمجموعة عوائق فرملت بعضها، وأحبطت أخرى قبل الإعلان عنها. وهو ما دفع إلى خيارات البصّارين والبرّاجين، علّ أي منها يحسم الجدل. وعليه، طُرح السؤال عمّا يقود إلى الحرب وعمّا يلجمها؟

لم ولن يتجرأ أي من المسؤولين اللبنانيين على تقديم العرض المؤدي إلى الحرب أو استبعادها. فليس لدى أي منهم ما يحسم في مستقبل الوضع، وما يمكن إسرائيل الإقدام عليه في انتظار معرفة من سيكون إلى جانبها، يشجعها في خياراتها التصعيدية نحو مثل هذه الخطوة أو يلجمها. ففي اقتناع الجميع في الداخل والخارج، أنّ الظروف الداخلية الإسرائيلية ما زالت توحي بأنّ الحرب تشكّل مخرجاً لمجموعة المآزق التي يعيشها رئيس حكومتها، الذي لا يرى منفذاً للتخلص من جلسات التحقيق في ملفات الفساد الملاحق بها، إلّا في حال كانت لديه اجتماعات طارئة لفريق الأزمة او «الكابينيت» المصغّر، الذي يناقش قضايا ما زالت تلامس وجودها في هذا المحيط المدمّر.

على هذه الخلفيات، يحاول المسؤولون الكبار استكشاف ما يمكن أن تقود إليه المبادرات التي بشّرت بإنهاء الحرب في قطاع غزة، كخطوة أولى لا بدّ منها لتنسحب الخطوات التي تليها على الساحات التي انتقلت اليها الحرب بطريقة متدرجة، حتى شملت المنطقة وأبعد منها، تحت شعارات المساندة والإلهاء. وهو أمر بات رهن تشكيل الهيئات الإدارية والعسكرية والأمنية التي يضمّها «مجلس السلام» الخاص بالقطاع، وما زالت قيد التحضير، قبل البتّ بها في مجلس الأمن الدولي لتأخذ ما تحتاجه من تغطية أممية ودولية، تزيد من حجم الضمانات التي اكتسبها الحل، انطلاقاً من مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقاطها العشرين، والمواقف الدولية التي تبنتها أو أعلنت دعمها لها بنحو غير مسبوق.

وقبل التوغل في الظروف التي تتحكّم بمرحلة استشراف المستقبل، وما يمكن أن تقود اليه، ينبغي التوقف عند الظروف الداخلية في إسرائيل، التي لم تستسغ حتى اليوم ما قالت به مبادرة ترامب وما يمكن ان تنتهي إليه، وسط مخاوف من الشروط العربية والدولية التي تبنّى ترامب جزءاً منها، ولا سيما منها تلك المؤدية إلى شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. كما بالنسبة إلى الشكوك الإسرائيلية بوجود نوع من التراخي مع حركة «حماس»، التي ما زالت «تتمختر» بأسلحتها الفردية في شوارع المناطق المحرّرة. كما أنّها لم تتمكن من تنفيذ تعهداتها بعملية تسليم جثث الجنود والأسرى المدنيين الإسرائيليين لديها من ضمن مهلة الساعات الـ 72 التي حدّدها الاتفاق، متجاهلة ما غيّرته العملية العسكرية من تضاريس غزة، وجعلت بعض الجثث تحت أكوام هائلة من الدمار. وقد عجزت كل الوسائل المتوافرة عن الوصول اليها، بعدما تغيّرت معالم الأحياء والمدن الفلسطينية التي دمّرتها الآلة العسكرية.

