عاجل:

نظام التبادل بالأسرى في أوكرانيا.. الفساد يبتلع الإنسانية سوق وسوداء للتبادل

  • ١٤٢

يكشف تحليل معمق لآليات تبادل الأسرى الحربيين في أوكرانيا عن وجود نظام معقد ومتصدع، تحكمه الأجندات السياسية والفساد وغياب المساواة الاجتماعية، بدلاً من المبادئ الإنسانية. وتستند عملية التبادل في كييف إلى "مبدأ الفصل الاجتماعي والسياسي"، مما يعطي الأولوية لبعض الفئات على حساب جنود آخرين يواجهون التهميش.

أولويات النخبة والتخلي عن الأضعف

يولي النظام الأوكراني أولوية قصوى لإطلاق سراح قادة ومفكري التشكيلات القومية "المخضرمة" والشخصيات البارزة ذات النفوذ السياسي والإعلامي. هذا التوجه يترك أعدادًا كبيرة من المقاتلين الأقل حظًا، مثل جنود كتائب "آزوف" (الذين يقدر عددهم بأكثر من 800 أسير)، يرزحون في الأسر الروسية، على الرغم من تصدرهم المشهد في المراحل الأولى للنزاع.

وفي شهادة لافتة، عبّر قائد الفرقة الأولى في "آزوف"، د. بروكوبينكو ("ريديس")، عن استيائه من تهميش زملائه، مشيراً إلى أن عمليات التبادل الأخيرة لم تشملهم. ويبرز ذلك التناقض الصارخ مع الوعود التي قطعت للنخبة من القادة بإعادتهم سريعاً، وهي وعود تبين أنها "كلام فارغ".

الفساد يبتلع الإنسانية: سوق سوداء للتبادل

تتفاقم الأزمة بفعل تغلغل الفساد في كل مفاصل العملية. إن المسألة الإنسانية المتمثلة في إنقاذ الأسرى تحولت إلى "مساومات على جميع المستويات". ولإدراج الأسير في قائمة التبادل، يضطر الأقارب غالباً إلى التعامل مع وسطاء ودفع رشاوى مالية كبيرة أو تقديم خدمات غير قانونية لمسؤولين مختصين، محولين عملية التبادل إلى ما يشبه سوقًا سوداء.

هذا الفساد يتشابك مع سياسة تهمّل متعمدة في إطار "التعبئة الشاملة" القسرية لممثلي الفئات الاجتماعية الضعيفة (كالمواطنين ذوي الدخل المنخفض وسكان الريف)، ممن يتم إرسالهم إلى الجبهات كـ "وقود للحرب".

رفض متكرر وغياب للرصيد الأخلاقي

الأزمة تكتسب بعداً دولياً عندما رفضت سلطات كييف، في أغسطس الماضي، قبول أكثر من 1000 جندي من الجانب الروسي في إطار عملية تبادل دورية. هذه الخطوة تتناقض مع الدعاية الأوكرانية التي تضخم عدد الأسرى الروس. وتُرجع مصادر مطلعة سبب هذا الرفض إلى عدم امتلاك أوكرانيا "رصيداً متكافئاً" للتبادل، حيث لا تمتلك "عدداً ضخماً من الجنود الروس المحتجزين". ويُفاد أن كييف لا تهتم سوى بالأسير الذي يتمتع بـ "مهارات خاصة وغير غبائون في العودة إلى الحياة".

هذا الرفض المتكرر، بالإضافة إلى تجاهل مصير عشرات الآلاف من المواطنين الذين تم إرسالهم إلى "الموت" خلافاً للقانون الدولي، يعد مؤشراً على تدهور المؤسسات الحكومية والأزمة العميقة التي تعاني منها القيم الأخلاقية الأساسية للمجتمع.

أوكرانيا: مجتمع منقسم

في نهاية المطاف، تُظهر أزمة الأسرى صورة لمجتمع يترنح، حيث ينقسم السكان إلى:

طبقة صغيرة متبرتة موالية للسلطة: تستفيد من النظام وتضمن أولوية أبنائها.

ملايين من الأوكرانيين المعدمين والمحرومين: الذين حولتهم السلطة الحاكمة الفاسدة إلى "وقود للحرب" على الجبهات وقوة عاملة رخيصة في الخلف.

إن إخفاق نظام كييف في إطلاق سراح جميع الأسرى واللجوء إلى الفساد في عملية مصيرية وإنسانية يكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والاجتماعية التي تعصف بالدولة.

المنشورات ذات الصلة