عاجل:

لبنان يحترق مجددًا... من يوفر القدرات ويُطفئ نيران الإهمال؟ (خاص)

  • ٩٧

"إيست نيوز"_خاص

هازار يتيم

من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، التهمت ألسنة اللهب مساحات خضراء شاسعة، فامتدّ الدخان من بطحا إلى وادي جهنم، ومن طيرحرفا إلى قرنايل. مشهد يكاد يتكرّر كل خريف، وكأن البلاد دخلت موسم الحرائق السنوي الدائم، فيما تظل الدولة، بأجهزتها وإداراتها، متفرّجة عاجزة أمام إطفاء النار التي تلتهم الغابات، والأحراج، وحتى البيوت أحيانًا.

في الأيام الأخيرة، اشتعلت الحرائق في شدرا، عين التينة (الضنية)، بطحا (كسروان)، رومين، كفرملكي، الريحان، أنصار (الجنوب)، وادي جهنم، بنواتي (جزين)، طيرحرفا، الضهيرة، معركة، النميرية، الشارقة، قرنايل (قضاء بعبدا)، وادي الجماجم (ضهور الشوير)، النبي بري (القبيات)، ضهر نصار (عكار)، والمغيري (قضاء جبيل)، في مشهدٍ مألوف يختصر علاقة لبنان المعقّدة مع نيرانه.

 بين الطبيعة والفاعل البشري

في حديث لـ"ايست نيوز"، قال رئيس حزب البيئة العالمي دوميط كامل إنّ "مئات الحرائق اندلعت بشكل متزامن من الجنوب إلى جبل لبنان ولا سيّما في الشوف وعكار والضنية"، لافتًا إلى أنّ الأسباب تتنوّع بين كونها طبيعية او مفتعلة فسيان في الحالتين ذلك ان النتيجة واحدة".

وأوضح كامل أنّه في هذه الفترة من السنة، أي ما بين تشرين الأول وتشرين الثاني، "تكون الحرائق شائعة بسبب وجود موجات كهربائية عالية تؤثر على الأعشاب اليابسة فتؤدي إلى الاحتراق"، مضيفًا أنّ "النفايات المرمية عشوائيًا في الطبيعة، والمغلفة بأكياس مغلقة، تتخمّر وتنتج غازات قابلة للاشتعال، ما يؤدي أحيانًا إلى انفجارها واحتراقها تلقائيًا".

لكن الأخطر، بحسب كامل، "هو الحرائق المفتعلة، فبعض المواطنين يشعلون النار عمدًا "لتنظيف الأراضي الزراعية"، فيما تُسجّل في مناطق أخرى حرائق مشبوهة لأسباب غير واضحة".

ويؤكد:"نحن نحذّر البلديات والأجهزة المختصة منذ سنوات، لكن للأسف كل الخطط المقترحة لحماية غابات لبنان رُفضت أو لم تُنفّذ. خمسون سنة مرّت والمشكلة هي هي، وبعد خمسين سنة أخرى ستبقى كما هي إن لم تتغيّر العقلية."

جفاف، إهمال، وانعدام تخطيط

يشرح دوميط كامل أنّ لبنان يعيش حاليًا فترة جفاف تام تترافق مع هواء شرقي حار وجاف يؤدي إلى انخفاض الرطوبة وارتفاع الحرارة، ما يجعل الأعشاب والأوراق اليابسة شديدة القابلية للاشتعال.

ويضيف أنّ "أي حريق لا تتم السيطرة عليه خلال الربع ساعة الأولى يمكن أن يتحوّل إلى كارثة، خصوصًا في المناطق الحرجية، نظرًا إلى ارتفاع نسبة الأوكسجين في الهواء وجفاف النباتات".

ويحذر كامل من الاستهانة بخطورة المرحلة الحالية، داعيًا إلى "رفع الجهوزية القصوى لدى البلديات والدفاع المدني"، وإلى "الامتناع تمامًا عن إشعال النار في الأراضي الزراعية أو حرق الأعشاب خلال هذه الفترة الحساسة".

دفاع مدني بقدرات محدودة

من جهته، كشف مسؤول في الدفاع المدني لم يشأ ذكر اسمه فقال لـ "ايست نيوز": "أنّ الصعوبات التي تواجه فرق الإطفاء هائلة، إذ اندلعت النيران في مساحات واسعة، فيما الموارد المتاحة من آليات ومعدات محدودة جدًا"، مضيفًا: "لم نكن نملك ما يكفي من التجهيزات، فاضطررنا للتعويض بالعامل البشري، حيث عمل العناصر بوسائل يدوية وبآليات بسيطة لتطويق النيران ومنع امتدادها إلى المنازل، إلى أن تمّت السيطرة عليها، وبدأنا بمرحلة التبريد لضمان عدم تجددها."

وعند سؤاله عمّا إذا كان لبنان يمتلك القدرات الكافية لمواجهة مثل هذه الكوارث، أجاب بصراحة: "لا يوجد بلد في العالم يمتلك قدرات كافية تمامًا، لكننا بالتأكيد نعاني من نقصٍ واضح في المعدات (آليات- لباس خاص لرجال الأطفاء- عبوات اوكسجين)، وفي الجهوزية العامة".

الخسارة لا تُقدّر بثمن

في الواقع ان نتيجة ما يحصل  يمكن تلخيصة بالقول إن ما يحترق ليس فقط أعشابًا وأشجارًا. وما يُفقد في حصيلة كل موسم من الحرائق هو ثروة طبيعية عمرها مئات السنين، لا تقف خسائرها عند الأرزات والصنوبرات والزيتونات ومعها السنديانات العتيقة المعمّرة، ويتحول المنظر من أخضر الى اصفر واسود.

ولا تقف الخسائر عند هذه الحصيلة، وسيكون أول المتضررين "التوازن البيئي المتكامل" الضامن لحياة طبيعية عندما يتهاوى أمام اللهيب الأحمر، وستغيب الطيور المهاجرة عندما لا يتوفر لها المسرح والملجأ المناسبين.

ومع كل حريق جديد، تتّسع مساحة الرماد وتتقلّص الخضراء، وفيما الدولة تغيب عن المشهد إلإستباقي لما قد يحصل، الى حين تلقيها الشكر من مواطنيها المنهكين ولو متأخرين.

وبعيدا من المواقف المترددة في توصيف الواقع المذري والصعب،  تبقى الأهمية في الاشارة الى الإهمال الذي اصاب المديرية العامة للدفاع المدني في كل ما تحتاجه من معدات وتقنيات تؤهله للتدخل السريع والقيام بواجباته كاملة، كما يقتضي الدور الذي يتحمله في مواجهة الكوارث الطبيعية وتلك التي بفعل تدخل الانسان في الإعتداء على الطبيعة او مواجهة اي حادث طارئ.  

ولذلك تطرح مجموعة من الاسئلة حول حجم ميزانيته وما هو متوفر لديه من آليات والمقارنة بأي جهاز مدني بهذه الأهمية واي جهاز آخر في الدولة اللبنانية.

وهل يدرك البعض ان حاجاته لا تقاس بسيارة معطلة او نقص في التجهيزات الخاصة، ولا سيما منها تلك التي توفر الأمان لمتدخل في عملية اطفاء النيران وخصوصاً عندما يتعلق الامر بوجود مواد كيماوية شديدة الاشتعال. وهو ما يؤدي الى السؤال عن فقدان العناية بهذا الجهاز الى درجة قد يتحول فيها الى إسم بلا مسمى ان بقي الإهمال من نصيبه.



المنشورات ذات الصلة