وإلى هذه المعطيات، تترقّب الأوساط الديبلوماسية مجموعة الخطوات التي تقودها واشنطن في بعض الأزمات، بعيداً من مواكبة الخطوات العملية في غزة، بطريقة توحي بالسعي إلى حل شامل لا يقف عند حدود إنهاء الحرب في القطاع قبل تسوية الأزمة السورية ووضع الحكم الجديد فيها على السكة الأميركية كما رُسمت لها، وسط ضمانات توحي بلجم بعض المشاريع الإسرائيلية والتركية في سوريا بعد انتفاء الإيرانية وانكفاء الروسية منها، بحيث تكون الكلمة الفصل فيها لواشنطن دون سواها من القوى الإقليمية، بعد توزيع عادل للمكاسب عليها تجعلها في المواقع الخلفية للاستراتيجية الأميركية المعتمدة.

تزامناً، تعترف المراجع انّ في نية الأميركيين إنهاء الوضع في لبنان بطريقة تكرّس وعوده بالأمن والسلام في المنطقة، وليس في غزة فحسب، بما يؤمّن خلاص لبنان من أزماته إن سمع اللبنانيون واقتدوا بالنصائح الأميركية والدولية. وهي عملية تمّت فرملتها بقدرة قادر، فزادت من التعثر في اتخاذ القرارات الإصلاحية نتيجة فقدان وحدة الموقف بين المسؤولين الكبار بسبب الخيارات المتناقضة. بعدما تمكّن «حزب الله» من فرملة القرارات الكبرى الخاصة بخطة «حصر السلاح» غير الشرعي، إلى بقية ما هو مطلوب من قرارات إصلاحية عطّلتها المناكفات الداخلية، ولا سيما منها تلك الخاصة بإعادة تنظيم قطاع المصارف وسد الفجوة المالية والقوانين الإصلاحية الخاصة بوقف تعميم «اقتصاد الكاش» ومنع تبييض الأموال وتجفيف موارد «حزب الله» المالية، وزاد منها الخلاف على قانون الانتخاب وحق المغتربين في التصويت للنواب الـ 128، وما يمكن أن يؤدي إليه من إشكالات داخلية.

وإلى هذه المعطيات، تنصح المراجع الديبلوماسية بالعودة إلى قراءة الموقفين الأميركي والإسرائيلي، بحيث انّ اسرائيل إن نوت، يمكنها التفلّت من الضغوط الأميركية التي عطّلت بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية الدقيقة في الفترة الأخيرة، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة نظر أميركية في الأولويات ولو لفترة محدودة، قبل أن تعيد النظر بما قد يطرأ في فترة قد تكون انتقالية، ما لم تكن قد جرت وفق عملية توزيع أدوار بين تل أبيب وواشنطن، تؤدي إلى التسريع بالحل توصلاً إلى المخارج المنتظرة.

وإلى أن تنجلي الأمور في بعض المحطات المنتظرة الدولية منها والإقليمية، ثمة في لبنان مَن يسعى إلى إمرار الوقت بطروحات ديبلوماسية وسياسية، تحت شعار الإستعداد لمفاوضات مباشرة او غير مباشرة، في انتظار شكل الاقتراح الأميركي الذي اقترب موعده مع وصول السفير الأميركي الجديد إلى بيروت. وهي مهلة قصيرة يستفيد منها لبنان لإمرار زيارة البابا لاوون الرابع عشر نهاية الشهر الجاري، بحيث يتبين بعدها حجم الضغوط الأميركية التي يمكنها وحدها أن توفّر المخارج المطلوبة، وأقلها إجبار إسرائيل مرّة أخرى على ملاقاة لبنان بخطوة مماثلة، تسرّع في سحب الذرائع من «حزب الله» المتمسك بسلاحه، في انتظار الانسحاب من المواقع المحتلة، لتنطلق عجلة الحلول ولو متأخّرة بعض الوقت. وإن كانت هناك ضربة عسكرية ربما سريعة وعاجلة، تكون موضعية موجعة جداً، تؤدي أغراضها في اختصار فترة التريث المشتراة. والّا سيكون على اللبنانيين انتظار ما يقوله العرّافون ومعهم البرّاجون، الذين يتحدثون عن غياب مفاجئ لأسماء ووجوه لامعة عن المشهد السياسي في الفترة المقبلة.


المنشورات ذات الصلة