عاجل:

قداسة البابا في لبنان: بين صلاة الفقراء ومساءلة الفاسدين ورجاء شعبٍ يئن (خاص)

  • ٦٧

خاصّ - "إيست نيوز"

من المُقرّر أن يكون قداسة البابا لاوون الرابع عشر في لبنان في الفترة من 30 تشرين الثاني إلى 2 كانون الأول 2025. في خطوة تهدف إلى تعزيز السلام والمصالحة والوحدة الوطنية.

 وخلال هذه الأيام، سيلتقي البابا رئيس الجمهورية الذي يلبي في زيارته هذه دعوته لزيارة لبنان وكل من رئيسي مجلس النواب والحكومة والقيادات الروحية وعلمانيين ويراس سلسلة لقاءات في اكثر من منطقة في لبنان ولا سيما في ساحة الشهداء في وسط بيروت، عنايا حيث ضريح القديس شربل وفي حريصا وبكركي قبل ان يرأس القداس الكبير في واجهة بيروت البحرية والذي سيكون آخر محطة له ليختم زيارته اللبنانية قبل ان يعود الى مقره في الفاتيكان.

في زمنٍ يُكابد فيه اللبنانيون وجع العيش اليومي وسط الانهيارات المتتالية، يطلّ على لبنان حدث استثنائي يحمل رمزية كبيرة: زيارة البابا لاوون الرابع عشر.

زيارةٌ تأتي في لحظة تبدو البلاد فيها أشبه بورشة ألمٍ مفتوحة، لا تزال تبحث عن بريق الرجاء وسط ظلمة الانقسام والتعب واليأس.

قد تُختصر الزيارة في ظاهرها بأنها رعوية وإنسانية، لكن معناها يتجاوز الشكل البروتوكولي إلى العمق الوطني والأخلاقي. فحين يزور الحبر الأعظم وطن الأرز، لا يزور فقط كنيسةً أو طائفة، بل يزور بلداً فقد توازنه بين القيم والمصالح، بين الروح والمادّة، بين الإيمان بالوطن وفقدان الثقة بكل من في السلطة.

زيارة في زمن الانهيار

لم يعد اللبنانيون يبحثون عن البركات بقدر ما يبحثون عن العدالة. فزيارة البابا، مهما كانت قصيرة، تأتي في سياق بلدٍ جريح: اقتصاده منهار، مؤسساته تترنّح، وشعبه يهاجر بصمتٍ من دون وداع. إنها زيارة إلى وطنٍ أنهكته الأنانيات السياسية، واستُنزفت خيراته في مشاريع وهمية وفسادٍ موصوف.

من هنا، يحمل قدوم البابا معنى مزدوجًا: رجاءٌ روحيّ من جهة، وفرصة للمساءلة الأخلاقية من جهة أخرى.

ولأننا في لبنان نتّقن فن التجميل قبل كل زيارة أو استحقاق، نرى الأشغال تُستنهض فجأة، والطرقات تُعبَّد، والأرصفة تُنظَّف، وكأن البلد لا يتحرّك إلا على وقع الكاميرات. يا ليت البابا يأتي كل يوم، لعلّنا نرى هذا النشاط الدائري في خدمة الناس لا في خدمة الصورة.

مشهدٌ يُذكّرنا بأغنية الفنّان آدم: "من جوا رخيص ومن برّا ذهب وقشرة" تعبيد طرقات وبُنى تحتية مُهترئة كما حال إدارات الدولة، تُلمَّع في الظاهر وتنهار في الجوهر.

لا نريد للزيارة أن تكون غطاءً لأحد

بقدر ما ينتظر اللبنانيون كلمات البابا، ينتظرون أيضًا مواقفه. لا نريد لهذه الزيارة أن تتحوّل إلى منصّةٍ لتبييض صفحات السياسيين أو لتلميع وجوهٍ غارقة في الفساد. فلبنان لا يحتاج إلى المزيد من الصور التذكارية مع أصحاب الياقات البيضاء، بل إلى صوتٍ صادق يواجه الحقيقة كما هي.

نريد من البابا أن يقولها بوضوح: أن يُطالب المسؤولين بإرجاع الأموال المنهوبة، بإصلاح ما دمّروه من مؤسسات، وبإعادة الاعتبار إلى كرامة الإنسان اللبناني الذي يُهان كل يوم على أبواب المصارف والمستشفيات والإدارات العامّة.

نريده أن يذكّرهم أن الخطيئة الكبرى ليست فقط في السرقة، بل في السكوت عنها، وفي تحويل الوطن إلى شركة خاصة تُدار بالمحسوبيات والولاءات الضيقة.

لبنان يستحقّ صلاةً وصرخة

ليست زيارة البابا مجرّد محطة روحية، بل لحظة للمُحاسبة والمُصارحة. فلبنان الذي سمّاه البابا يوحنا بولس الثاني "أكثر من وطن، رسالة"، لم يعد يحتمل أن تكون رسالته مُجرّد عبارة شعرية تُردَّد في المناسبات. الرسالة الحقيقية اليوم هي في استعادة العدالة الاجتماعية، وصون الحريات، وبناء دولة تحترم الإنسان لا تُهينه.

إنّ اللبنانيين لا ينتظرون مُعجزة من البابا، لكنهم يتطلّعون إلى كلمة حقّ تُعيد إلى المشهد الوطني توازنه الأخلاقي. لأنّ هذا البلد الذي أعطى العالم قامات روحية وفكرية كبرى، يستحقّ أن يسمع من الحبر الأعظم دعوة صريحة إلى الإصلاح لا المُجاملة.

زيارة تحمل رجاءً ومسؤولية

قد تُلهب هذه الزيارة مشاعر المؤمنين وتُعيد شيئًا من الدفء إلى قلوبهم، لكنّها يجب أن تُترجم أيضًا بمواقف شجاعة. فالإيمان لا يكتمل إلا بالفعل، والمغفرة لا تكتمل إلا بالتوبة، والتوبة الحقيقية في لبنان تبدأ بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، ومُحاسبة كل من أجرم بحقّ الناس والوطن.

رسالة إلى قداسته: وسؤال وطن

قداسة البابا،

لبنان الذي ستزوره ليس بخير، لكنّه لا يزال حيًّا بالإيمان والعناد والأمل. هنا شعبٌ صبر كثيراً، ووجع أكثر، وصلّى طويلاً من أجل قيامةٍ لم تأتِ بعد.

نحن لا نطلب المُستحيل، نطلب فقط أن تُسمَع كلمتك كصرخة في وجه من يستهينون بكرامة الناس، وأن يكون صوتك إلى جانب الفقراء لا إلى جانب الذين أفقروا هذا البلد.

قداسة البابا،

إذا كان يسوع قد طهّر الهيكل من تجّاره، فهل آن الأوان أن يُطهَّر لبنان من تجّار السياسة والدين؟

المنشورات ذات الصلة